قالها الرئيس نبيه برّي بوضوح… ابحثوا عن رئيس مكلف للحكومة عاقل.
كلام يكاد يكون من ذهب، والذهب هذه الأيام هو الأغلى والأثمن والأضمن، وبما أن الرئيس برّي متخصص في التنقيب والتفتيش عن المخارج والحلول للأزمات الكبيرة منها وحتى الصغيرة أيضاً، فلا بدّ من أخذ كلام دولة الرئيس بعين الاعتبار وإعطائه حقه بشكل كاف وواف لأن عبارة الرئيس برّي قد اختصرت في معانيها وابعادها وتشعباتها المشهد اللبناني برمته وجعلت الكل يتمسك بمطلب الرئيس برّي واقتراحه حتى آخر نفس لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين معاً.
لكن مهلاً، يا دولة الرئيس نستميحك عذراً ان طالبنا كمواطنين لبنانيين مخلصين أحبوا هذا البلد بكل جوارحهم وقلوبهم ومن الصميم، وتمسكوا به الى اللانهاية، أرضاً وكياناً ومؤسسات، وقد صمدوا رغم كل الصعوبات والمشاكل والخسائر والأعباء التي تكبدوها على مدى سنوات وسنوات إيماناً منهم انه سيأتي اليوم الذي تبزغ فيه شمس المحبة والوحدة بين اللبنانيين ولو بعد حين، وبعد تعثر ومخاض عسير.
عفواً دولة الرئيس، ان رئيس الحكومة المكلف العاقل وحده لا يستطيع حل المشكلة في لبنان، ولن «يشيل الزير من البير» أو «يكتشف البارود» بحسب المثل الشائع، فالناس يا دولة الرئيس بحاجة ماسة الى رؤساء عاقلين، وإلى زعماء عاقلين، وإلى حكام عاقلين، وبالتالي إلى ممولين عاقلين والى وزراء ونواب وأحزاب وتيارات تدير بالعقل ولا تُدار بالغرائز والشعارات والمصالح والمكاسب والامتيازات.
لن نخفيك سراً يا دولة الرئيس ان اللبنانيين باتوا خلال هذه الفترة الصعبة يحتاجون إلى نظام عاقل وعادل يدير شـؤونهم وشجونهم الحياتية والاجتماعية واليومية إسوة بكل دول العالم الراقية والعادلة والتي لا تحسب حساباً الا لناسها وشعبها من دون وقف للتنفيذ، كما لن تخفيك سراً أيضا وأيضاً إن أطلعناك يا دولة الرئيس كما غيرك من المسؤولين علی مختلف مستوياتهم ومراكزهم ان النّاس باتوا بأمس الحاجة إلى قانون إنتخابي عاقل عادل، وإلى قانون عفو عام وعاقل وعادل، وإلى وضع أسس وتشريعات واصلاحات ضريبية عاقلة وعادلة والى كلام هادئ ورصين وعاقل من قبل مختلف الأطراف في لبنان بعيداً عن التشنجات والمهاترات والمس بالكرامات وحب الظهور.
لن نخفيك سراً يا دولة الرئيس، ان النّاس واللبنانيين جميعاً، ونعتقد انك تدرك ذلك جيداً، يبحثون في كل ساعة ودقيقة ولحـظة عن قوت يومهم ولقمة العيش وعمن يساعدهم للخروج من هذه المحنة التي هم يعانون منها الآن، كما لن نخفيك سراً أنهم أيضاً يفتشون بين الأنقاض والركام التي خلفها انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي عن الاسباب الكامنة التي أدّت إلى حدوث هذا الزلزال الرهيب علّهم يجدون عاقلاً واحداً من المسؤولين يشفي غليلهم ويخبرهم حقيقة ما جرى ويكشف ما حصل بالنسبة للأسباب والمسبب لوقوع تلك الكارثة التي لا يكاد يتخيلها أو يصدقها عقل أو عاقل.
لن نخفيك سراً يا دولة الرئيس ان المواطنين في هذا البلد يكادون وبشق الأنفاس يواجهون انتشار خطر وباء كورونا الذي بات يُهدّد مصير كل عائلة وكل بيت وكل قرية وبلدة وحي في وطن الأرز، أما ماذا نخبرك عن أموال المودعين المحتجزة في المصارف اللبنانية، التي تحتاج بدورها إلى منقذ عاقل يُعيد أموال الحلال المنهوبة إلى أصحابها لأنها تشكّل بالنسبة لهم جنى العمر وضمانة للشيخوخة ولخريف العمر. لن نخفيك سراً أيضاً يا دولة الرئيس ان الشباب اللبناني قد حزموا حقائبهم وغادروا لبنان الىبلاد الله الواسعة علّهم يجدون فيها عقل مدبر يحتضنهم ويقدر ابداعاتهم وعلمهم وخبراتهم كما ثقافتهم ويفسح أمامهم الطريق لعيش كريم كما يرسم لهم أيضاً خريطة الدرب لمستقبل مشرق وواعد، دون منّة أو جميل من أحد.
