على الرغم من بعض المعوقات أو ما يُسمّى بالعقبات التي تواجه عملية تأليف الحكومة، إلّا أن أصحاب النوايا الإيجابية والتفاؤلية، ما زالوا مُصرّين على تذليل كل ما من شأنه أن يمنع الخروج بحكومة توافقية في أقرب فرصة مُمكنة. ومن المنتظر أن تتبلور نتائج المباحثات والمشاورات بين الأقطاب السياسيين، بشكل أوضح في المرحلة القريبة خصوصاً أن لبنان ينتظره الكثير من الاستحقاقات الداخلية والخارجية، أهمّها إنجاز قانون انتخاب جديد إلى جانب التعيينات في المراكز الشاغرة، ومن ثم استعادة علاقات سابقة بدول قريبة وبعيدة، وهو ما بدأ يظهر خلال الأيام الماضية من خلال زيارات الوفود التي حفل فيها لبنان خلال الأسبوعين الأخيرين.
بدوره، لا يألو الرئيس المُكلّف سعد الحريري جهداً في سبيل التوصّل إلى نتائج تعكس حجم تطلعات اللبنانيين وآمالهم، وحجم التضحيات التي قام بها في سبيل الانتقال بالبلد إلى مرحلة أكثر استقراراً والخروج من شرنقة الفراغ التي كانت استمرت لفترة عامين ونصف العام. وفي الوقت عينه، يقوم الحريري بحصر مساحات الاختلافات بين الأفرقاء السياسيين ومنع تمددها، وهو ومن خلال لعبه دور الإطفائي، يسعى على الدوام إلى تدوير الزوايا بالحجم الذي تتطلبه المرحلة من أجل فك العقد للخروج بحكومة تكون على قدر التطلعات والآمال المبنية عليها وعلى الدور المُزمع القيام به في المرحلة الآنية.
ومما لا شك فيه، أن ثمّة مرحلة مُهمة تنتظر الحكومة المُقبلة، مرحلة تفوق بأهميتها الأسباب التي تحول دون تشكيلها حتّى اللحظة. إذ إن كل ما ينتظره المواطن، هو الإنتاج وأن العبرة بالنسبة اليه تكون في الإنجاز لا في التزاحم على المناصب. ومن هنا، فقد آثر الحريري منذ بداية تكليفه تشكيل الحكومة، القيام بما يلزم وأكثر بهدف أن يشعر اللبناني بأنه صار محميّاً من دولة هي بالنسبة اليه، سند يتكئ عليه في الصعاب وعند الشدائد، خصوصاً في الأمور المعيشية والأمنية. ومن باب حرصه هذا، ثمة اعتبارات عديدة وضعها الحريري ضمن أولوياته، أهمها الخروج بحكومة تنال ثقة الشعب قبل ثقة السياسيين، حكومة مُرضية لا مريضة يُمكن أن تكون فاتحة خير لعهود وحكومات مُقبلة.
عضو كتلة «القوّات اللبنانية» النائب أنطوان زهرا يرى في هذا الخصوص، أن «تعطيل التأليف أقله حتى الساعة، هو تعويض لدى البعض عن عدم قدرته عن انتخاب الرئيس، فمن كان يدعي بأن مرشحه هو الجنرال ميشال عون لفترة تزيد عن السنتين ونصف السنة، أُسقط منه هذا الإدعاء وتبيّن أنه لم يكن مع الترشيح منذ البداية، وذلك بعدما حاز عون على تأييد القوّات وتيار المستقبل، وبالتالي فإن تمريقة الرئاسة لا تعني أنهم فصلوا موضوع الرئاسة عن موضوع الحلول في المنطقة لأنهم هم جزء من الصراع في المنطقة ويتطلعون الى حلول تناسبهم ويتوهمون أنهم سينتصرون».
ويلفت الى أنه «مع تقدم النظام السوري وحلفائه نوعاً ما في حلب، يعمد هذا البعض الى عرقلة تشكيل الحكومة بهدف تحقيق مكتسبات سياسية. كما أن هناك محاولات لإرهاق العهد بانطلاقته كمقدمة لوضع شروط، لكن مع شخص مثل الرئيس ميشال عون المدعوم بتحالف من القوات والمستقبل، لن يستطيع هؤلاء الوصول الى هدفهم»، مشدداً على أن «الرئيس الحريري لم يستنفد حتى اليوم مهلة تشكيل الحكومة علماً أن بدايات تشكيل الحكومات عادة ما تكون على هذا النحو، ولكن إشكالية انتخاب الرئيس بالطريقة التي حصلت، جعلتهم يضعون العراقيل أمام تشكيل حكومة العهد الأولى».
وبرأي زهرا أن «الحريري قادر مع رئيس الجمهورية على وضع التشكيلة المناسبة من دون أن يتجاهلوا أي طرف، ومن لا تُعجبه التشكيلة لاحقاً، يُمكنه حجب الثقة داخل مجلس النواب»، جازماً بأن «الحلف مع القوات والمستقبل، هو حلف ثابت ضمن تفاهم على صعيد وطني خارج إطار المذاهب، وهذا ما يُزعج بعض الذين يحاولون تفرقة اللبنانيين على أساس مذهبي لكي يكونوا هم الأقوى».
