طلال أسير موقعه وقلتُ له: آل إرسلان لن يكونوا إيرانيين
إستقبلتنا بوجهٍ بشوش لكن بعينين حزينتين. عيناها لم تعودا تعرفان الفرح منذ سبعة عشر شهراً «فابتسامة البيت، الأميرة ديالا، أوّل العنقود، أوّل من ناداها ماما، غابت، ماتت، تقمصت». لا تتردد، وهي الحاملة الكثير من أسرار بيت «المير مجيد»، في الحديث عن أي شيء، عن كل شيء، وإن كانت تقول بين فينةٍ وأخرى «لا أريد نبش التاريخ». ما زالت الأميرة تتذكر- وكأنه اليوم- يوم إلتقت الأمير فيصل «الملك الجميل»، وكيف طلبها الأمير مجيد لابنه البكر، وصوت زهية إرسلان (شقيقة المير مجيد) وهي تقول «هيدي مش أميرة». والبنت- التي كانت عليها يوم تزوجت – التي لها فمّ يأكل ولا يتكلم، كبرت متمردة. تتذكر – وكأنه اليوم- بشير يوم الإنتخابات الرئاسية عام 1982، وقلق الأباتي بولس نعمان، ولحظة دوى انفجار 14 أيلول، والخلاف بين فيصل وشقيقه طلال، الذي أمسك طفلاً بباقة ورد ومشى في عرسهما، والجبل والأشرفية وخلده والشويفات وغريفة و… وتذكرت «الخطر الذي دقّ باب أسرتها» من قلب البيت، وسوريا وإيران والفلسطينيين… حوارٌ مع سيدة قصر الامير فيصل إرسلان، حياة وهاب إرسلان.
هنا عاليه. هنا قصر الأمير فيصل مجيد إرسلان. هنا تعيش الأميرة حياة إرسلان، المرأة التي يراها كثيرون صلبة لكنها، في قرارة نفسِها، تبدو مليئة بالمشاعر وبالدموع السخيّة التي تلازمها منذ وفاة ابنتها ديالا. فهل تغيّرت؟ هل غيّرها موت ابنتها الكبرى الأميرة ديالا وجعلها أكثر هدوءاً؟ تجيب بحسمٍ: «حزني زاد. وجعي زاد. إشتياقي زاد». نقف الى جانبها، الى جانب صورة كبيرة لديالا، ونصغي إليها تتحدث عنها «الله وحده يعرف ماذا في داخلي. كثيرون يلومونني لأنني أعبّر عن وجعي. يقولون لي: إنها مشيئة الله فأجيبهم: «أنا راضية بقضاء الله وقدره لكن وجعي كبير… كبير جداً».
نشعر بآلامها. نراها تشدّ على جفنيها كي لا تنهمر الدموع. ننظر إليها وهي تحاول أن تبتسم كما الطير المذبوح. ونصغي إليها تتحدث عن ولدَي ديالا علها ترتاح: «لدى ديالا شابان هما عادل وعمر تلحوق. عادل (الكبير) قبضاي جداً وهو نال شهادة game programing. هو إختصاص مطلوب جداً اليوم. أما عمر، الصغير، فيريد دراسة العلوم السياسية. قلت له: يا تاتا يا حبيبي هذا الإختصاص لا يُطعمك خبزاً. أجابني بلغة حاسمة: Teta I decided. هو من بيت تلحوق. عائلة بدمها السياسة، لعبت دوراً سياسياً كبيراً في السابق. وتستطرد: يأخذني عمر كمثلٍ أعلى. هو يقول دائما: I want to be like teta. لدى حفيدي جينات بيت تلحوق وأرسلان معاً».
