أياً يكن مصدر القصف المدفعي الذي استهدف منزل المواطن المسكين محمد الحجيري في جرود عرسال، فإن النتيجة واحدة: تعددت الأسباب والموت واحد. وهذه الأسباب ناجمة عن أخرى يجب أن يأتي يوم وتتوضح. من حق عائلة راعي الماشية المسكين أن تعرف لماذا قتل وطفله ولماذا جرح سائر أفرادها… ولكي تستطيع أن تعرف، يجب أن يخبرها العارفون عما حصل في عرسال من الألف إلى الياء. من انسحاب الجيش إلى خطف العسكريين بعد “اجتياح” البلدة. من المسؤول ومن يجب أن يحاسب؟ ولماذا حصل ما حصل؟ تساؤلات متروكة للتاريخ… والأهمّ في هذه المرحلة فك أسر العسكريين بأي ثمن، بالقوّة، وإلا بالمفاوضات وبالتبادل وكفى المزايدين بطولات وهمية على حساب العسكريين وعائلاتهم… كفى تغنياً بالسيادة، فلتكن أولاً داخل بعض المؤسسات المعنية، ومنها السجون، مثلاً!
ومن التساؤلات التي يجب أن تكون لدى المسؤولين المعنيين جرأة الإجابة عنها، تلك التي يطرحها أبناء عرسال، كما يطرحها ابناء البلدات والقرى المجاورة، وأولها عمن يحميهم، ولماذا تركوا لمصيرهم تكال لهم الاتهامات بالجملة؟ ولماذا لم يوضع حد لبعض المضللين الذين يشوهون سمعة عرسال ذات التاريخ الوطني الناصع؟ الاهالي يدفعون الثمن، الجغرافيا وتداعيات الحرب السورية، ومع ذلك يصرّون على التمسك بالقيم وبالعلاقات الإنسانية التي تربطهم بجيرانهم في القرى والبلدات المجاورة، والذين بدورهم وفي غالبيتهم الساحقة اثبتوا أنهم أكثر وعياً من بعض المسؤولين، وخصوصاً أهالي الشهداء العسكريين ضحايا الخاطفين من أهل الظلمة، ولعل ما يوازي جريمة خطف العسكريين وقتل بعضهم بدم بارد خطورة، وممارسة أبشع أنواع الابتزاز والسادية على أهلهم، هو تداعيات الجريمة ومحاولة توجيهها نحو إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، وفي تلك المحاولة تأكيد واضح لهوية “المنشأ” لتلك المجموعات المسلحة التي تأتي تحت مسمّيات مختلفة… “النصرة” و”داعش” وما شابه، والتي تتقاطع حكماً مع مثيري الفتنة الطائفية والمذهبية والتي “تصب في النهاية عند الإسرائيلي” وفق مصدر سياسي لبناني مستقل، مشيراً إلى أن هذا الكلام “ليس عملاً بقاعدة اتهام العدو الغاشم وتحميله مسؤولية كل شيء، ولكن مذكرات عدد من المسؤولين الاسرائيليين منذ ما قبل 1948، وإنشاء دولة اسرائيل، يشيرون إلى محاولات متكررة لإثارة خلافات ذات طابع طائفي ومذهبي في عدد من الدول العربية ومنها لبنان.
وفي موازاة تحرك “هيئة العلماء المسلمين” لمساندة الجهود الهادفة إلى اطلاق المخطوفين، برز موقف لافت لرئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط لدى زيارته أهالي المخطوفين في مكان اعتصامهم وسط العاصمة، أيّد فيه “المقايضة من دون شروط” معلناً عن لقاء بينه وبين الهيئة، التي يساعد تكليفها رسمياً من الحكومة على نجاح جهودها، فهل من يتجاوز الروتين والشكليات التي يصرّ البعض على التمسك بها؟