IMLebanon

كيف يؤتى برئيس مكلّف لا يشبه دياب ولا أديب؟

 

انقضى أسبوع على اعتذار السفير مصطفى أديب عن عدم تأليف حكومته، دونما الدعوة إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية خلفه. مهلة التأخير معقولة. غير المعقول فيها أنّ أحداً لا يتوقع استشارات جديدة قريبة. لا أحد يتشاور مع أحد فيها أيضاً

 

مذ أمهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القادة اللبنانيين، المتهمين بـ«الخيانة الجماعية»، ستة أسابيع حداً أقصى لتأليف حكومة جديدة، ذهب هؤلاء في نوم عميق حيال الاستحقاق المؤجل. ربما الى اليوم الأخير من المهلة في 8 تشرين الثاني، اليوم الخامس بعد انتخابات الرئاسة الأميركية. بيد أن أحداً لا يجزم هل تحتاج الاستشارات النيابية الملزمة الى مهلة مماثلة، كي يُدعى إليها، وينجم عنها رئيس مكلف تأليف الحكومة.

 

ما انتهت إليه تجربة السفير مصطفى أديب كرئيس مكلف سابق، هو أن الاتفاق على الخلف جزء لا يتجزأ من الاتفاق على الحكومة برمّتها. ما يفرضه الرؤساء السابقون للحكومة في مطلع اللعبة، يُسقطه الثنائي الشيعي في منتصف الطريق. بذلك أعلن الطرفان أخيراً امتلاكهما الفيتوات المتبادلة القادرة على المنع، لا على الفرض. مؤدّى ذلك أن الاستشارات النيابية الملزمة، كصلاحية دستورية لرئيس الجمهورية، تمسي غير ذات جدوى. مصيرها أسود بلا التوافق السنّي – الشيعي.

لا لبس في أن الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة صلاحية مطلقة لرئيس الجمهورية، لا يشاركه أحد فيها. كذلك إدارة الاستشارات هذه واستخلاص نتائجها ومحضرها الخطي الرسمي. تتوقف الصلاحية فور انتهاء الاستشارات عندما تُلزم رئيس الجمهورية المحضر الذي أعدّه بنفسه وأطلع رئيس مجلس النواب عليه، ثم إصداره بيان تسمية الرئيس المكلف، المنتخب بغالبية أعضاء مجلس النواب. عندئذ يتقاسم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف مرحلة تأليف الحكومة بدور مرجَّح يبدأ عند الثاني، وتنتهي بدور مقرِّر عند الأول. ما إن يباشر الرئيس المكلف مشاوراته مع الكتل النيابية، ينفصل عن رئيس الجمهورية كي يضع تصوّره لمسوّدة الحكومة وزراء وحقائب، ويناقشه بعد ذلك معه من غير أن يعدّ نفسه ملزماً الإصغاء إليه، إلى أن يضع بين يديه الصيغة النهائية للحكومة المعدّة لإصدارها بمراسيم. إذذاك يعود القرار الى رئيس الجمهورية الذي يوافق فيوقّع، أو لا يوافق فيطلب تعديل الصيغة جزئياً أو كلياً، ويكون على الرئيس المكلف التوافق مع رئيس الجمهورية على حلّ التباين أو الخلاف. سوى ذلك لا حكومة تصدر.

لا تنصّ المادة 53 على دقائق هذه الآلية التي استقرّت عُرفاً مذ بوشر العمل بالاستشارات النيابية الملزمة، للمرّة الأولى، مع حكومة الرئيس عمر كرامي في 20 كانون الأول 1990، واستغرقت المدّة الفاصلة ما بين التكليف والتأليف أربعة أيام فقط. مع الرئيس ميشال عون طرأ تعديل على العُرف، مستخدماً للمرّة الأولى أيضاً ثغرة في المادة 53، هي أنها لا تقيِّد رئيس الجمهورية بمهلة ملزمة للدعوة الى استشارات نيابية ملزمة فور قبوله استقالة الحكومة والطلب منها تصريف الأعمال. في الغالب، تزامن منذ مطلع التسعينيات حتى عام 2011 طلب تصريف الأعمال مع الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة. انتظر عون 50 يوماً قبل الدعوة إليها فأفضت في 19 كانون الأول 2019 الى تكليف الرئيس حسان دياب. ثم انتظر 21 يوماً كي يدعو الى استشارات نيابية ملزمة سمّت الرئيس المكلف مصطفى أديب في 31 آب 2020.

