Site icon IMLebanon

إلى رؤساء الحكومات السابقين: أين أنتم؟

 

عون ينتقل إلى القضم العلني لصلاحيات رئاسة الحكومة وسحق الدستور

 

منذ تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة اعتمد الرئيس ميشال عون ومن ورائه صهره جبران باسيل طريقة العرقلة الموارِبة، والشدّ والجذب من تحت لحاف السلطة، لكنه بعد أن قدّم له الحريري لائحة حكومته كشف عن وجه جديد من وجوه الانقلاب السياسي الذي يقوم به على الدستور وبشكلٍ أكثر صدامية ومباشرة في الإعلان عن الاستحواذ الكامل على السلطة من خلال «تشليح» الرئيس المكلف آخر صلاحياته المتبقية وهي تشكيل الحكومة.

 

قالت المصادر الرئاسية أنّ عون قدّم للرئيس المكلف طرحاً متكاملاً حول التشكيلة الحكومية المقترحة يتضمن توزيعاً للحقائب على أساس مبادئ واضحة.

 

من الناحية الفعلية، قدّم عون تشكيلة حكومية مضادة لتشكيلة رئيس الحكومة، ضارباً عرض الحائط القواعد الدستورية التي تحصر برئيس الحكومة صلاحية تأليف الحكومة، وامتلاك رئيس الجمهورية حق التوقيع لإصدار مرسوم التشكيل لا يمنحه إطلاقاً حق وضع لوائح وزارية ومساومة الرئيس المكلف عليها.

 

المشكلة هنا لا تنحصر بالرئيس عون، بل أيضاً بمن قبل أن تصل التجاوزات إلى هذا الحدّ وقبل بالخروقات الدستورية تحت ستار التسويات والتضحيات، حتى بلغ السيل الزبى ولم يعد بالإمكان السكوت على ما يجري، والأنكى أن مستشار القصر الجريصاتي بات يمتلك الجرأة على التهديد، كما فعل مع النائب أنور الخليل الذي اتهم رئيس الجمهورية بخرق الدستور.

 

وقف الرئيس سعد الحريري في القصر الجمهوري في وضعية لا توحي إلاّ بالوقوع تحت ضغط الابتزاز والعجز عن المناورة، ولم تستطع قسمات وجهه أن تواكب تفاؤل لسانه فبدا وكأنه غير مقتنع بما يتحدث عنه من إيجابيات منتظرة.. دخل الرئيس المكلف فم الغول، وأُسقط في يده ولم يعد بمقدوره سوى تقديم لائحة الوزراء وانتظار إفشالها، وهذا يثبت خطأ قراره ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة في هذه الظروف.

 

كان الحريري يعلم أنّه لا إمكانية لتأليف حكومة مقبولة من المجتمع الدولي بالشراكة مع الثلاثي الحاكم: الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر، وأنّ فكرة الوزراء المستقلين أو غير الحزبيين لا تمرّ على أحد، بعد أن انكشف أنّ أسماء الوزراء ستأتي في لوائح تحتوي أسماء لملء الفراغ في الشكل، بينما يحتفظ الثنائي الشيعي بوزارة المال ويدفن فكرة المداورة.

 

بعد صدور العقوبات على صهر الرئيس جبران باسيل وقبله على النائب علي حسن خليل والوزير السابق يوسف فنيانوس، ضاقت الدائرة، ولم يعد بالإمكان العودة إلى الحكومات الملغومة التي تخدم «حزب الله» وتتستر بالوحدة الوطنية، كان على الرئيس الحريري أن يدرك أنّ الإنقاذ غير ممكن بالتعاطي مع الزمرة الحاكمة، وأنّ التخويف من الحرب الأهلية لم يعد صالحاً، لأنّ الجميع في الداخل والخارج يدركون أن الحرب يلزمها طرفان أو أكثر، وفي لبنان هناك طرف واحد يملك السلاح، فإمّا أن يتحمل مسؤوليته على رأس الأغلبية النيابية وليحكم ويقدم للبنانيين نموذجه في الحكم وفي مقاربة الأزمات الدستورية والاقتصادية والمالية، وإما أن يحتل البلد علناً بقوته العسكرية، وساعتها يتحول من قوة احتلال سياسي إلى قوة احتلال عسكري، مع ما لذلك من تداعيات.

 

قالها النائب نهاد المشنوق بوضوح: إن بعبدا محتلة سياسياً، وأنّ «الرئاستين شاغرتان. فالرئاسة الاولى شاغرة سياسياً بسبب وقوفها الى جهة دون أخرى في البلد، ورئاسة الحكومة شاغرة منذ زمن بسبب الاعتداء على صلاحياتها أو على دورها، أو بسبب منع تشكيل الحكومة بالوقت المناسب والأسماء المناسبين في ظل تأكيدات على ذهابنا نحو الانهيار الكامل والشامل».

 

وحذّر النائب السابق وليد جنبلاط من هذا المنحى عندما اعتبر أنّه لا وجود لحكومة تصريف الأعمال، بل إنّ عون يُنشئ حكومة بديلة من خلال المجلس الأعلى للدفاع مخالفاً الدستور، فهذا المجلس لا صلاحية له في أخذ قرارات تتعارض مع (صلاحيات) حكومة تصريف الأعمال، التي يجب أن تتمسك بالدستور.

 

في هذه المعمعة، اختفى رؤساء الحكومات السابقون، وغابوا عن الحضور السياسي والتزموا نقيصة الصمت كأنّ الهرّ أكل ألسنتهم، فلا اجتماع ولا موقف، بل لقاءات «سرية» وخشية من المواجهة وتخبّط في المواقف، وسعي من كل واحد منهم للدفاع عن نفسه منفرداً، بينما «الأمانة» التي آلوا على أنفسهم الحفاظ عليها، وهي الدستور وصلاحيات رئاسة الحكومة، تنتهك جهاراً نهاراً من دون اعتراض ولا مواجهة، بل من دون تعليق ولا متابعة..

 

لن تتشكل حكومة إلاّ بشروط عون وباسيل ومن ورائهما «حزب الله»، ولن تستقيم المبادرة الفرنسية لأنها تعتمد خلط القوى السياسية في إطار واحد، وهذا بات مستحيلاً، فالمنخرطون في حكومة وحدة سيحوّلون البلد إلى غزة جديدة، وسيستكملون عزل لبنان عن محيطه وعن العالم، بينما يستكمل الحزب بناء كيانه عسكرياً ومالياً وخدماتياً.. فهل سيرضى اللبنانيون نموذج الإفقار والتجويع تحت ستار المقاومة والكرامة، وهل سيستمرّ رؤساء الحكومات في ارتداء قبعة الإخفاء؟!

 

سؤال يلحّ عليّ كلّما تذكرتُ كارثة تفجير مرفأ بيروت.