الأرض أولاً
سألناها، هل تنصحين عمر بالمضيّ قدما؟ تجيب: «قلت له، إنزل الى الأرض. أدرس قضايا الناس. أنت ترعرعت في دولة الإمارات وفي الولايات المتحدة. تقرّب من اللبنانيين ومن ناسك وابحث عن حلول ممكنة لا عن حلول طوباوية. وحين تشعر أنك أصبحت «قدّ» السياسة تأكد أنني سأساعدك. حفيدي «حرزان» وهذه رغبته».
هذه رغبته وتلك نصائحها لكن، هل ستفسح له التركيبة الدرزية السياسية في الجبل المجال ليُحقق هدفه؟ تجيب «أعتقد أنه إذا عرف كيف يتعامل مع الأرض لن يكون بحاجة الى من يفسح له في المجال. أساساً، من يظنون أنهم يمسكون بالأرض اليوم أصبحوا بحاجة الى من يفتح لهم الأبواب. صحيح أن وليد (جنبلاط) لا يزال يُمسك الأرض أكثر من غيره فقط لأنه أذكى من غيره، ولأنه يعرف اللعبة الدولية ويفهم الأرض، أما سواه فالكبير فيهم أصبح يقبّل الأيدي ليبقى رئيس مجلس النواب، في حين كانت غطرسته تسمح له أن ينال 118 صوتاً من أصل 128. اليوم، هم جميعاً بحاجة الى حكم الرأي العام عليهم.
لكن، إذا أغمضت عينيها وحلمت بما سيأتي فكيف ترى الجبل الدرزي؟ كيف ترى العائلات الدرزية التي تلتقي حيناً وتختلف أحيانا؟ تجيب «الأدوار التي لعبتها العائلات الدرزية متفاوتة. بيت إرسلان موجود منذ 1300 عام. بيت جنبلاط موجود منذ 300 عام. وآل جنبلاط لم يكونوا في الأساس من الدروز بل أكراد لكنهم عرفوا، في ظرف من الظروف، كيف يدخلون إلى اللعبة السياسية ويلعبون دوراً كبيراً. فخر الدين كان درزياً. هو معني لا إرسلاني ولا جنبلاطي ولا قيسي ولا يمني. لذا لن تعرفي الآن ماذا سيفرز الظرف السياسي غداً، أي قائد. فإذا كنا محظوظين سيفرز قائداً جديداً. والحلّ أراه عند الموحدين الدروز وعند جميع الأقليات هو الإنصهار الوطني في ظل قانون ودستور عادليّن. الوطن ليس درزياً وشيعياً ومارونياً وسنياً وأرثوذكسياً بل مواطنة. وحقّ المواطن ياخذه من الدولة لا من التبعية للزعيم. خلصنا بقا».
هي من بلدة غريفة في الشوف وتقول «عائلتي مذ وجدت مقاتلة مناضلة لعبت دوراً سياسياً وعسكرياً كبيراً. عمي هو شكيب وهاب أحد القادة الكبار. يسألونني من أين تملكين كل هذه الصلابة؟ فأجيبهم أنا ولدت في عائلة وهاب في غريفة. نحن 7 أولاد، أربع بنات وثلاثة صبيان. جدي وأخوالي سكنوا في الأشرفية وتملّكوا فيها. كنا نسكن جنب مستشفى رزق. هي منطقة «بتاخد العقل». وجدي لوالدتي من أوائل الناس الذين دخلوا عالم البيزنس. إسمه أمين وهاب من أهم رجال الأعمال في عصره واستشرف باكراً المستقبل».