يُدرك الرئيس الحريري تماماً، أن تكليفه تشكيل الحكومة، إنّما عكس رغبة جزء كبير من اللبنانيين في الشعور بالاطمئنان والاستقرار والتوق إلى مرحلة جديدة من التعاطي السياسي في البلد، تكون مبنية على أُسس ثابتة ومتوازية لا فئة مغبونة فيها، ولا تسلّط لجهة على أخرى. وهو بدوره لم يتهرّب من مسؤوليات فرضت نفسها عليه ولا من منصب من المؤكد أنه سيُحمّله أعباء إضافية وسيضعه في مواجهة كل من يُحاول الانتقاص من قيمة البلد أو وضعه في مكان لا يليق به. لكن في الوقت نفسه، يُصرّ الحريري على المضي بسياسته المعهودة، سياسة اليد الممدوة باتجاه الجميع متجاوزاً الخلافات والمحسوبيّات، والحسابات الضيّقة البعيدة كل البعد، عن الدور الذي اضطلع به منذ استشهاد والده.
من نافل القول، إن زيارات الوفود العربية التي جاءت الى لبنان خلال الأيّام الماضية، زادت اللبنانيين يقيناً أن وجود دولة قوية وحكومة موثوقة تنال ثقتهم، تُعتبر من أهم الأسباب التي يمكن أن تُعيد لبلدهم دوره الذي كان افتقده في مرحلة سابقة، وأن عامل الثقة بلبنان، يُمكن أن يُستعاد بوجود شخصيّات تبعث الثقة والأمل في النفوس والإقلاع بالعهد الجديد بشكل مُريح بعيداً عن المطبّات التي يُمكن أن تواجهه. وفي انتظار تظهير صورتها المتوقع أن تكون جامعة، ينقل كل من يزور «بيت الوسط» في الفترة الحالية، مدى حرص الحريري على بذل أقصى ما يمكن من جهود لولادة طبيعية لحكومة مُتجانسة لا مكان للتعطيل فيها.
وهنا، يرى عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون، أنه «ما زال من المُبكر القول بأن عرقلة تأليف الحكومة هي بمثابة عرقلة للعهد الجديد، فما زال من المبكر الحديث عن توجه كهذا لدى البعض، باعتبار أن الأمور ما زالت في بدايتها وهي حتى الآن تقع ضمن المطالب والحسابات الانتخابية وغيرها من الأمور. وعندما تُطرح هذه المطالب التي تتضارب مع التأليف حتماً سيكون هناك تأخير».
وعن رأيه في عملية التأليف يقول: «من منطلق شخصي، أنا متفائل بتشكيل الحكومة، وعندما تنطوي صفحة التشكيل تُصبح كل الأمور الحاصلة اليوم من الماضي ولن تعود هناك تجاذبات حول حجم هذه الحقيبة أو تلك، كما سيكون التركيز على المرحلة المقبلة»، مشيراً إلى أن «الرئيس سعد الحريري هو الرئيس المكلّف وهو المخول تشكيل الحكومة ولديه القدرة على المبادرة في حل المواضيع العالقة، وسوف يستمر في إكمال المبادرة الى حين نجاحه في تسوية الحكومة وإنضاجها والوصول الى مرحلة مُهيئة لمتابعة العهد وانطلاقته بقوة».
وإذ اعتبر أن «الحديث عن ملل للرئيس الحريري في عملية التشكيل، هو أمر من المُبكر الحديث عنه اليوم، فالموضوع ما زال في بدايته»، أكد أن «العلاقة بيننا وبين المستقبل والقوات، هي أفضل وجيدة جداً، وهي في مكان إيجابي وتخضع لتجربة نوعية وصادقة خصوصاً في ظل الاستحقاق الحالي».
وفي السياق، يؤكد زوّار «بيت الوسط» أن الحريري يذهب أكثر فأكثر، باتجاه الأخذ في الاعتبار المناطق الموصوفة بالفقر والحرمان ضمن التشكيلة الحكومية المُرتقبة، وأنه في هذا السياق لا يُركّز على الأسماء بشكل خاص، بقدر ما يعنيه إنماء هذه المناطق. وبما أن الحرمان في لبنان موزّع بالتساوي بين المناطق والبلدات بحسب التقسيم المذهبي، فإن الرئيس الحريري يسعى إلى إعطاء الأولويات للعمل الإنمائي تماماً كما السياسي ومن دون تفرقة بين محافظة وأخرى. والجدير ذكره أن كل وقت يمر من عمر التكليف من دون تشكيل، إنما بمثابة عرقلة لانطلاقة العهد الجديد بالزخم الذي يتمنّاه اللبنانيون.. كل اللبنانيين.