IMLebanon

سجينة بتهمة «أُمّ»

يأسف المفتي لقرار كهذا «يعلم مسبقاً أنّه سيؤدي إلى سجن أمّ» (KatHannah)

«خذوها». هذا ما قاله الدرك عندما باغتوها عند مدخل بيتها. كانت عائدة من عملها. كمنوا لها وحاصروها وطالبوها بأن تسلّم نفسها، كما في الأفلام. كبّلوا يديها وساقوها كمجرمة إلى السجن، أمام مرأى عائلتها والجيران وعابري السبيل. ما هي تهمتها؟ تهمتها أنها أمّ. نعم، فاطمة علي حمزة تقبع منذ يومين في النظارة في مخفر الغبيري بتهمة أنها أمّ. هل هناك «أنصع» من هذا المثال على غيّ الطوائف ونظامها الأبوي القاتل. نظام قتل النساء وتعنيفهن والتمييز ضدهن وحرمانهن من أطفالهن

منذ يومين، تقبع فاطمة علي حمزة في السجن بتهمة أنها أُمّ. نعم، جريمتها أنها ترفض التخلي عن طفلها الصغير بموجب حكم جائر ومشوب بشبهات لا تحصى ولا تعد، صادر عن المحكمة الشرعية الجعفرية… هذا يحصل الآن هنا في لبنان.

فقد صدر عن “محكمة” الطائفة” قرار يقضي بنزع طفل لم يتجاوز عمره ثلاث سنوات ونصف سنة من حضن أمّه ومنح الحضانة لوالده المتزوج بامرأة ثانية ولديه منها أولاد آخرون! لم تقبل فاطمة التخلي عن ضناها، بحجة أن الشرع يأمرها بذلك، قررت المقاومة فقررت الدولة قمعها دفاعاً عن شرع الطائفة. تدخّل القضاء المدني (النيابة العامة) لمواكبة القضاء الطائفي وأمر دائرة التنفيذ في بعبدا بتنفيذ قرار المحكمة الشرعية الجعفرية وحبس الأم تأديباً لها على مقاومتها للقرار الذكوري.

تصف فاديا، شقيقة فاطمة، القرار القضائي أنه يقول لها «عيشي بلا روحك». هكذا يطبّق القانون. القانون الفحل الذي فُصّل على قياس البلطجة و«بيّي أقوى من بيّك»، يقول أحد القضاة.

أول من أمس، حضرت دورية من مخفر حارة حريك وألقت القبض على فاطمة، بأمر من دائرة التنفيذ في بعبدا، لأنها رفضت الرضوخ لقرار المحكمة الشرعية الجعفرية القاضي بتسليم ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات ونصف سنة إلى والده، لأنّه بحسب شرع المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، يحدّد سن حضانة الأم لطفلها الذكر بسنتين فقط. فاض عمر ابن فاطمة عن السن الشرعية، وصار بإمكان الوالد، ببلطجته وحسن علاقته بـ«معارف» في المحكمة الشرعية الجعفرية، أن يأخذ ابنه من أمه.

تسرد فاديا، شقيقة الأم المسجونة، كيف حدث كل ذلك، فتقول بأنّ شقيقتها «كانت قد رفعت دعوى أمام المحكمة الجعفرية تطالب فيها بمسكن زوجي مستقل لأن زوجها متزوج بأخرى، وتأمين نفقة لطفلها، ولا تزال الدعوى إلى اليوم موضوع نزاع، كما أنها لا تزال متزوجة، أي أنها لم ترفع دعوى طلاق». لكن، محمد جزيني، زوجها «قرر رفع دعوى بحق زوجته فاطمة للحصول على حضانة الصبي، تأديباً لها، وقد نال قراراً بذلك، غير أن شقيقتي امتنعت عن تنفيذ القرار». عندها، حمل جزيني قرار المحكمة الذي يقضي بسلخ طفلٍ عن أمه وأودعه لدى النيابة العامة في بعبدا لتنفيذه بقوة الحبس.

في اليوم الذي حضر فيه المأمور القضائي لتبليغ فاطمة، «كان محمد جزيني في بيتنا يتناقش مع شقيقتي في التوصل إلى حلول»، تقول فاديا. كان حضوره «نوعاً من الخداع وكان مؤلماً لشقيقتي»، تقول. لكن، ثمة ما هو أكثر إيلاماً أن تصدر القاضية الناظرة في الأمر قرارها الفوري بحبس فاطمة. لماذا؟ لأنها أمّ. هكذا، حضرت دورية من مخفر حارة حريك لتنفذ المهمّة، التي حضرت لأخذها بطريقة هوليوودية «حيث اختبأوا في مدخل البناية بانتظار عودتها من عملها للقبض عليها»، على ما تقول العائلة.