والدتي من بيت وهاب أيضا لكن من بعقلين. وهاب غريفة غير وهاب بعقلين. يقال عن وهاب بعقلين أنهم أكثر تطوراً. وئام وهاب من بعقلين الجاهلية (الآن) لكن والده كان من الشويفات. أصل عائلة وئام شعبان لا وهاب. تعلمت في مدرسة الراعي الصالح. رزق الله كانت أيام جميلة. كنا ننتقل الى غريفة في الصيف. كنت مخطوبة لمهندس، لكن تحت الضغط. كنت «قبولة ورضيّة» لكن لا أقبل أن أجبر على شيء لأنني أتحول عندها الى متمردة. إنتفضت على أهلي وتركت خطيبي الذي أجبروني عليه وقلت لهم: أنا من أقرر. ويوم تعرفت الى فيصل قررنا جميعاً أن أرتبط به. هو كان صديق شقيقي رياض. إلتقيته في منزل أهلي في غريفة. رأيت أمامي ملكا جميلاً جداً. وابن الأمير مجيد… ويا لطيف الأمير مجيد… وقلت لنفسي: ها هو.
ماذا لفت الأمير مجيد بها؟ جمالها؟ تجيب: «أعتقد أن ما لفته هو جرأتي. رآني أدخل بين مئة زلمي لألقي عليه التحية. حصل ذلك في كانون الأول عام 1969، وفي أيار 1970 خطبنا ثم تزوجنا وفي 6 نيسان 1971 رزقنا بابنتنا ديالا.
ماذا عن لقائها الأول بالأمير مجيد؟ هل أعجبته ككنة؟ تجيب وهي تدعونا الى تناول بيض الشوكولا الذي عليه إسم جمعية أسستها «جمعية لبنان للعطاء» التي أسستها في العام 1983: «أخبر فيصل والده أنه أعجب بفتاة هي إبنة شفيق وهاب فأجابه الأمير مجيد: أقبل إذا كانت إبنة شفيق. كان يحب والدي كثيراً. نحن جماعته ولسنا حبة وحبتين. أخبر خولة جنبلاط ارسلان (زوجته) بذلك وقال لها: شوفي البنت. أتت خولة ترافقها عمّة فيصل زهية ليتأكدوا إذا كنت أليق بعائلة إرسلان. جلسنا وتكلمنا وحين غادرتا إتصل فيصل وقال: أعجبتا بك. دعانا الأمير مجيد الى الغداء في قصر خلده. هناك تعرفت اليه هناك في القصر الذي يسكن فيه طلال اليوم. وما إن دخلت وتكلمت حتى رسم إبتسامته العريضة ففهمم الجميع أنه وافق. أعجبت المير مجيد وسلكت الأمور ببساطة وسلاسة. في بدايات دخولي الى بيت المير كنت حذرة جداً. لم أكن أتكلم إلا الكلمة اللزوم.
كنت أراقب وأسمع. وكانوا يقولون عني: لها فم يأكل فقط. في زمن الإنتخابات النيابية عام 1972 بدأت أتغيّر. «فلتت». تدخلت في كل شيء. أعلنتُ رأيي بكل شيء ومن كل شيء. نزلت بين الناس. وأصبحت أسمع من يتهامسون بالقول: شو هيدي ضدّ بيت ارسلان؟ وكنت أخبرهم عن العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات. زرت الناس في بيوتهم وهذا ممنوع على الأميرات الإرسلانيات. لكن، القبضاي كان المير مجيد. دعمني دائماً قائلاً لي: روحي يا عمي روحي وما تردي ع حدا. كان واثقاً بي جداً.
المير مجيد دعمها أما شقيقته زهية فكانت أبرز المعترضين «كانت تسأل بصوتٍ عالٍ: ما هذه التصرفات الغريبة من أميرة؟ كانت تسألني: وين دايرة بهالشوارع؟ كانت قاسية الطباع لكننا كنا نحبها. الأمير فيصل، زوجي، دعمني. شقيقه طلال (المير طلال ارسلان) كان «بيبي». هو أكبر من ابنتنا ديالا بستة أعوام. ويوم زفافنا كان يحمل باقة ورد ويمشي أمامنا».
