Site icon IMLebanon

الأولوية لإبقاء لبنان حيّاً في الانتظار استمرار عمل الحكومة والمجلس في الحدّ الأدنى

عندما بدأ الحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” ظنّ كثيرون أنه سينتهي إلى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية رغم الخلاف بينهما على سلاح الحزب وعلى تدخله في الحرب السورية. لكن تبين أن هذا الحوار اقتصر على تهدئة الأجواء المتوترة بين الطرفين حرصاً على استمرار الأمن والاستقرار في البلاد وكأولوية لبنانية ودولية، ولم تؤد حتى التصريحات النارية المتبادلة بين القادة في الحزبين إلى هزّ هذا الاستقرار وكأنها تدخل هي أيضاً في سياسة “ربط النزاع”. وعندما بدأ الحوار بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” ظنّ كثيرون أيضاً أنه سينتهي إلى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لأن له الأولوية عند اللبنانيين ولا سيما عند المسيحيين. ولكن هذا الحوار توصل إلى اتفاق على كثير من الأمور التي وردت في “إعلان النيات” ولم يتوصل إلى اتفاق على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية وهو الأهم لأن العماد ميشال عون يصرّ على أن يكون هو المرشح الوحيد من دون سواه وإلا فلا نصاب لأي جلسة انتخاب. فلو أن “حزب الله” كان يؤيد فعلاً ترشيحه ولا يعمل لسياسة التعطيل والفراغ، لكان جعل مجلس النواب المكان الطبيعي والدستوري لانتخابه، وعمل على تأمين الأكثرية المطلوبة لفوزه كما كان يحصل في كل انتخاب منذ العام 1943، ولما كان يصر على فرضه رئيساً بالقول متحدياً الفريق الآخر: إما انتخاب عون من دون سواه رئيساً وإلا فلا رئيس مهما طال الزمن… غير عابئ بالدستور ولا بالنظام الديموقراطي. وهذا موقف يتطلب من العماد عون نفسه رداً إذا كان يؤمن بالديموقراطية ويحترم الدستور ولا يجاري الحزب في إبداله بنظام آخر شمولي أو بما يشبه النظام في إيران. فهل المطلوب كأولوية دولية أن يستمر الأمن والاستقرار في الوقت الحاضر ريثما يكون تمّ التوصل إلى اتفاق اقليمي ودولي على انتخاب رئيس للبنان في ضوء ما تكون قد انتهت إليه التطورات في المنطقة، ما يفسّر قول المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم أمام نقابة الصحافة: “إن الحوار مستمر بقوّة الحاجة اليه، وقد أدرك الجميع أهميته فوق العادية. وأن استمراره رغم كل ما تشهده المنطقة من تفجيرات مضمون، فهو الوسيلة الأنجع والآلية الضامنة للاستقرار الداخلي الذي ننعم به حالياً”.

هل هذا يعني أن لا شيء مطلوباً في لبنان حالياً سوى استمرار الأمن والاستقرار وتجنب البحث في كل ما من شأنه أن يزعزعهما بما في ذلك الانتخابات الرئاسية إذا كانت تسبب ذلك؟ لذا تفادت “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” البحث في هذه الانتخابات لئلا تكون سبباً لخلاف ينعكس سلباً على الأمن والاستقرار، كما تجنب “تيار المستقبل” و”حزب الله” في حوارهما البحث في موضوع السلاح وفي موضوع تدخّل الحزب في الحرب السورية للسبب نفسه، واستمر الحوار بينهما تحت مقولة “ربط نزاع” لا يفكه سوى اتفاق عربي واقليمي ودولي على أي لبنان سيكون وأي رئيس له سيكون.

لذلك، فإن ما هو مطلوب أن تبقى الحكومة تعمل ولو في الحد الأدنى وكذلك مجلس النواب في انتظار أن يحين موعد الحلّ للأزمة في لبنان إما بمعزل عن حلّ كل الأزمات في المنطقة، وإما بالتلازم مع حلّ شامل لها. ولا بدّ والحالة هذه من أن يبقى لبنان حياً ولو بعد طول انتظار، ويبقى بعيداً عن كل شكل من أشكال الفتن الداخلية، وعن كل خلاف يؤدي اليها، وان يتعاون القادة فيه على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم على استمرار عمل الحكومة وعمل مجلس النواب ولو في حده الأدنى، خصوصاً أن ثمة مشاريع لا يحتاج إقرارها إلى “الميثاقية” التي ينبغي احترامها لكن عند البحث في القضايا المصيرية وفي الثوابت الوطنية فقط.

إلى ذلك ينبغي أن تكون الأولوية لابقاء لبنان حياً وهو في مرحلة الانتظار. ولكي يبقى حيّاً ينبغي العودة إلى عقد جلسات لمجلس الوزراء تقرّ فيها المشاريع وتتخذ فيها القرارات التي تهم الوطن والمواطن، ولا تحتاج الموافقة عليها إلى إجماع بل إلى أكثرية وإن لم تتوافر فيها “الميثاقية” لأن مصلحة الشعب هي التي تعلو أي مصلحة خاصة وأي تناحر سياسي، ولأن الشعب بات لا يريد سوى العيش بكرامة وهناء وراحة بال، وقد سئم مناكفات السياسيين وشبع من صراعهم على السلطة وعلى جبنة الحكم، وقرف ممن يريدون لبنان دولة فاشلة.