IMLebanon

أي رئيس لحكومة العهد الجديد؟

 

 

لا يقتصر البحث الجاري في الداخل والخارج على الاستحقاق الرئاسي فقط، وانما يتعداه إلى الاستحقاق الحكومي رئيساً وحكومة، اللذين سينطلق بهما عهد رئيس الجمهورية الجديد.

يدور كلام كثير في بعض الاوساط المعنية وغير المعنية، عمّن سيكون رئيس اول حكومة في العهد الرئاسي الجديد، ومروحة الأسماء المتداولة ليست طويلة، وإن كان البعض يحاول تطويلها، ليصطدم المهتمون بهذا الشأن بحقيقة انّ رئيس الحكومة العتيد سيكون رهناً بطبيعة رئيس الجمهورية العتيد، لأنّ منطق التوافق يفرض احياناً الأخذ بمقولة «انّ الطيور على أشكالها تقع».

 

منطق التوافق الذي قال به «اتفاق الطائف» يفرض ان يكون رئيس الجمهورية مقبولاً لدى الجميع، بحيث يكون منسجماً او مقبولاً لدى كل المكونات الطائفية والسياسية، أي يكون حَكَماً ووسطياً، والامر نفسه يجب ان ينطبق على رئيس الحكومة العتيد. اما اذا أُريد أن يكون هذا التوافق على أساس قسمة المناصفة، فيكون رئيس الجمهورية من مناخ 8 آذار ورئيس الحكومة من مناخ المعارضة، او يكون العكس، رئيس الجمهورية من مناخ المعارضة ورئيس الحكومة من مناخ 8 آذار، ولكن هذه المعادلة الاخيرة لا تستقيم دستورياً، لأنّ رئيس الجمهورية لا ينبغي ان يكون طرفاً في اللعبة السياسية، وانما حَكَما بين اللاعبين، الّا انّها نادراً ما استقامت بالتمام والكمال مع كل رؤساء «الجمهورية الثانية» التي أطلقها «الطائف».

 

علماً انّ هذه المعادلة «مقبولية» كانت أم قسمة يُعمل عليها، بغض النظر عن النقمة السائدة هنا او هناك على الطبقة السياسية والدعوات إلى تنحيها عن السلطة، لأنّها تتحمّل المسؤولية عن الانهيار الذي وصلت اليه البلاد.

 

الّا انّ منطق التوافق في اختيار كل من رئيسي الجمهورية والحكومة لن يكون بعيداً عن العواصم الاقليمية والدولية المتعاطية الشأن اللبناني، وفي مقدّمها الرياض بما تمثل وبمن تمثل من مناخ خليجي وعربي، وباريس وواشنطن. إذ انّ هذا التوافق لن يحصل ما لم يلق مباركة هذه العواصم الثلاث، مشفوعة بمباركة عواصم اقليمية ودولية اخرى تتعاطى الشأن اللبناني ايضاً، فضلاً عن توافر المناخات الداخلية له.

 

ولذلك، يقول المتتبعون لمجريات الاستحقاقات اللبنانية، انّ صفقة الاستحقاق الرئاسي اللبناني الجاري تحضيرها، هي صفقة مزدوجة تضمّ رئيسي الجمهورية والحكومة. فمثلما يجري البحث عن رئيس الجمهورية الجديد يتمّ في الوقت نفسه البحث عن رئيس الحكومة الجديد، بحيث انّ الاتفاق عليهما سيسهّل لاحقاً تأليف الحكومة واكتمال عقد السلطة الجديدة، لتنطلق بقوة لوقف مسلسل الانهيار اللبناني على كل المستويات.

 

وإلى الآن، وعلى الرغم من جلسات الانتخاب الرئاسي التسع التي انعقدت ولم تنتخب رئيساً، فإنّ غالبية المرشحين المعلنين ليسوا من طبيعة المرشحين الجديين الذين يمكن ان يُبنى عليهم، لإنجاز الاستحقاقين الرئاسي والحكومي، لأنّ الكتل والقوى السياسية لم يحن لديها بعد موعد حسم خياراتها النهائية، ما يجعل ما يجري بمثابة لعب في الوقت الضائع وامرار له، إلى حين حلول موعد الحسم النهائي الذي يُبنى عليه كل ما هو سائد ولاحق من الاستحقاقات اللبنانية البحتة او ذات الأبعاد العربية والدولية.

 

لكن ثبت للجميع الى الآن، انّ المرشحين الجدّيين اللذين يُعتد بهما، هما رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون، مع فارق انّ الأخير لا يمكن انتخابه إذا لم يحصل تعديل دستوري يجيز له الترشح للرئاسة، لأنّ الدستور يحظّر انتخاب أي موظف من الفئة الاولى يترشح لرئاسة الجمهورية، إذا لم يكن مستقيلاً من وظيفته قبل سنتين من موعد الانتخابات الرئاسية.

 

ويلحظ المتابعون في فرنجية، خصيصة تميّزه عن غيره من المرشحين، وهي انّه يمكن ان يكون جامعاً بين كل المكونات السياسية والطائفية اكثر مما يكون محسوباً على مناخ فريق يلتقي معه في المواقف المرحلية والاستراتيجية. فصحيح انّه يحظى بتأييد «حزب الله» وحلفائه وقوى اخرى وشخصيات مستقلة ويتلقّى أصداء خارجية مؤيّدة ومشجعة، فإنّه في الوقت نفسه يستطيع ان يستقطب الجميع، كما يمكن الجميع ان يستقطبوه في إطار نظام التوافق او «الديموقراطية التوافقية» التي أرساها «اتفاق الطائف». فترشيحه إلى الآن يواجه «تعنت» «التيار الوطني الحر»، ورفضه المجبول بمطالب تتصل بموقفه، أي التيار، في العهد الرئاسي المقبل. وفي المقابل يواجه «مبدئية الموقف» التي تتمسك بها «القوات اللبنانية»، حيث تعتبره مرشح الفريق الآخر خصمها السياسي اللدود، في حين انّها تدرك ضمنياً انّ وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، برضاها او بغير رضاها، لن يضرّها، بل على العكس فإنّها ستكون مستفيدة منه، خصوصاً اذا غيّرت موقفها وأيّدته، في اطار لعبة التنافس بين القوى على النفوذ السياسي في الساحة المسيحية.

 

وهنا يسأل البعض: أي رئيس حكومة يمكن ان يكون في مطلع العهد الرئاسي الجديد؟

 

يقول المتابعون، انّ مكونات الطائفة الاسلامية السنّية لم تحدّد خياراتها الواضحة بعد. ففي غياب الرئيس سعد الحريري الذي علّق عمله السياسي، فإنّ مروحة الأسماء المرشحة لتولّي رئاسة الحكومة تبدأ برئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي والرئيس تمام سلام ورئيس «حزب الحوار الوطني» النائب فؤاد مخزومي والدكتور نواف سلام، وغيرهم من الشخصيات السنّية. فيما يسود اقتناع بأنّ اياً من هذه الاسماء لا يمكنه الوصول الى السرايا الحكومية إذا لم يكن مشفوعاً بدعم سعودي. وعلم انّ هذه الشخصيات السياسية السنّية تتحرك الآن، كل منها على طريقتها، في غير اتجاه، لتأمين «المقبولية» الداخلية والخارجية لها.

 

كما يراهن كل منهم على التوافق الاقليمي والدولي، الذي يتوقع كثيرون أن يُطلق في لحظة ما «كلمتي السر»، لإنجاز الاستحقاقين الرئاسي والحكومي .