ماذا تتذكر إبنة وهاب التي أصبحت أميرة من بيت إرسلان عن بيت جنبلاط في ذاك الحين غير ان عمها – المير مجيد- كان متزوجاً من خولة جنبلاط؟ تجيب: «حضر كمال جنبلاط زواجنا. وليد كان بعمري تقريباً، أصغر مني بسنة واحدة. وأتذكر يومها أن كمال جنبلاط جلس والى جانبه جلس عمي شكيب قاتل والده. هو كان متعالياً ويعلم أنه لن يستطيع ان يفعل أي شيء حيال ما حصل. وهو نظر الى المير مجيد وقال له: توفقتوا بهالبنت. وليد هنأنا أيضاً. ويوم تزوج هو (1981) من جيرفت ( الشركسية) هنأناه بدورنا». وتستطرد: «البارحة، في العزاء برحيل شقيق نورا (زوجة وليد جنبلاط اليوم) إلتقيت بجيرفت وتكلمت معها». تتذكر شيئاً فتبتسم قائلة: «يوم دعانا المير مجيد الى الغداء كانت زهية وخولة موجودتين وكذلك سميّة والدة خولة (جدة طلال) وخالها هو فؤاد جنبلاط الذي قتله عمي. وأول سؤال طرحته سميّة على والدي كان- وأتذكر صوتها وكأنني أسمعه للتوّ ومنديلها الأبيض – «شفيق هل صحيح ان عمكم قتل خالي؟».
الجامعة بعد الزواج
تابعت الأميرة حياة إرسلان دروسها الجامعية في الجامعة الاميركية في بيروت عام 1977 باختصاص علوم سياسية وتاريخ. كان لديها ديالا وعادل وتتذكر أنها حين أخبرت المير فيصل أنها تريد الإلتحاق بالجامعة أجابها حانقاً: وماذا عن الولدين؟ أجابته: والدي يريدني أن أتعلم. وحين ذهبت الى والدها وأخبرته عن قرارها بالدخول الى الجامعة قال لها حانقاً: وماذا عن عائلتك؟ أجابته: زوجي يريدني أن أتعلم. خبرية ترسم على معالم وجهها إبتسامة.
أنجب فيصل وحياة ارسلان اربعة اولاد هم: ديالا، عادل، غنى ومدى. سميا الصبي عادل لا مجيد فلماذا؟ تجيب حياة «يوم أنجبنا عادل كان المير مجيد على قيد الحياة و»يستفولون» في البيت إذا سمينا على اسمه. لذلك أخذ الإسم لاحقا طلال الذي سمى إبنه على اسم الوالد مجيد».
تفتح الأميرة حياة ألبومات الصور وتبدأ في تقليب صفحاتها: هذا الطفل طلال في عرسي. هذه خولة التي كانت تكبرني بأحد عشر عاماً (عمر خولة اليوم 85 عاماً). وهذا نجيب، بيته في البراميه، إبنه كان متزوجاً نورا التي أخذها منه وليد جنبلاط. وهذا الأمير خالد شهاب الذي كان أول رئيس وزارة في لبنان وقيل عنه: جاع وما باع. كان يملك أراضي في فلسطين على الحدود إحتفظ بصكوكها ولم يبع منها قطعة رغم حاجته. ويُروى أن ذات يوم، بينما كان يهنئ سليمان فرنجيه برئاسة الجمهورية، سأل الأخير عن سيارة تاكسي «مأنتكة» أمام القصر فقالوا له: وصل بها خالد شهاب. يومها سارع الى توقيع مشروع قانون تقاعدي كان قد تقدم به منير أبو فاضل فأصبح للمير خالد شهاب، في آخر عمره، سيارة وسائق.
