أن يخطب الرئيس سعد الحريري في ذكرى استشهاد والده الرئيس رفيق الحريري ومباشرة من بيروت، ليس هو الخبر ولا الأمر الجديد، إنما أن يطلق العنان لكل ما يعتمل في صدره من ألم ومعاناة مع حلفائه في قوى «14 آذار»، ومباشرة ومن دون سابق تصور وإصرار لهو الجديد بعينه.
هذا لا يعني أن حال قوى «8 آذار» في أفضل حال، فالانشطار أصاب الجميع بلا استثناء، ونقل المشهد السياسي من حال إلى حال، ينقصه فقط توقيت «الضغط البنّاء» لتظهر حقيقة المشهد بعد إعادة تشكله وفق سياق جديد يحمل في طياته ممارسة أكثر مباشرة ووضوحاً عما سارت عليه الأمور منذ ما بعد اتفاق الدوحة في العام 2008، حيث غلب أسلوب تقطيع الوقت، لا بل شراؤه بأثمان مثقلة لكل جوانب الحياة في لبنان.
يسجل للرئيس سعد الحريري أنه مارس جرأة في خطابه وغادر أسلوب الكفوف والقفازات، على قاعدة أن له عند حلفائه الكثير بينما هم لم يبادلوه في أوقات الشدة إلا المزيد من تعقيد الموقف وصولاً الى حد الانقلاب على التوجهات، بينما هو أعطى كل ما لديه وأكثر، وعند «غدرات الزمان» كان البعض منهم يتقدم ليأخذ المكان والدور مقدماً نفسه أنه الأقدر على قيادة السفينة.
تأخذ جهات سياسية على الحريري في خطابه أنه عكس منطقاً سعودياً خالصاً في كلامه الموجه الى «حزب الله»، لا بل كان عنيفاً مع شريكه في الحوار الثنائي الذي ينعقد في عين التينة تحت أنظار الرئيس نبيه بري. وإذا كان هذا المنطق هو الذي سيسود الخطاب لاحقاً، فهذا يعني أنه ليس في وارد العودة الى رئاسة الحكومة أو البدء بعملية انفتاح جديد وتفاوض حقيقي حول الملفات الأساسية التي من شأنها أن تكون ركيزة الأمن والاستقرار والسلم في العهد الجديد، أياً تكن الشخصية التي ستصل الى سدّة الرئاسة.
أضف إلى ذلك، تستشف الجهات السياسية من كلام الحريري الموجه مباشرة الى كل من حزب «القوات اللبنانية» بشخص رئيسه سمير جعجع وإلى «التيار الوطني الحر» بشخص زعيمه الجنرال ميشال عون، مقاربة جديدة في العلاقة مع الحليف و «حليف الحليف»، تختلف جذرياً عن دور الإسفنجة التي تمتص كل الأزمات في صفوف حلفائه والتي أدت إلى خسائر كبيرة في السياسة والمال والعمق الجماهيري وصولاً إلى الدور، وهو بأسلوبه رمى كرة نار في مياه «القوات اللبنانية» التي كانت تغلي أصلاً، وأكد المؤكد في ما اعتقده جمهور «التيار الوطني الحر» بعد حوارات روما وباريس وبيت الوسط أنه اقتراب من صوغ تسوية توصل الجنرال الى بعبدا، علماً أنه أعلن صراحة عدم وضعه فيتو على أحد، وهذا ما فسره جمهور التيار وكذلك عون أنه إمكانية لمخرج ما.
إلا أن ما لفت الجهات السياسية هو أن الحريري فتح نافذة على مرشح من غير الأقطاب الأربعة، وأنه على استعداد للنزول الى مجلس النواب بقطع النظر عمن هو مرشح.
لكن اللافت أن مضمون كلام الحريري ونبرته ورسائله، قطعت الشك باليقين أن القيادة السعودية أقفلت كل المنافذ على إمكانية تسلل أي كان الى موقع القيادة والدور الأول في لبنان على حساب الحريري، وهذا برز من الارتياح الكبير الذي تعمّد إظهاره، وتعاطيه بأسلوب الموجّه والآمر مع قوى «14 آذار»، ما يعني أن الحريري لديه تفويض سعودي بالخطوات التي قام بها والمواقف التي اتخذها.
هذا لا يعني أن الألغام والحواجز والجدران المرتفعة في الداخل اللبناني قد أزيلت من أمامه، لا بل من الخطأ إغفال أن تطورات الأرض في سوريا بإمكانها تغيير كل مشاريع التسويات السابقة، سورياً ولبنانياً، مع الإقرار بأن ثلاثة أقطاب، نبيه بري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية، كانوا الأكثر ارتياحاً لعودة الحريري، ولسرده الوقائع الرئاسية.. و «تقريع» بعض الحلفاء.