كما وكما لن نخفيك سراً أيضاً وأيضاً أن البطالة في البلد قد فاقت كل الحدود وان الهجرة من لبنان أصبحت تكتب بالخط العريض في كل حقل وميدان وهي بدورها بحاجة ماسة إلى عاقل لا بل إلى معجزة إلهية تضع الامور وتعيدها إلى نصابها كما يجب.
أخيراً وليس آخراً، لن نخفيك سراً يا دولة الرئيس ان مشاكل الكهرباء والمياه والهاتف والغلاء الفاحش والاحتكار والتلوث البيئي والفساد وتراكم النفايات في الأزقة والشوارع، وارتفاع معدل السرقات والجريمة، ناهيك عن انتشار آفة المخدرات في مختلف المناطق تكاد جميعها تشكّل أزمات وأعباء وأهوال على كاهل اللبنانيين من دون استثناء، كما وان الفلتان في حقل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي يضرب أطنابه في كل مكان، وكل هذه الأزمات وتداعياتها على النّاس والبلد بحاجة إلى أكثر من عاقل لحلها ووضع حدّ لها. كما وان مشاكل السياسيين على السدود والحدود والردود بحاجة إلى عقل حكيم وعاقل بكل ما للكلمة من معنى، لكي يبنى على الشيء مقتضاه حفاظاً على المسار والمصير.
من هنا علينا كلبنانيين ان نصارح أنفسنا كما الجميع بأن يد واحدة لا ولن تصفق، كما وان عاقلاً واحداً بمفرده لا ولن يستطيع انتشال لبنان من مآسيه ومحنته والكوارث التي حلت به من كل حدب وصوب، فالوضع يكاد يتخطى نقطة اللارجوع.. نعم اللارجوع عن السير قدماً نحو الانهيار والسقوط -لا سمح الله- إذا لم يتم تدارك الأسوأ بأقصى سرعة ممكنة من قبل كل المسؤولين والمعنيين لإنقاذ ما يمكن انقاذه، لأنه ان ضاع لبنان عن خريطة العالم وسقط في المحظور، فذلك بالطبع سيشكل خطراً حقيقياً وكارثياً على دول المنطقة والعالم بالتأكيد.
أما إلهاء النّاس بين الحين والآخر بأخبار من هنا ومستجدات من هناك قد لا تغني عن جوع، فلا موضوع ترسيم الحدود بالرغم من أهميته هو بيت القصيد، ولا مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون منذ بدايتها وحتى نهايتها هي الأهم، ولا تجربة مصطفى أديب كانت أكثر الحاحاً لدى اللبنانيين عن غيرها إنما كان تهديد الرئيس ماكرون وتأنيبه لهم في قصر الصنوبر كان هو حديث النّاس، وما موضوع الحياد الذي يطرحه البطريرك الراعي والذي ذكرّنا بموضوع النأي بالنفس يجعله أكثر الحاحاً وأهمية عن مواضيع أهم، إنما الأهم الآن يبقى بموضوع كيفية معالجة رفع الدعم عن الاحتياجات الأساسية للمواطن اللبناني من غذاء ودواء ومحروقات وغيرها، وهذا شغل شاغل للناس حالياً.
كل هذه الأمور أوردناها للتذكير فقط ان رئيس حكومة عاقل وحده ولو كان إلى جانبه نخبة من الوزراء الاخصائيين أو التكنوسياسيين لن يستطيعوا القيام بمهامهم الحكومية وإنجازها بنجاح.
فالبلد يا دولة الرئيس يحتاج إلى مسؤولين وحكام وزعماء وسياسيين وأحزاب وتيارات يديرها العقل والمنطق ولا تدار من هنا أو من هناك، والی قضاء عادل ونزيه، وان ننسی فلن ننسى ان لبنان على مدى التاريخ والعصور منبتا للرجال قولهم العمل في سبيل الكمال، وطالما صدّر هذا البلد الى العالم النوابغ والمخترعين والعلماء والادباء والحكماء والعقلاء، فكم نحن بحاجة اليوم إلى عاقل يحكي حكاية لبنان وعاقل يفهم.