بشير وفيصل
تفاصيل كثيرة كبيرة مرّ فيها بيت المير مجيد. وتقول الأميرة التي لا تنام «كان المير مجيد شمعوني الهوى على سنّ ورمح اما فيصل وانا فكنا نؤيد ايضا – وعلى سنّ ورمح – بشير الجميل» وتشرح «نحن كنا من المؤمنين بلبنان وندين كل من يؤيد السلاح الفلسطيني، لذلك حين انتصر الفلسطيني والسوري أخرجنا «برا» لكننا بقينا على قناعتنا. الآخرون أخطأوا ونحن فعلنا ما اعتبرناه صحيحاً». ماذا عن تلك العلاقة القوية بين بشير (الجميل) وفيصل (إرسلان) التي ظهرت جلية في انتخاب بشير عام 1982؟ تجيب الأميرة «إتفق بشير وفيصل على نهضة الجبل من جديد وعلى تعزيز الوضع الإقتصادي لأن «القلّة بتولد النقار» وتستطرد: «يوم صعدت القوات (اللبنانية) الى الجبل – ايام بشير- وحدثت اشتباكات، تكلم المير فيصل مع الأميركيين وطلب إنسحاب القوات من واشنطن ومن الجبهة اللبنانية. إستاء بشير، فقال له فيصل: حين تُصبح رئيساً للجمهورية أدخل الجيش إذا أردت. ويوم حدثت اشتباكات بين الدروز في الجبل سأل بشير فيصل: يا مير كيف فينا نساعد؟ أجابه: بدنا دولة». تغمض عينيها وتقول وكأنها تسترجع صورة ما «لو بقي بشير وفيصل لكانت البلاد أصبحت بخير».
صعد بشير مرات الى قصر المير فيصل في عاليه «جلس هنا. جلس حيث نجلس الآن. وتفاصيل كثيرة رتبت بهذا البيت» تتحدث الأميرة حياة عن ذلك مسترسلة بتفاصيل ما قبل إنتخاب بشير رئيساً «كان المير مجيد قد انتقل الى هنا، الى عاليه، بعد أن دمرت الإشتباكات بيت خلده. كنا نعقد إجتماعات دورية، فيصل وأنا وكان من قِبل بشير يحضر جوزف الهاشم، وكل الترتيبات كانت حول كيفية إقناع المير مجيد – الشمعوني – بانتخاب بشير وهو الراغب بأن يصل الى الرئاسة مجدداً كميل شمعون. صرنا نتكلم بالشيفرة وتكثفت الإتصالات وكلفت يومها باستبيان رأيه بنفسي. بدأت أسأل المير مجيد: شو عمي ماذا سنفعل في الإنتخابات؟ وكأن بشير الجميل مرشحاً؟ و.. و… وأتذكر أنه أجابني: إذا لم يترشح كميل شمعون سنختار بشير. هنا، تتذكر حياة ارسلان، وجه الأباتي بولس نعمان الواقف خلف التصوينة، القلق، وهو ينتظر ان يعرف ماذا قرر المير مجيد. عمل الأباتي نعمان كثيراً لوصول بشير».
21 يوماً أمضاها بشير رئيساً منتخباً. ومشهد المشايخ الدروز مهنئين في بكفيا «كبّر القلب». ماذا تتذكر حياة إرسلان عن لحظات اغتيال بشير؟ كيف تلقى الأمير فيصل الخبر؟ تجيب «يومها، في 14 أيلول، كنا قد وجهنا دعوة عشاء لأمين الجميل. كنا أصحاب معه وهو لم يكن ممنوناً من خيارنا وموقف فيصل من بشير. دعوناه على العشاء لترطيب الأجواء. بعد الظهر دوى الإنفجار. فسارع فيصل الى الإتصال بشباب بشير فرددوا: الباش ما بيموت. وحين تأكدنا من الخبر أراد فيصل النزول. يا لطيف، يا لطيف ملا لحظات. ردد فيصل: راح لبنان راح لبنان».
41 عاماً مرّت واللحظة لم تغب عن بال الكثيرين. فيصل إرسلان توفي في العام 2009. ترشح مرتين الى الإنتخابات النيابية بعد استشهاد بشير لكنه لم ينجح «منعه تحالف السوري ووليد وطلال من الوصول» تضيف ارسلان «بوجود السوري وصل طلال».
