«مهزلة»، الوضع كمن يدخل مريض في مرحلة حرجة إلى غرفة العمليّات ليخضع لجراحة دقيقة ومصيريّة ثمّ يدخل عليه أستاذ تعليم ثانوي أو ابتدائي ليجري له العمليّة!! هذه طبقة سياسيّة مستهترة إلى أبعد الحدود بمصير الشعب، ففي اللحظة المصيريّة التي ينهار فيها لبنان اقتصاديّاً وماليّاً واجتماعيّاً وإنسانيّاً مع ارتفاع حالات الانتحار، وبعد شهر من تضييع الوقت قيل للبنانيّين أنّه تمّ الاتفاق على الإتيان برجل الأعمال سمير الخطيب رئيساً للحكومة، هل هذا ما انتظره اللبنانيّون منذ 17 تشرين الأول الماضي؟!
السّكين بلغت عظم اللبنانيّين وتنشره كمنشار، وإذا كان الرئيس سعد الحريري بثقله العربي والدولي وبكلّ الدّعم الذي تلقّاه عجز عن الحؤول دون بلوغ انهيار البلاد هذه المرحلة، فكيف الحال بالآتي الذي لا يملك خبرة لا في السياسة، ولا يملك خطة إنقاذ اقتصادي؟
كأنّ المطلوب هو القضاء على ما تبقّى من قدرة اللبنانيّين على التحمّل، حتى النّفس يسارعون إلى قطعه عن هذا الشّعب المنهك إلى حدّ الانتحار، نحن نعيش ملهاة إغريقيّة، ما الذي علينا أن ننتظره بعد أكثر من إعلان الأكثر حماساً للثّورة من المواطنين العاديين أنّهم يشعرون بإحباط شديد، من إفلاس الشركات وطرد الموظفين والعجز عن دفع الرواتب، دورة الحياة تكاد تتوقّف، ما المطلوب أكثر من ذلك؟ بأيّ لغة ومضامين على اللبنانيّين أن يخاطبوا العهد والصّهر المدلّل حتى يدرك حجم المأساة التي يعيشها الشّعب؟!
أيّ مجتمع دولي ما يزال عنده قابليّة لتصديق المسؤولين اللبنانيين؟ وأي مجتمع دولي ما يزال يعطي كلام المسؤولين اللبنانيّين اعتباراً فيما هم يخدعون أنفسهم أولاً وشعبهم ثانياً ودول العالم ثالثاً، عملياً نحن عاجزون عن إنقاذ أنفسنا، والكذب على النّفس شأن شخصي لسياسيّين اعتادوا على خداع أنفسهم ومناصريهم، ولكن الإصرار على الكذب على الشّعب بدم بارد وقلّة حياء إلى هذا الحدّ هو شيء غير مسبوق في تاريخ لبنان!!
بعد شهر من المناورات أكد الواقع أنّنا أمام سياسيّين «بلا إحساس» يصرون على ممارسة لعبة تمرير الوقت واستنفاد ما تبقّى من طاقة الشعب اللبناني وإغراقه في مستنقع اليأس والإحباط من لبنان ودولته وسياسيّيه، ما حدث طوال شهر هو أكبر عملية احتيال على الدستور والشعب، مع ملاحظة تحوّل مقام رئاسة الحكومة إلى «ممسحة» ممتهنة إلى حدّ يجري تعطيل حقّ اللبنانيّين بأن يكون لهم حكومة كما طالبوا، حكومة من غير محاصصة ومن غير فساد حكومة قادرة على الإنقاذ بعدما لفظوا حكومات الكذب والفساد!!
يبدو أنّ الكلّ متآمر على الرئاسة الثالثة وعلى مقامها وما ومن تمثّل، وبقدر ما دافعنا ورفضنا الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى، نرفض أن تكون الحكومة «لا تحلّ ولا تربط» وتمعن في إغراق لبنان وشعبه في هذه الأزمة الكبرى، لبنان بحاجة إلى حكومة طوارىء تتحمّل المسؤولية وتعقد اجتماعات مفتوحة علّها تنقذ ما يمكن إنقاذه من أجل مستقبل وطننا وأبنائنا، من المؤسف أن يكون ما نشاهده حتى اليوم حفلة قتل منهجي وغير رحيم للبنان، ودائماً تحت إمرة حزب إيران وسلاحه وأجندته الفارسية، الذي فرض حكومة معروفة من عنوانها، يبدو أننا في الأيام المقبلة سنتابع المشهد الأخير لانهيار لبنان إنفاذاً لما قاله أمين عام حزب الله حسن نصرالله في بداية الثورة، وكان له ما أراد لا ما أراد اللبنانيّون!