تهتم بعض الدول الكبرى بالشأن اللبناني، بين وقت وآخر، وينعكس ذلك في زيارة كبار المسؤولين من تلك البلدان لبيروت. يجتمع هؤلاء بكبار المسؤولين اللبنانيين الذين، في معظم الأحيان، يتكلمون عن اخصامهم المحليين والإقليميين بقسوة. قال لي مرة سفير أميركي خدم بلاده في منطقتنا: «قلما اجتمعت بسياسي لبناني لا يتكلم بسوء عن السياسيين الآخرين، خاصة السياسيين من أبناء طائفته». هذه العادة لا تقتصر اليوم على اللبنانيين، وأصبحنا نسمعها من سياسيي الدول التي باتت عندها حرية نسبيا.
زار لبنان خلال أسبوع واحد، نائب وزير الخارجية الروسية ومدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الفرنسية. وبينما ركز المسؤول الروسي في اجتماعاته مع السياسيين اللبنانيين الذين التقاهم على شؤون المنطقة، خاصة الحرب في سوريا، شدد المسؤول الفرنسي على انتخاب رئيس للجمهورية في أقرب وقت ممكن.
بالرغم من ان بعض المحللين ادّعى منذ أشهر بأن انتخاب رئيس للجمهورية خرج من المسرح اللبناني ودخل الاهتمام الدولي، الا ان ذلك لم يتبين حتى مجيء الموفد الفرنسي الى بيروت. لا بل اعتقد البعض بعد المقابلة التلفزيونية للرئيس سعد الحريري منذ اكثر من اسبوعين ان انتخاب الرئيس انتقل من الملعب المسيحي الى الملعب الاسلامي، اي لا يزال قرار انتخاب الرئيس العتيد لبنانيا بامتياز، لكن عند الساسة المسلمين. هذا الاعتقاد أتى نتيجة قبول الرئيس الحريري بدعوة السيد حسن نصرالله تيار المستقبل الى الحوار، وذلك بعدما شدد السيد نصرالله على ان مرشح «فريقه» لرئاسة الجمهورية هو العماد ميشال عون، ومن يريد الحوار حول هذا الموضوع عليه ان يتوجه الى الرابية.
لكن الديبلوماسية الفرنسية، على ما يبدو، قد استنتجت بعد زيارات عدة لمسؤولين لبنانيين لباريس ان الحوار الداخلي المشار اليه لن يتطرق الى بحث الشغور الرئاسي والاتفاق على ماروني رئيساً، ولذلك حطّ الموفد في لبنان في طريقه الى الرياض وطهران. ويبدو ايضاً ان الموفد الفرنسي لم يصدق تشديد الامين العام لـ «حزب الله» على ان ايران غير معنية بانتخابات الرئاسة اللبنانية، وبأن القرار بذلك عند «حزب الله». كذلك يبدو انه لم يبال بكلام الرئيس سعد الحريري الذي اعلن من باريس انه سيحاور «حزب الله» في هذا الموضوع.
اضافة الى ذلك كله، يبدو ان الموفد الفرنسي لم يقرأ في ملفات وزارته عن تدخل بلده في الانتخابات الرئاسية السابقة عندما ضغط وزير خارجيته برنار كوشنير على البطريرك صفير في خريف 2007 بأن يسلمه ستة اسماء لمرشحين مفضّلين لدى غبطته، مؤكداً له ان الزعامات الاسلامية ستختار واحداً منهم رئيساً. وبعد فشله ترك الوزير الفرنسي لبنان ولم يعد اليه.
كذلك يجب التنويه، بأن زيارة الموفد الفرنسي للرياض وطهران تعني اولاً وآخراً ان لمشكلة الرئاسة اللبنانية امتدادات اقليمية ودولية. وهذا ليس لأن اللبنانيين فشلوا في انتخاب رئيس للجمهورية، بل لأن النفوذ الاقليمي يساند ترشيح البعض ويعارض وصول مرشحين آخرين. مع ذلك، يستمر اللبنانيون ـ وخاصة المسيحيين ـ بلوم واتهام بعضهم البعض بأنهم يعطلون انتخاب الرئيس. الموفد الفرنسي يعرف تماماً بأن نجاحه يعتمد على زيارته الرياض وطهران.
لكن الأهم من زيارة الموفدين للبنان هو الحوار المنتظر بين «المستقبل» و»حزب الله» الذي يعمل له الرئيس نبيه بري. السؤال الكبير والصعب يتعلق بالاجندة، التي يجب ان تضع الشغور الرئاسي في اولوياتها، وأن يبحث الفريقان في مواصفات رئيس الجمهورية ويتفقا على توصيف للرئيس يَقبل به الطرفان من دون تردد. يجب ان يتفقا على دور المقاومة في لبنان وسوريا، وعلى الدور الذي يمكن ان يلعبه رئيس الجمهورية العتيد في هذا المضمار. ان نجاح «المستقبل» و»حزب الله» في الوصول الى اتفاق حول هذا الموضوع قد يسمح مباشرة بانتخاب رئيس لجمهورية لبنان من دون أي تدخل اقليمي او دولي. لبنان قد يشهد داخلياً خلال عهد هذا الاتفاق الموعود استقراراً وازدهاراً وأمناً، وثباتاً في السياسة الخارجية.
الأهم من كل ذلك، سيكون للبنانيين رئيسٌ صنع في لبنان.