هل أخطأ فيصل ارسلان في مكان ما؟ تجيب حياة «صلابته هي خطأه. إستمر صلباً. قلت له مرارا: تصرّف بليونة أكثر لأننا لسنا بحجم الدول والسياسة بحاجة الى ليونة أحياناً. قلت له: حافظ على آرائك لكن حاول مدّ الجسور. لم يقبل. لم يجب. يا حبيبي يا قلبي لكنه رفض ان يستجيب».
ماذا عن خطأ (أو أخطاء) طلال إرسلان؟ تجيب «أخطأ باصطفافه مع السوري والإيراني. قلتُ له: طلال تذكر ان بيت إرسلان هم من صنعوا القومية العربية ونحن لا يمكننا ان نتحول الى إيرانيين. قلت له: وينك رايح. لم يجب فهو أسير موقعه». وتستطرد: كان طلال يعتبر أن الخط الذي مشى فيه فيصل إنكسر. الآن الخط الذي مشى هو – طلال – به إنكسر إلا إذا جاؤوا بسليمان فرنجيه رئيساً».
وليد جنبلاط أين أخطأ؟ تجيب بابتسامة: «لا أعرف لأنه كل يوم في مكان».
اليوم، من هو حليف بيت فيصل وحياة إرسلان؟ تجيب: حليفنا هو المبدأ لا الشخص. كثيرون باعونا بتكة. ولا حليف لنا اليوم إلا القيم التي نؤمن بها. وأنا اليوم، على سنّ ورمح، مع إنتخاب قائد الجيش جوزاف عون رئيس جمهورية، لانه لا يساوم وقوي ويملك علاقات دولية ولا أحد يمون عليه.
أحيانا تتسرّع في رمي الإتهامات. احيانا تقول ما يفترض ألّا تقوله «صراحتي أذتني في السياسة. هناك من قالوا لي وكرروا: حياة لا يمكن لمن يريد دخول السياسة أن يقول كل شيء. لكنها، في المقابل، أكسبتني صدقية. وموقفي لم يتبدّل على مدى أربعين عاماً».
هل تحذف تقربها من السوريين من الاربعين عاماً؟ تجيب «سأخبرك أمراً. في تلك المرحلة ليس هناك بني آدم واحد لم يحتج الى السوريين. كان اللبناني يُخيف شقيقه اللبناني فيدفعه الى سوريا. لا أريد نبش الماضي. ماذا تريدون مني أن أفعل حين يقولون لي ان ما حدث مع طوني فرنجيه وعائلته سيتكرر مع عائلتي؟». من هددها؟ «لا، لا اريد نبش الماضي». لكننا في الماضي؟ (تسكت). نسألها: من قتل طوني فرنجيه؟ تجيب: «قتل بيد جماعته بقبة إبط سورية. ونحن، جماعتنا كانت ستقتلنا لكن السوري لم «يقب إبطه» لأن موتنا ما كان ليخدمه أما موت طوني فرنجية فخدمه. ولا تسأليني أكثر».
أرادت دخول البرلمان، كما الأمير فيصل، لكن لا هو ولا هي حجزا لنفسيهما مكاناً فيه. هو أبعده تحالف سوريا جنبلاط طلال ضده أما هي فأخرجها من المعركة المجتمع المدني وتقول «لم يكن محرزاً ان ادخل لأواجه نفسي. هؤلاء أنا. والأخطاء التي اقترفوها أضعفتنا كثيراً».
هناك من قال، ان عدم دعم القوات لها جعلها تنقم على رئيس القوات… تقاطع: «القوات تغازل وليد لأنها تتقاسم معه الأرض لا معي».