قبل عون، خرج سلفه الرئيس ميشال سليمان على عُرف تزامن البيانين، بأن أرجأها أسبوعاً واحداً من 17 كانون الأول 2011 الى 24 كانون الأول. يومذاك فُسِّر التأجيل بعبارة بيان الرئاسة بأنه “توخّياً لتأمين المصلحة الوطنية”. مع عون، مُنح التريّث في الدعوة الى الاستشارات النيابية الملزمة بُعداً دستورياً مختلفاً يتجاوز التبرير السياسي، من أجل أن يُؤسس لعُرف ولا يكون إجراءً عابراً. أضاف الى صلاحيات الرئيس ـ بما تمثّله من سلاح مؤثر ـ حقاً دستورياً صلباً هو أن المادة 53 غير ملزمة إياه بمهلة مقيِّدة، شأن تذرّع الرئيس المكلف بأن لا مهلة مقيِّدة له لتأليف الحكومة، وصار ينظر الى مدّة التكليف على أنها مطلقة وجزء لا يتجزأ من صلاحيات الطائفة في النظام. فجأة، أضحت المهلة غير المقيِّدة لرئيس الجمهورية موازية لتلك التي للرئيس المكلف.

في الأيام الأخيرة عُزي تأجيل توجيه الدعوة الى رغبة عون في التفاهم على التأليف قبل التكليف، على نحو مطابق لما حدث للمرّة الأولى مع دياب، فتأخّر تكليفه 50 يوماً وتأليفه الحكومة 33 يوماً. لكن أيضاً لتفادي تكرار ما لم يخبره من قبل رئيس للجمهورية. أن يقصده الرئيس المكلف ست مرات، من غير أن يحمل إليه في أيّ منها مسوّدة حكومة أو تصوّره لها، وينقطع تماماً عن التشاور مع الكتل النيابية، ويلتصق بأربعة رؤساء سابقين للحكومة زكّوا تكليفه فأضحوا مرجعيته الوحيدة، ثم يعتذر بناءً على رغبتهم.

ما انتهت إليه تجربة أديب، غير المسبوقة بدلالاتها، تضع دعوة رئيس الجمهورية الى استشارات نيابية ملزمة، وإن كحقّ دستوري محصور به وحده، معلّقة وقليلة الفاعلية، لأسباب ثلاثة على الأقل:

1 – لم يعد في الإمكان تصوّر تخلّي رؤساء الحكومات السابقين عن الدور الذي اضطلعوا به في المرحلة الأخيرة، ما لم يصر الى تكليف أحدهم. جعلوا تجمّعهم مرجعيّة سنّية تستمدّ قوتها من كونهم الأكثر تمثيلاً في الشارع السنّي، دونما مفاضلة أحدهم على الآخر. ولأنهم سمّوا أديب، لم يعد يسهل إمرار تكليف شخصية سنّية أخرى بلا موافقتهم، إن لم يكونوا هم وراء تسميتها، بمواصفاتهم هم التي تفترض سلفاً استفزاز الفريق الآخر. بات الرباعي السنّي نسخة مطابقة للثنائي الشيعي الذي لا يسع أيّ أحد، بمن فيهم رئيس الجمهورية، تجاوز اعتراضه.

2 – مع أنها ليست المرّة الأولى، بيد أن الرئيس نبيه برّي وحزب الله قدّما دليلاً إضافياً على أن لا حكومة في معزل عنهما كثنائي يمثّل بمفرده الطائفة. شأن أولئك، لم يعد يسع الثنائي مع أي رئيس مكلف آخر التراجع عمّا أصرّ عليه مع أديب، سواء بالنسبة الى حقيبة المال أو تسمية الوزراء الشيعة جميعاً.

3 – يبدو من البساطة الاعتقاد بسهولة دعوة رئيس الجمهورية الى استشارات نيابية ملزمة ما دام صاحب الصلاحية، تضع مجلس النواب أمام استحقاق اختيار مرشح لتأليف الحكومة. بمثل سهولة كهذه، لا يصعب عليه التكليف. ليس في المادة 53 ما يوجب حصول الرئيس المكلف على النصف +1 من أعضاء البرلمان. لذا يصبح في أبسط قواعد اللعبة أن المرشح الحاصل على الأكثرية النسبية يمسي رئيساً مكلّفاً، وخصوصاً إذا تعدّد المنافسون. ذلك يعني أنه عند الرباعي السنّي صورة مكمّلة لدياب، وعند الثنائي الشيعي صورة مكمّلة لأديب.