لعل المحيطين بالرئيس سعد الحريري ومساعديه والمستشارين ينقلون اليه الرغبة الشديدة في بقائه ببيروت، بعد التبدل السريع في أمزجة اللبنانيين أمس، قبل إلقائه كلمته، أي بمجرد حضوره إحياء الذكرى الحادية عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. لا يهمنا اذا اختلفنا معه في الترشيح لرئاسة الجمهورية، ومع غيره أيضاً، ذلك أن الجمهورية لا تقرر بردات الفعل، ولا بالاستسلام للواقع الهش الذي يخلّفه الفراغ، ولا بتهديدات ألفناها منذ زمن بعيد.
إن حضور الرئيس سعد الحريري أمس أعاد شيئا من التوازن الى الحالة اللبنانية التي يرى البعض، في الداخل والخارج، انها صارت حالة ايرانية. وهذا الواقع، اذا صحّ، فهو نتاج غياب اتفاق قيادات 14 آذار في الداخل، وغياب الحريري عن البلد، وافتقاد لبنان الرعاية والدعم العربيين. لا يكفي ان يؤكد الرئيس الحريري ان لبنان بلد عربي ولن يكون ايرانيا، لان الدول العربية التي لم تقصّر حيال لبنان يوماً، تبدو كأنها تخلت عنه في ذروة أزمته الكيانية والوجودية، او على الاقل تلهت عنه بمعارك تخوضها على غير جبهة في سوريا واليمن والبحرين وليبيا ومطارح أخرى.
أمس، قال الحريري كلمة حق، وفيها اننا نمتلك الشجاعة لاتخاذ الموقف. نعم سلاحنا الموقف، فنحن لا نمتلك السلاح ولا المال، نظيفاً أو غير نظيف، وقد دفعنا ثمن مواقفنا ولا نزال. وسلاحنا هو الافعل إن ثبتنا عليه. لذا فان الدعوة الى اعادة قراءة المرحلة السابقة تبدو ملحة، لا خوفاً على تجمع 14 اذار، وقد كانت قبله تجمعات ولقاءات كثيرة منها “لقاء قرنة شهوان” و”لقاء سيدة الجبل” و”الجبهة اللبنانية” وغيرها من استمر أو اضمحل، بل خوفاً على القضية، وخوفا على البلد. والى أن تتوافر ظروف افضل، علينا ان نصمد، وان نتكاتف، وعلى الرئيس الحريري ان يثبت حضوره في بيروت، وعلى من يعنيهم الامر في الدول العربية الشقيقة ان يعوا ان خسارة لبنان موقعه ودوره ومعناه وهويته، هي مسؤوليتهم جميعا، وخطيئتهم التي ستلاحقهم في التاريخ وفي الجغرافيا.