لا بدّ أن يتمّ إجراءُ تحقيق واسع ودقيق، لمعرفة في أيّ ساعة من أيّ يوم من أيّ شهر من أيّ سنة بالتحديد أصبحنا نحن اللبنانيين قليلي الذوق إلى هذا الحد، وأصبحنا مستهترين بأخلاقنا وثقافتنا وحسّنا الفنّي.
وإذا وفّقنا الله وعرفنا الجواب، لا بدّ أن نسارع مباشرة إلى سؤال أنفسنا إلى متى سنبقى مشاهدين يقبلون كلّ ما يُقدَّم لهم دون سؤال أو محاسبة أو مطالبة بالأفضل منه… وإلى متى سنبقى مفحوطين كلّ ما تمّ تعليق إسم فنان أو مطربة على إسم مسلسل.
فنحن أصبحنا رسمياً أصحاب عقلية مريضة تزيّن الحقبة الحالية التي نعيشها في الإعلام والدراما والسينما والتلفزيون. فلم يعد يكتفي أحد بمركزه وحجمه، ولا أحد راض عن دوره، والجميع يحاول أكل الجميع لفرض نفسه على أكبر مساحة ممكنة من النجومية البالونية.
ولو كان رامي عيّاش ذلك الفنان الحسّاس المرهف الذي ينبض قلبه على نوتات البيانو وتذوب مشاعره بأوتار الكمان، لو كان فنّاناً حقيقياً لما كان وافق تحت تهديد السلاح بعرض مسلسل «أمير الليل» بالشكل الذي خرج فيه إلى الجمهور… لكن يبدو أنّ نجومية عياش أصبحت أضخم من الذوق العام ومرفّعة عن النقد والتصويب، ولا يمكن أن تتأثر ببطولة ملغومة فضحت قدراته التمثيلية الفعلية، ولم تقدّم له أكثر من ساعة مسائية على الشاشة تعرّي ضعفه في التعبير الدرامي والإيحائي.
رامي عيّاش في بطولة «أمير الليل» لطّخ مسيرته الفنّية بكميّة غير مقبولة من الفشل التمثيلي الذي لا يمكن أن تمحو تبعاته الأيام المقبلة، ولا يمكننا أن ننسى تلك النظرة الكليّة الطوبى التي يستخدمها في جميع الحالات العاطفية وفي كلّ الظروف المناخية… فالممثل ليس إسماً على مسلسل ولا نجومية مسقّطة على دور محشور بين الشخصيات، الممثل تعابير وأحاسيس وإسقاطات وتفاعلات تسمّر المشاهد في كرسيه.
نحن نعرف أن لا ممثلين نجوم في لبنان، أو هذا أقلّه ما تحاول إثباته شركات الإنتاج بتوظيفها مطربين من الصف الأول للعب أدوار البطولة وجني المال من إسمهم، دون أن تكون هناك أهداف فنّية أو درامية في العمل.
رامي صوته جميل، ويا ليته يبقى خلف البيانو يصنع المقطوعات الجميلة لمعجبيه، وليترك الساحة التمثيلية لروّادها الذين يعرفون كيف يرفعون من شأنها… بيكفينا بهدلة هلقد.
ولا يقصّر شركاء رامي في الجريمة التي إسمها «أمير الليل» من جرائمهم التمثيلية الفاضحة مثل تريو ليلى بن خليفة وميس حمدان وداليدا خليل، خصوصاً أنّ الجميع عالق في عمل درامي ليس واضحاً إذا كان ترفيهياً أو تثقيفياً أو نخبوياً أو شعبوياً، خصوصاً بعدما تفركش بالأخطاء في الإخراج والتاريخ والموضة والسياسة. وكان لا بدّ أن يكون العمل برمّته مجرّد فيديوكليب ضخم لأغنية الشارة التي يؤدّيها رامي عيّاش.
بدا واضحاً من خلال كادرات العمل أنّ هناك تعتيراً على المستوى الإنتاجي، ونقصاً مادياً واضحاً أغرق المسلسل في كلوستروفوبيا تحركات الكاميرا في الممرات الضيقة والصالونات الصغيرة. ولكن هذا كان لا بدّ أن يتمّ التعويض عنه بثراء في السيناريو والإخراج والقدرات التمثيلية…
والضعف الإنتاجي لا يبرّر أبداً وضع بيتر سمعان أمام الكاميرا، لأنه من الواضح أنّ هذا الرجل كان في المكان الخطأ، وكان لا بدّ أن يكتفي بدور إنتاجي أو إداري يرحم الجمهور من المبالغة الفاضحة في التعبير بلا أيّ تعبير وفي كلّ ما أوتي الفنّ من تعتير.
فلا أحد من الممثلين كلّف نفسه إتقان لهجة لبنانية تمثّل أهل بيروت في الثلاثينات أو سكان الأرياف في بداية القرن، ولا أحد قبل أن يتخلّى عن ماكياجه في السرير و»جاذبيّته» أمام العدسة… هذا غير الأخطاء في الوقائع التاريخية والسياسية والاجتماعية، عدا عن هفوات الموضة الكثيرة.
العمل الجيد لا يحتاج إلى معارك إعلانات وتسويق، ولا يحتاج أبطاله إلى الظهور في كلّ وسائل الإعلام والبرامج التلفزيونية ليفرض نجاحه…
في العالم كلّه، الأعمال الدرامية تصنع النجوم للتاريخ، إلّا في لبنان النجوم يغصبون أنفسهم على إنجاح عمل درامي ويفرضون الإقامة الجبرية على ممثلين كبار إمّا في الأدوار الثانوية أو في المنزل يتفرّجون على كوارث النجوم التمثيلية.