تستعر أزمة السجون في لبنان بعدما وصلت نسبة الاكتظاظ إلى 330%. فالأزمة التي تعود إلى اعتكاف القضاة في الأشهر الخمسة الأخيرة من عام 2022 و«القصور» في قصور العدل، صارت «أكثر كارثية» مع نقل المساجين من سجون الجنوب وبعلبك كإجراء احترازي قبل توسع الحرب، وما يرافق ذلك من ضغوط نفسية على السجناء بسبب حشرهم «فوق بعضهم»، وانقطاع التواصل مع الأهل بعد نقلهم إلى أماكن بعيدة عن مكان سكنهم، والقلق الدائم عليهم. ويُضاف إلى ذلك النقص الحادّ في تأمين أبسط الاحتياجات من أكل وفرش وطبابة وغيرها جراء الأزمة الاقتصادية.
المفارقة أنّ أغلب السجناء في النظارات والمخافر والسجون في رومية وحلبا والقبة وزحلة وزغرتا وغيرها أتمّوا فترة التوقيف الاحتياطي من دون أن تجري محاكمتهم. فبحسب الأرقام الصادرة عن مديرية السجون في وزارة العدل، بلغت نسبة الموقوفين في النظارات 95% من السجناء في نهاية حزيران 2024، وناهزت 60% في سجون قصر العدل، فيما 40% فقط محكومون. ولم تخفّ حدّة الأزمة، رغم صدور تعميم عن النائب العام التمييزي بالتكليف، القاضي جمال الحجار، في 29 تشرين الأول الماضي، لتسهيل إجراءات تخلية سبيل الموقوفين عبر «الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان» التي تتولى تسلّم طلبات الإخلاء بعد توقيع السجناء عليها، وتوصيلها إلى المراجع القضائية المختصة لبتّها بسرعة. «تسير العملية ببطء شديد»، بحسب رئيس الهيئة فادي جرجس، والسبب وراء تكديس ملفات السجناء دون محاكمتهم، «أنّ القضاة يأخذون وقتهم لبتّ طلبات الإخلاء العديدة، فيحضرون نصف نهار في الأسبوع، وكثيراً ما يرفضون هذه الطلبات رغم التمنيات بالتساهل أكثر مع الموقوفين في هذه الظروف». وإلى جانب بطء عجلة القضاء في بتّ ملفات إخلاء السبيل، ظهرت عثرة أخرى في طريق تخفيف معاناة السجناء، تتعلق بالكفالات المالية التي تطلبها المراجع القضائية كشرط لإخلاء السبيل، «فالهيئة غير قادرة على تأمينها، وهناك حالة في بعبدا، مثلاً، عالقة حتى تأمين الكفالة التي تساوي 200 مليون ليرة، وخلال الشهر المقبل سنكون أمام إخلاء سبيل ألف شخص من دون أن نعرف كيف سنؤمن 200 ألف دولار يحتاجون إليها»، كما يقول جرجس. ولأنّ «الدعم المادي الذي يصلنا من منظمات غير حكومية؛ من بينها المركز اللبناني لحقوق الإنسان CLDH غير كافٍ»، دعت الهيئة مجلس القضاء الأعلى إلى التعميم على القضاة بعدم وضع كفالات عالية استثنائياً خلال هذه الفترة. وفيما برزت مشكلة الوصول إلى ملفات المساجين في المناطق الساخنة بعد توزيع سجناء بعلبك والجنوب على زحلة ورومية، تولّى الجيش اللبناني أخيراً نقلها إلى قصر العدل في بيروت.
الجيش نقل ملفات المساجين في المناطق الساخنة إلى قصر العدل في بيروت
وينظر المحامون المتعاقدون مع الهيئة في ملفات السجناء لتحديد من يستوفي شروط إخلاء السبيل، ما أثار حفيظة عدد من وكلاء السجناء ممّن شعروا بتهديد مصدر رزقهم، «وبالاجتماع مع نقابة المحامين، توصلنا إلى إعطائهم مهلة 15 يوماً لإخلاء سبيل موكليهم قبل أن تتدخل الهيئة، أما المساجين الذين ليس لديهم محامون يتوكّلون لإخلاء سبيلهم، فتباشر الهيئة بتسوية ملفاتهم». وفيما يظنّ البعض أن هذه المبادرة ستؤدي إلى إخلاء سبيل سجناء يشكّلون خطراً على المجتمع، يؤكد جرجس «أننا نضمن حقوق الموقوفين الذين أتمّوا فترة التوقيف الاحتياطي ولو جرت محاكمتهم لطالبوا الدولة بسنوات سجنية إضافية، ويستوفون شروط الإخلاء كما نصت المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية». وذكّر بأن المادة 108 لا تنظر في جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل، وتنصّ على شهرين كحدّ أقصى للتوقيف الاحتياطي للموقوفين في الجنحة، و6 أشهر في الجناية، مع إمكانية تمديدها لفترة مماثلة كحدّ أقصى في حالة الضرورة القصوى، علماً أنه لا يجوز أن تتعدّى مدة التوقيف ذلك، لكن الحال أنّ من الموقوفين من تجاوزوا السنتين بانتظار محاكمتهم أو «تحرير» طلب إخلاء سبيلهم.