غياب الآليات الدستورية يعزز «المدد» الخارجي
أزمة رئيس وتسوية.. أم أزمة نظام؟
تَقَطُّعُ السبلِ بالتسوية الرئاسية نكأ جراحا كثيرة، منها ما يتصل بالطوائف واحزابها، ومنها ما يتعلق بالنظام نفسه. أمكن القول إن ديموقراطية لبنان التوافقية، وهي ركن اساسي من اركان نظامه، اثبتت رسوخها، وأثبتت في الوقت نفسه عجزها وفشلها. هو تأكيد متجدد على ان السائد، ان امكن تسميته نظاما، وصل الى مرحلة متقدمة من التأزم . لم يعد من السهل الترقيع بحل مؤقت من هنا او حلحلة لعقدة مفردة من هناك. هي سلة كاملة. ليس على طريقة السلة الرئاسية فقط، انما وفق قراءة متأنية لسبل معالجة العقم الذي عطّل كل مؤسسات البلد وافرغها وحتى سخّفها.
العجز عن انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من سنة ونصف ليس مسألة تقنية أو خلافاً نظرياً. تعطيل العمل التشريعي والرقابي ليس ترفا اراديا أو اداريا يمكن لمجلس النواب ممارسته. تعطيل مجلس الوزراء، مع ما يعنيه من تداعيات على سيرعمل المؤسسات، لا يمكن اعتماده خيارا سياسيا.
يحضر كل ذلك مجددا بعد فشل محاولات التسوية في ايصال سليمان فرنجية رئيسا للجمهورية، وهو، للمناسبة، احد الابناء الحقيقيين لهذا النظام.
كل ما رافق التسوية، في الشكل والمضمون، أوحى أن الخلل في كل مفصل من مفاصل الحياة السياسية. فقد ظُهّرت التسوية وكأنها «تهريبة» يراد تمريرها بعد لقاء باريسي ضبابي التوافقات، أنكره اصحابه قبل صياح الديك. ثم جاءت مرحلة التهديد والتخوين والتخويف من كل الاطراف، الموافقون على التسوية والمعارضون لها. لوهلة ظّن الناس ان الدنيا تهتز وستقع، سواء أإنتخب فرنجية ام لم ينتخب. تكتَّلَ المسيحيون. اتفقوا على الرفض وسط عجزهم عن طرح مخرج. المسلمون بانقسامهم الطائفي اليوم أعجز من أن تجمعهم رؤية واحدة حول كيفية حماية لبنان وتحصينه.
ولمزيد من توضيح هشاشة النظام وغياب آليات العمل فيه، لا بد من متابعة كمّ المعلومات التي تحدثت عن توافقات اقليمية ودولية حول اسم الرئيس العتيد. فلا تسقط شعرة من رؤوس اللبنانيين الا بارادة خارجية، فكيف يمكن اسقاط رئيس في بعبدا من دونها؟
يقر كثيرون بعجز النظام القائم وانتهاء صلاحيته، لكنهم ايضا يخافون الذهاب الى مغامرة تغييره. يقول سياسي وسطي «سقطت المارونية السياسية بكل وجوهها ولم تجد من يرثها. لم يقدم المسيحيون بديلا، واكتفى المسلمون بوهم الغلبة قبل ان يوغلوا في انقسامهم الطائفي من دون اي مشروع واضح للبلد. وبين هؤلاء واولئك سينتهي البلد بصورته التي نعرفها من دون ان يكون هنالك بديل. والخوف أن تملأ الفراغَ أشكالٌ مقلقة من التطرف او التكاذب المتجدد وبينهما اهتزازات سياسية واقتصادية وربما أمنية».
يسأل السياسي نفسه: «عن المانع الجوهري الذي يعيق اللبنانيين عن التوافق على منطلقات لشدشدة النظام ان لم يكن الظرف متاحا لتعديلات ضرورية ومنها ما ورد في اتفاق الطائف مثلا». ويضيف: «لا بد من آليات تؤمن استمرارية العمل في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها. ولا بد من البدء بمكان ما لاصلاح هذا الخلل الطائفي المتجذر في النفوس والنصوص معا، من المدرسة والجامعة الى اللامركزية وصولا الى قانون انتخاب يحرر الناس، وليس انتهاء باعادة النظر ببعض القوانين لتكون في خدمة تسيير شؤون الناس والبلد وليس تعطيلها».
يشدد السياسي على أن «لا شيء مقدسا سوى تحييد البلد عن الازمات خصوصا الامنية والاقتصادية. لا يمكننا أن نمارس سياسة النعامة وندّعي أن الامور بخير. هي ليست كذلك، لكن ليس من المستعصي ان تكون. تحتاج الى بعض جرأة وصراحة، والاقرار بالتحديات وطي صفحة الماضي بشكل نهائي بعد مصارحة فعلية. خسرنا في الحرب نظامنا السياسي ولم ننجح في أن نبني بديلا عنه. ورثنا منه خوفنا من بعضنا ورغبتنا بتحقيق ارجحية سياسية او عددية او نوعية او حتى بمدد خارجي. كل هذا لن يساعدنا على الحفاظ على ما تبقى من هذا البلد، وهو بكل حال، قليل».