IMLebanon

أمراء فاشلون رابحون وشعب خاسر

حوار الليل في عين التينة يتلوه ويكمله، لا يمحوه، حوار النهار في ساحة النجمة. فالمشهد واحد، وإن تنوعت المسارح. والسيناريو واحد ومكرر، وإن تبدلت الصور. من رقصة التانغو بين حزب الله وتيار المستقبل الى الدبكة بمشاركة روساء الكتل النيابية كبيرة كانت أو صغيرة لضرورات التمثيل الطائفي والمذهبي والحزبي.

ذلك ان الحوار الثنائي أو الجماعي كان ولا يزال مجرد مناظرات لها مواعيد محددة بين فصول من السجال. كل طرف يكرر من موقع ثابت موقفه المعروف، كأن همه القول إنه على حق وسواه على خطأ، وليس اقناع الآخرين بوجهة نظره ولا الاقتناع بوجهة نظر سواه. لا تنازلات متبادلة تقود الى مكان وسط بين المواقع والمواقف. ولا دور للمخاطر على البلد والناس وللأزمات السياسية والاقتصادية والمالية في تغيير فاصلة في موقف ايديولوجي أو مصلحي فئوي وشخصي أو استراتيجي مرتبط بصراع المحاور الاقليمية، ولو قاد الى الشلل الجزئي ثم الكامل في المؤسسات.

وليس صحيحاً ان هذا النوع من الحوار أفضل من غيابه. فالفشل فيه أخطر بكثير من غيابه، سواء كانت الآمال المعلقة عليه كبيرة أو صغيرة أو معدومة. والأخطر هو أن يتصرف المحاورون على أساس ان الفشل أمر عادي وروتيني يمكن تحمّله وتكراره من دون أن يهتز موقع أحد منهم أو أن يسائله الذين يمشون وراءه من دون نقاش. وليس ما نجح فيه الحوار، على قلته، سوى نوع من الانجاز السلبي الذي فرضه الخوف. فلولا الخوف من الفتنة المذهبية باسم الشيعة والسنّة لما تحاور حزب الله وتيار المستقبل ونجحا في تنفيس الاحتقان المذهبي. ولولا حاجة القوى الاقليمية والدولية الى خدمات معيّنة يقدمها لبنان لما حافظنا على حد من الاستقرار السياسي والأمني من دون حوار، وسط شغور رئاسي وتعطيل لمجلس النواب ومجلس الوزراء.

ليس هناك نجاح مثل الفشل، يقول بوب ديلان في احدى أغنياته. ومن السهل قول ذلك في كلام الأغاني وعالم الفن. لكن المفارقة هي تجسيد هذه المعادلة في الواقع بحيث صارت قانون العمل السياسي في الوطن الجميل المنكوب المنهوب. فنحن أسرى تركيبة سياسية – مالية فاشلة في انتخاب رئيس وانتاج قانون انتخابات لاعادة تكوين السلطة، وفي توفير الماء والكهرباء وحتى في حلّ أزمة الزبالة وسط دين عام تجاوز سبعين مليار دولار، لكنها ناجحة في القبض على المال والسلطة.

وقمة الغرابة والبؤس أن يتربّع أمراء طوائف فاشلون رابحون على دولة فاشلة وشعب خاسر.