من «الريو» الذي أقلّها إلى مخفر الحارة كانت الوجهة الأولى. لكن، سرعان ما صدر القرار بنقلها إلى مخفر الغبيري نظراً إلى أن «النظارة في الحارة هي للرجال». هي الآن موقوفة هناك، وهي فضلت هذا الأمر على تنفيذ القرار المجحف بحقها كأم، ولكنها لا تعرف شيئاً عن ابنها. يعلّق أحد «المشايخ» في المحكمة الجعفرية أنّه «بدل أن تتمرد الأم على القرار، كان الحري بها أن تستأنفه وهي سجنت لأنها رفضت الامتثال للقانون الذي ينص على أن كل من يمتنع عن تنفيذ حكم قضائي يجرّم». لكنها أمّ؟ يردّ الشيخ: «إذا كل أمّ تمرّدت على القضاء وقبلت تنحبس بتعملّي أزمة بالبلد (…) بدكم نحكم قضاء بالعواطف».

على أساس هذه «الخلاصة»، لا يحقّ لأم موجوعة الدفاع عن حضانة ابنها. فالقانون يحرمها حتى من هذا، و«يحلّله» للرجل الذي يحق له أن يأخذ ابنه من أمّه ولو “نكاية” و”تعنيفاً” للأم. يقول الأب محمد جزيني «أنا ذهبت إلى الشرع لأنها لا تسمح لي برؤية ابني ولا تريد العودة إلى البيت أيضاً، علماً بأنني أمنت لها مسكناً ومنحتها نفقة». يعترف الأب بأن «ابني بحاجة إلى أمه أكثر مني»، إلا أنّه لجأ إلى الشرع «يللي بيعطيني حقي بإبني، وخصوصاً بعدما حاولت أن تأخذ توقيعي على ورقة تنازل عنه».

يبرر القاضي في المحكمة الجعفرية، جعفر كوثراني، أن محامية الأم، شقيقتها فاديا، «لم تدافع عن فاطمة بشكلٍ صحيح، فقد أهملت ثلاث درجات من النظر في القضية التي صدر الحكم فيها منذ عامٍ ونصف عام، فلم تعترض ولم تستأنف ولم تميّز، ففي مثل تلك الحالات، نعتبر نحن أن المستدعى بوجهها خضعت وهي موافقة على تسليم الصبي لوالده». بحزم، يقول كوثراني إن «القانون لم يحرمها حقها، هي قصّرت، فبالنهاية نحن نجتهد والاجتهاد يصيب أو لا يصيب وليس حكماً منزلاً، كان الحري بها أن تستأنف الحكم». ترفض شقيقتها المحامية التعليق على عبارة «التقصير»، فهي لم تمش باعتراض واستئناف وتمييز لأن «الحكم سيبقى ذكورياً، لن يعطوا لأختي الحضانة، نحن نعرف ذلك». ولئن كان كوثراني يرفض بدوره هذا الأمر، «نصدر أحكاماً استناداً إلى القانون، والقانون هو قانون مصلحة عامة ولا نستطيع إعطاء كل واحد حكماً على مقاسه»، وبالنهاية «قدرها أنها جعفرية، وليس كل الأحكام حلوة، فهناك أيضاً الأحكام المرّة».

هذا القدر هو نفسه الذي يضعها في مكانة «الضلع القاصر»، والتي يبقيها تابعة للرجل حتى في حضانتها لابنها الطفل. هذا هو نفسه الذي حدّد سن حضانتها لابنها بعامين فقط. لكن، كان يمكن لهذا القدر أن يحيد قيد أنملة، إذا «ما أخذنا بروحية القانون، فهناك شيء اسمه قانون وشيء اسمه روحية القانون، فمن الظلم أن نجرمها لأنها تصرفت بغريزة الأمومة، كما من الظلم أن نقف عند حرفية القانون، فنحن رجال دين واجبنا إيصال رسالة دينية إنسانية قبل أن تكون وظيفية»، يقول المفتي الجعفري الشيخ أحمد طالب. يأسف المفتي لقرار كهذا «يعلم مسبقاً أنّه سيؤدي إلى سجن أم»، لذلك كان «من الأجدى برجل الدين أن يمارس الصبر، معاقبة الأم هي بعيدة عن روح ديننا وإسلامنا الحقيقي». أبسط ما يمكن اختصار هذه الروحية بعبارته الأخيرة «الحضن هو أمّ مش بيّ».

طالب، صاحب العمامة البيضاء كغيره، سيشارك اليوم في الوقفة التضامنية التي تنظمها جمعية حماية المرأة أمام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، السادسة عصراً. هذه الوقفة التي ستعيد إحياء إشكالية سنّ الحضانة، والتي كانت قد طرحته الجمعية وعدد من المحاميات لرفع سن الحضانة لدى المذهب الشيعي، وقامت يومها حملة «رفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية». يومذاك، قامت الدنيا ولم تقعد، إذ اعتبر الغيورون على الدين أنه تهجم على دينهم وميثاقهم. وهو ما يحصل اليوم في حالة التضامن مع فاطمة، حيث يعتبر الغيورون أنفسهم، والمضحك أن جلّهم من النساء، أن هناك من يريد التظاهر «ضد الله».