ما جرى في مجلس النواب الاسبوع الماضي خلال مناقشة الموازنة طبيعي جداً حيث جرت العادة أنّ النواب وبالأخص الجدد الذين وبسبب وجود نقل مباشر على شاشات التلفزة يرتدون «أشيك البدلات» ويحضّرون أنفسهم كي يعبّروا عن آرائهم، حتى يقول الناس عنهم انهم موجودون، وهذا أمر طبيعي.
أما الأمر غير الطبيعي فهو ما يفتعله نواب ميشال عون بالتهجم على رئيس الحكومة، فيتهمونه بأنه سيطر على صلاحيات رئيس الجمهورية الغائب… وذلك حين أثار النائب سليم عون مسألة عدم نشر 3 قوانين أصدرها مجلس النواب وقرّر مجلس الوزراء إصدارها بسبب غياب رئيس الجمهورية المسؤول عن توقيع القوانين ونشرها.
وبرّر الرئيس ميقاتي خطوته بمراجعات وردته ليتسنى عرض القرار المتصل بإصدارها مجدداً على أوّل جلسة لمجلس الوزراء للبحث في الخيارات الدستورية المتاحة بشأنها، ورأت اعتراضات سياسية ودستورية ان ميقاتي يستحوذ على صلاحية مرتبطة حصراً برئيس الجمهورية.
وهذه ليست أوّل مرّة توجه فيها اتهامات مماثلة لرئيس الحكومة في ظل شغور سدّة الرئاسة الأولى منذ أكثر من عام… وهي اتهامات يوجهها له دائماً نواب ميشال عون.
فعندما كان ميقاتي يلقي كلمته في المجلس النيابي، رداً على النواب الذين تحدّثوا خلال الجلسات.. ردّ رئيس الحكومة على النائب سليم عون من كتلة ميشال عون الذي أثار قضية صرف الأموال المخصّصة للبنان، من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي… فأجابه الرئيس ميقاتي ان أموال حقوق السحب الخاصة صُرفت خلال وجود الرئيس ميشال عون في الحكم، ومنها أموال الـS.D.R… هنا قال سليم عون: «منذ التسعينات حمّلتم أعباءكم للرئيس ميشال عون…»
هنا تدخل الرئيس نبيه بري وطلب من النائب سليم عون وقف الكلام كي يكمل الرئيس ميقاتي كلمته من دون أن يقاطعه أحد.
إلاّ ان الأمر استمر بعد تدخل نواب آخرين. فتدخل النائب فيصل كرامي وقال: «إذا تابعتم مقاطعة رئيس مجلس الوزراء فسنضطر الى مقاطعة كلامكم عندما تتحدّثون خلال الجلسات».
وكان نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب قد وجه الى الرئيس ميقاتي سؤالاً: ما دخل عون حتى تحدّثت عنه، لقد غادر بعبدا منذ سنة وثلاثة أشهر وليس لديكم كلام إلاّ عنه.. لقد حمّلتموه الأعباء منذ سنة 1990 لغاية الآن؟». فأجابه الرئيس ميقاتي: «إنّ التحسّن والتعافي بدأ بعد مغادرته الحكم».
كذلك فإنّ النائب جهاد الصمد قال: «ممنوع أن يقاطع أحد رئيس مجلس الوزراء».
وكان النائب ابراهيم كنعان، عضو كتلة عون، قد ردّ على ميقاتي أيضاً بشأن سلفات الخزينة قائلاً: «أي تمويل إضافي مطلوب يجب أن يأتي باعتماد إضافي ليناقشه النواب… مش بتصرفوا سلفات مخالفة».
وحسم الرئيس بري الجدل بالقول: «لقد تحدّث 41 نائباً من دون أن يقاطعهم أحد، فدعوا الرئيس ميقاتي يكمل كلامه».
بالعودة الى التاريخ، أتذكر كم كان الرئيس نبيه بري على حق يوم رفض أن يؤيّد طلب الرئيس ميشال عون بأن يصوّت له للرئاسة، وقال له بالحرف الواحد: «أعتذر لأنني لا أستطيع أن أنتخب رئيسين».
ومنذ انتخاب ميشال عون رئيساً، وكما يُقال جاء النحس الى البلد… وباختصار يكفي ان عهده تميّز بأكبر انهيار مالي في التاريخ، ويكفي تمنّع لبنان عن دفع سندات اليورو بوند ما أدّى الى انهيار «البنوك».
وأيضاً نتذكر كيف رفض جبران باسيل تسهيل الأمور من أجل الكهرباء مرتين: مرّة عن طريق الكويت، ومرّة ثانية عن طريق ألمانيا. لأنّ صهر الرئيس المدلّل بحاجة الى عمولات كي يسمح للشركات بالعمل.
والمصيبة الأكبر هي مشروع «سيدرز» في فرنسا حيث تقرّر أن تساهم فرنسا بـ12 مليار دولار من أجل مشاريع لإنهاض البلد.
وطالما نتحدث عن المصائب، لا بد من أن نسأل الدكتور سمير جعجع الذي انتظر سنتين ونصف السنة ليصل الى «اتفاق معراب»، فماذا كان سيحصل لو لم يتفق د. جعجع مع ميشال عون؟.. هل كنا وصلنا الى جهنم؟
كذلك نقول إنّ جعجع افترض من خلال «اتفاق معراب» أنه سيُعطي عون الرئاسة لمدّة 6 سنوات وهي ستمر، مقابل أن يحصل على نصف عدد النواب ونصف عدد الوزراء المسيحيين. لكن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر… إذ لا يزال ميشال عون موجوداً!.
أخيراً، أحيي الرئيس ميقاتي على قوة أعصابه وأخلاقه العالية، التي تميّز بها في تلك الجلسة. وأقول له كلنا معك…