ديالا حاضرة
هي تعيش اليوم في القصر وحدها لكنها ليست وحيدة. ديالا عادت تسكن في ضريح في باحة القصر الخلفية بنته لها. هي تسهر معها كل ليلة، في الصقيع وفي الحرّ، تخبرها بما فعلته طوال النهار وتنتظر إشارة من طير، من عصفور قريب، تخبرها ان ديالا تسمعها وتقول «أثق ان ديالا تقمصت لكن ماذا سينفعني ذلك. لا أراها». نقف الى جانبها امام ضريح ديالا ونحن ننصت الى حفيف اوراق الشجر وأنين لا يهدأ فيها. تشير لنا الى الورود التي غرستها لها بأيديها «كلها بيضاء». وتدلنا: هنا كانت تسكن ديالا في الشقة المحاذية للقصر. وهناك مكتبة ديالا التي أنشأتها لها باسمها وتضم كتبها. هنا نستقبل الأولاد أسبوعياً. وافتتحنا كافتيريا. وهنا الأرتيزانا. هنا، في هذه البقعة أتنشق نسمات ديالا وأرتاح». تقلّب بين يديها كتباً حبكت قصصها ديالا بينها كتاب حكاية ملكة – عالم النحل وتقول: «طلبت مني أن أقرأه وأعطيها رأيي. فعلت وأجبتها: وجدتُ فيه كثيراً من الخيال. أجابتني: هذا هو عالم النحل مثلما هو. إنه عالم مذهل. وهي انطلقت من مقولة أينشتاين: عندما ينقرض النحل تنقرض البشرية.
تمشي بين الأشجار والبساتين. تعطي التعليمات. تتابع أدق التفاصيل بنفسِها. إبنها عادل في دبي. إبنتها غنى في كوبنهاغن. إبنتها مدى في مدريد.. نسألها: ألا تخاف أن يقفل بعد عمر طويل قصر فيصل إرسلان؟ تجيب بحسمٍ: «لا، أبداً، بيت فيصل سيبقى مفتوحاً. إبنتي غنى تترأس حاليا الجمعية التي أسستها. هي تأتي شهرياً من كوبنهاغن لمتابعة التفاصيل. وابنتي الصغيرة مدى تهتم هي أيضا بكل الحملات التي نقوم بها. وعادل يتنقل بي دبي وبيروت. إمتدادنا باقٍ وذكرى ديالا أيضاً خلدناها».
لدى الأميرة حياة سبعة أحفاد. والعلاقة معهم جميلة جداً «نتسلى كثيرا». ومن يدري ربما ستستقبل الساحة السياسية الدرزية في المستقبل عمر تلحوق (إبن ديالا) الذي فيه شلش تلحوق وشلش إرسلان وهو «حرزان».
قبل أن نغادر نسألها: ماذا تنتقد حياة إرسلان في حياة إرسلان؟ تجيب «أحتاج أن أكون أكثر مرونة. أتسرع أحيانا ما يخلق لي مشاكل. صدقوني لا أتقصد الإيذاء وإذا أسأت الى احد فسامحوني». لكن، ألم تغيرها كل الظروف والمراحل التي مرّت فيها؟ «لا، لم أتغير». حتى موت ديالا لم يغيرها؟ تجيب «دفشني موتها أكثر لأتابع خطواتي. الحزن رهيب رهيب. شعرتُ بنفسي في العتمة قليلاً لكن حين خرجت الى هنا (الى المكان الذي خلدت فيه إسم ديالا) رأيت النور «حين أتعب أنزل الى الضريح. أسهر معها يومياً. ولا أقبل أن ينظف أحد الضريح غيري. زرعت لها الورد الأبيض. أعاتبها احياناً. اسألها: ماما لماذا تركتني. هي ملاكنا. طيبة رصينة ناعمة».
وهل هناك أصعب من موت فلذة كبد؟
نتركها واقفة «في نورها» أمام الضريح بعدما كتبت لها خلاصة العمر: عندما تهزمنا الأقدار ينصرنا الإيمان.