دولة الرئيس،
لبنان يواجه استحقاق سندات «يوروبوند» في ٩ آذار المُقبل بقيمة ١،٢ مليار دولار، يليه استحقاق آخر في منتصف شهر نيسان بقيمة ٧٠٠ مليون دولار، فيما ستستحق سندات أُخرى بقيمة ٦٠٠ مليون دولار في شهر حزيران. ويُضاف الى هذه المبالغ المستحقّة مبلغ ٢،٧ مليار دولار المتمثّل بالفائدة على الدّيْن، ما يرفع إجمالي المبلغ الذي يُفترض بالحكومة دفعه في العام ٢٠٢٠ الى نحو ٥ مليارات دولار. وفيما يُروّج البعض لفكرة أنّ أصحاب الديْن هم من الأجانب، الّا أنّ هذا الدّيْن «الخارجي» يعود بأغلبيّته للبنوك اللبنانيّة ومستفيدين آخرين في الداخل اللبناني، لهم مصلحة شخصيّة في سداد هذه السّندات.
دولة الرئيس، إنّ تسديد سندات «يوروبوند» لحامليها سيضطرّ المصارف الى حجز ودائع اللبنانيّين من أجل تسديد قيمة السندات من الودائع المُجمّدة، خصوصاً وأنّ المؤشّرات وتقارير وكالات التصنيف الائتمانيّة الدّوليّة تشير الى أنّ المخزون الاحتياطي لمصرف لبنان يُعتبر سلبياً، ما يعني أنّ السيولة التي يتكلّم عنها مصرف لبنان والبالغة حوالي ٤٠ مليار دولار ما هي إلّا أموال المودعين في المصارف. وبالتالي فإن سداد هذه السندات يعني استنزاف احتياط الدّولة من الدولار لاستيراد المواد الضرورية المُلحّة من جهة، أي بداعي الأمن الغذائي والسّلع الطبية الضروريّة، وتهديد أموال المودعين في المصارف اللبنانية من جهة أخرى.
دولة الرئيس، نظراً لوضع الخزينة اللبنانيّة والواقع الاقتصادي المتردّي، وفي انتظار تشكيل اللجنة المُختصّة لدراسة ملف مستحقات «يوروبوند» وصدور توصيات وفد صندوق النقد الدّولي في هذا المجال، نُلفت عنايتكُم إلى أنّ الخيار الأكثر منطقياً يتمثّل في إرسال إشعار الى الجهات المعنيّة خلال الساعات القادمة – أي قبل إنقضاء مهلة إشعار ٢١ يوماً من الاستحقاق – لإعلامها بعدم قدرة لبنان على تسديد مستحقّاته ورغبته بالتفاوض مع حاملي سندات «يوروبوند» بما يؤدّي إلى شطب الدين أو جزء منه، وجدولة المبلغ الذي سيُتّفق عليه بطريقة تمكّن لُبنان من سداده. وللإشارة، لقد ألمحت وكالة «بلومبرغ» في شهر كانون الأوّل من عام ٢٠١٩ بأنّ أصحاب الدّيون يوافقون على تأجيل سداد مستحقاتهم، لأنهم يعرفون الوضع، وبأنّ تخلّف لبنان عن السداد هو الأمر المنطقي والمتوقع.
دولة الرئيس، ليس هناك من حرجٍ في التّخلّف عن السداد بعد إشعار الجهات الخارجيّة بذلك، ولن يفقد لُبنان ثقة الأسواق العالميّة بحيث تتوقّف عن اقراضه بشكلٍ دائمٍ، فقد أثبتت تجارب حكومية سابقة أنّه بالإمكان العودة إلى سوق الائتمان بعد سنوات قليلة لا سيّما بوجود مؤسسات عالمية ومستثمرين باحثين عن سوق لاستثمار أموالهم عبر الإقراض. آخر الأمثلة على ذلك ما حصل في بورتوريكو التي توصّلت بعد أشهر من المفاوضات مع حملة السندات السياديّة إلى اتفاق يقضي بخفض ديونها بمقدار ٢٤ مليار دولار من أصل ٣٦ ملياراً. وعلى المنوال نفسه، أعلنت الأرجنتين أنّها غير قادرة على دفع سندات تبلغ قيمتها ١٠٠ مليار دولار لصندوق النقد الدولي ويُضاف إليها تسهيلات ائتمانية تبلغ ٥٧ مليار دولار، أجّلها صندوق النقد عام ٢٠١٨.
دولة الرئيس، حتّى إذا استطاعت الحكومة تنزيل قيمة مبلغ الدّيْن المستحق وإعادة جدولته فذلك لن يكفي لحل أزمة لبنان المالية ما لم يتم ترشيد الانفاق فوراً بالتوازي مع إيقاف الهدر، والشروع في استرداد الأموال التي هُرّبت الى الخارج منذ السابع عشر من تشرين الأوّل ٢٠١٩.
وفّقكم الله وهداكم الى ما هو خيرٌ.