لم يسبق أن مرَّ لبنان بفترة ارتباك – بل ضياع سياسي وغير سياسي – حول قانون الانتخابات النيابية، كالتي يمر بها في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان والمنطقة عموماً..
ما يزيد من نسبة الارتباك، والقلق هو اعلان غالبية القوى السياسية خلاف ما تضمر وتضمر خلاف ما تعلن.. وهناك من يحاول ان يعطي هذا الارتباك »وصفات صحية« خلاصتها »ان القوى السياسية كافة، جادة في البحث والوصول الى قانون انتخابي جديد..« وأن »الأجواء التي تسود في اللقاءات »الثنائية« او »الثلاثية« او »الرباعية« هي »أجواء بناءة وجادة وتعكس رغبة الجميع في الوصول الى قانون انتخابي في أسرع وقت ممكن..«؟!
يتفق الجميع (ظاهراً) على عدد من النقاط من بينها: اجراء الانتخابات النيابية في موعدها الدستوري، مع احتمال »تمديد تقني لا يتجاوز الثلاثة أشهر، إذا ما تم التوافق على صيغة جديدة.. كما ومن بينها عدم التمديد للمجلس الحالي مع أرجحية قبول الفراغ على التمديد على ما أعلن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون«.
من موقع الحرص على القيام بمسؤولية كاملة، غير مفتوحة، وبعيداً عن أي اجتهاد، حاول وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ان يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وهو طرح تشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات، التي رفضها الرئيس عون، من باب أنه المسؤول التنفيذي المباشر، ومن باب رفع المسؤولية عن كاهله، تقيداً بالمهل الدستورية المنصوص عليها في الدستور.. وهو، أي المشنوق، شاء ان يضع المسألة على طاولة مجلس الوزراء على اعتبار ان الصلاحية منوطة به لتشكيلها، لكن المفاجأة جاءت من رئيس الجمهورية الذي رفض ذلك، متجاوزاً كل الاعتبارات، وكان بامكانه ان يبقى بمنأى عن ذلك ويحمل مسؤولية عدم انجاز قانون جديد للانتخابات الى القوى السياسية الممثلة بكاملها – تقريباً – في مجلس الوزراء.
تكشف التطورات المتلاحقة ان المسألة أبعد مما يتصور كثيرون.. وقد أفصح رئيس »التيار الحر« (وزير الخارجية) جبران باسيل عن شيء من مكنونات ما يخطط له »التيار« ولا يكون بغير قانون للانتخاب قادر على توفير أهدافه التي من بينها أولوية »التيار« هي الفوز في الانتخابات النيابية. وفق قانون جديد يؤمن صحة التمثيل لتكون لدينا الأكثرية التي تسمح لنا بتحقيق برامجنا الميثاقية والاصلاحية..«.
بحسب الرئيس العماد عون، فإن »النسبية في القانون تسمح بتمثيل الاكثريات والاقليات في كل الطوائف ولا تهمش او تقصي أحداً.. وقد طرحت سابقاً قانون اللقاء الارثوذكسي، لأنه يؤمن عدالة التمثيل..« على هذا، يؤكد باسيل أنه يبقى لقانون الارثوذكسي الاولوية في النظام الطائفي.. وللنسبية الكاملة الاولوية في النظام اللاطائفي.. مع تأكيد الرفض الكامل لقانون الستين او التمديد لمجلس النواب الحالي الممدد لنفسه مرتين..
يرسم »التيار الحر«، خريطة طريق استراتيجية، وهو بدا يعدّ العدة لتنفيس حدة المنافسة بينه وبين سائر الافرقاء في »البيئة المسيحية«، على الرغم من تسليم البعض بـ»الثنائية المسيحية« بين »التيار« و»القوات اللبنانية«، انسياقاً مع سائر »الثنائيات« التي من بينها »الثنائية الشيعية« بين »حزب الله« و»أمل«.. ولقد كان اجتماع معراب الاخير الذي ضم رئيس »القوات« سمير جعجع والوزير جبران باسيل والوزير ملحم الرياشي والنائب ابراهيم كنعان نموذجاً لما يعمل عليه من أجل وضع »خريطة طريق كاملة ومتكاملة« عنوانها الوصول الى قانون انتخاب جديد، بعدما تم استعراض كل الصيغ المطروحة ومدى توفر امكان التمثيل الصحيح والتوافق بين القوى السياسية.
يرى عديدون، ان هدف الرئيس العماد عون في المقام الأول هو تعزيز الرئاسة الأولى، واعادة الصلاحيات الى رئيس الجمهورية.. وذلك لا يكون بغير وجود »رئيس قوي« في بيئته، تماماً كما يحصل في رئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة.. وفي السياق يحاول »التيار« تعزيز تحالفاته القائمة والموزعة بين ثلاث مكونات رئيسية: »حزب الله« و»القوات اللبنانية« و»المستقبل« من دون ان يقفل الأبواب أمام »ضم الجميع الى الوحدة المسيحية« وتحديداً تيار »المردة« و»حزب الكتائب«.. حيث بات قياديون عديدون في »التيار« يتطلعون الى المستقبل من زاوية »لمن ستكون الساحة المسيحية وقد بالغ قياديون في »القوات« في تقديم الدكتور جعجع على أنه القائد الوحيد المؤهل لهذا الدور.. وهذه مسألة بدأت تترك »حساسيات« علنية في المواقف وبلبلة في تحديد لمن القرار وكيف؟! وقد تعزز ذلك بالدور الذي يقوم به النائب وليد جنبلاط الذي يرفض أي قانون يشتم منه رائحة تقليص حضوره وحجم تمثيله تحت ذريعة »الغاء او تهميش او اقصاء الطائفة الدرزية..«.
»اللقاء الرباعي« الوزاري، كما اللقاءات »الثلاثية« خلف الجدران لم ترق الى مرحلة متقدمة يصح البناء عليها تصوراً مكتملاً لما ستكون عليه صيغة قانون الانتخاب.. ومعظم اللقاءات الأخرى لاتزال تدور في حلقة مفرغة حول المبادئ التي سيستند اليها هذا القانون، وهل »النسبية الكاملة« خيار نهائي لـ»التيار« ولـ»حزب الله« أم ان صيغة »المختلط« أم ترميم قانون الستين؟! هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة و»المجتمع الدولي« يلاحق مسألة الانتخابات، كما كان يلاحق مسألة الشغور الرئاسي في آخر أيامه؟!