على وقع محاولات فريق 8 آذار التهويل والترويج لمسألة انتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، تحاول باريس ملاقاة طهران إلى منتصف الطريق وتتحدّث عن «ديل» كامل ينصّ على المساومة بين رئاستَي الجمهورية والحكومة.
سقط ترشيح فرنجية بالضربة القاضية المسيحية، فكتل «القوات اللبنانية» والقوى السيادية ترفض انتخابه، ورئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران باسيل متمترس خلف موقفه الرافض لوصول فرنجية إلى بعبدا، وبكركي التي لا تضع «فيتو» على أي اسم هي في الوقت نفسه غير مستعدّة لتغطية مرشّح لا يعكس إرادة المسيحيين، وبالتالي سُحب الغطاء المسيحي الميثاقي من تحت ترشيح فرنجية حتى لو نجح «حزب الله» وحركة «أمل» بتأمين 65 صوتاً له.
ومن جهة باريس، فقد دخلت على خط التسوية مع طهران و»حزب الله»، وقد طرحت معادلة فرنجية في بعبدا وعودة الرئيس نجيب ميقاتي إلى السراي الحكومي أو أي شخصية سنية تُطمئن الرياض، لكن الرفض المسيحي واللبناني بتسليم السلطة مجدداً إلى «حزب الله» أسقط كل مخططات باريس و8 آذار.
ومن جهة ثانية، تعتبر أوساط سنّية أن طرح المساومة بين رئاستَي الجمهورية والحكومة من أي جهة أتت هو ضرب من «الخفّة» والاستهتار بالدستور اللبناني، فالمسؤولون يجب أن يُنتخبوا أو يُعيّنوا ضمن الأطر الدستورية ومن داخل المؤسسات الشرعية، لا أن يسقطوا بـ»الباراشوت» وفي الغرف المغلقة سواء في طهران أو باريس أو أي عاصمة أخرى.
ويتحدث مطّلعون على مواقف دار الفتوى، عن استياء من الطريقة التي يتمّ التعامل بها مع موقع رئاسة الحكومة، فالدار تطالب بانتخاب رئيس جديد للجمهورية لكي ينتظم عمل المؤسسات، لا أن يُشكّل انتخاب الرئيس منطلقاً لخرق البنية الدستورية. فطرح المساومة، يُظهر كأن موقع رئاسة الحكومة يأتي من ضمن صفقة أو جائزة ترضية لأحد الأفرقاء، بينما الحقيقة أنّ هذا الموقع يجب أن تكون له هيبته ليُشكّل مع رئيس الجمهورية وبقية المؤسسات حجر زاوية في عملية الإنقاذ الوطني.
ومن هذا المنطلق، يبرز تمسّك سنّي من دار الفتوى وبقية الكتل والنواب والفعاليات السنّية بـ»اتفاق الطائف» وتطبيقه واحترام الآليات الدستورية، لأن البديل عن «الطائف» هو المجهول والدخول في نزاعات طائفية وفرض الشروط بقوة الأمر الواقع مع وجود فوارق كبيرة بين القوى السياسية.
تعيش الساحة السنّية حالة تشتّت في القرار بعد تعليق رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري العمل السياسي، وهذا التشظي سمح لبعض النواب السنّة بالاجتهاد وتأييد إنتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية الذي هو مرشح «حزب الله»، بعكس إرادة الأغلبية السنّية وبعكس الموقف السعودي. لكن دار الفتوى تحاول تصويب البوصلة دائماً، وموقفها الواضح الذي تبلّغه للنواب السنّة والزائرين هو ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية يبدأ الإصلاحات ويُعيد لبنان إلى حضنه العربي وإلى علاقاته المميزة مع كل الدول العربية، وعدم عزل لبنان مجدداً بمغامرات غير محسوبة النتائج.
لا شكّ أنّ ضياع القرار السنّي يجعل الطائفة خارج دائرة القرار والتأثير، وهذا ما يُبرّر المخاوف لدى بعض القيادات السنّية سواء أكانت روحية أو سياسية من مؤتمر تأسيسي جديد، فالمؤتمر التأسيسي قد يُقلّص الدور السنّي ولا يضعهم على الخريطة السياسية الصحيحة، وهنا يبرز تمسّك السنّة بـ»اتفاق الطائف» وعدم الذهاب إلى أي شكل من أشكال تغيير النظام قبل عودة التوازن إلى الجسم الوطني وتطبيق «الطائف» بشكل صحيح.
سيُشكل استحقاق رئاسة الجمهورية المدخل لأي تغيير محتمل، فإذا نجح فريق «حزب الله» بفرض مرشحه، ستدخل البلاد 6 سنوات إضافية في دائرة الحكم الإيراني، في حين يشكّل إنتخاب رئيس سيادي وإصلاحي مدخلاً للإصلاح الحقيقي ولحلّ أزمات لبنان السياسية التي تُشكّل الانعكاس المباشر للأزمات الاقتصادية، ولذلك تلعب دار الفتوى دور «المرشد الأعلى» للنواب السنّة، لكي لا يُخطئوا الحساب في ملف إنتخاب رئيس جديد للجمهورية وفي الإستحقاقات المقبلة.