Site icon IMLebanon

أسرى؟!

 

يمكن «حزب الله» أن يفعل الذي يراه مناسباً من أجل استرداد عناصره من الأسر السوري، لكنه يمنع على الجيش والحكومة أن يفعلا مثله ويبادلا الأسرى العسكريين بما يسمح بإنهاء هذه المأساة الفظيعة.

الأمر ليس جديداً، ولا مفاجئاً ولا خاصًّاً بالحالة الراهنة، بل هو مراس متأصل دأب عليه الحزب وصار جزءًا من تكوينه وعادياته وثقافته. وهذه في مجملها تسري على الكبيرة والصغيرة والمهمة والتافهة: المصلحة الخاصة للحزب تفوق وتتقدم أي مصلحة أخرى. وفي ضوئها وحدها، تُتخذ الخطوات والقرارات وتُنفذ بمعزل عن أي معطى آخر. وطني عام أو وطني خاص. مصائر اللبنانيين أو دولتهم ومؤسساتهم. اجتماعهم الديني أو المذهبي أو مصالحهم في الداخل وعبر الحدود والبحار والأقدار! كل ذلك، في مجمله، لا يعني الشيء الكثير في مقوّمات صناعة قرار «حزب الله».. قد يعني أشياء محددة لكن هذه تقف عند حدود ما يراه هو مناسباً وصالحاً وما يقرّره تبعاً لتلك الرؤية.

مثال التدخل في سوريا أحد تعابير ذلك السلوك الممعن في ذاتيته وخاصيته. حيث انه قرّره وذهب فيه الى الآخر مع انه يعرف، مبدئياً وواقعياً، ان ذلك التدخل سيكلّف لبنان واللبنانيين الكثير. وسيفتح الباب أمام ترددات سلبية على الداخل الوطني، وعلى الميثاق الحاكم والمتحكم باجتماع اللبنانيين. وسيثير حساسيات كبيرة وخطيرة، ليس في لبنان فقط بل على مساحة وجود العرب والمسلمين. وسيؤسس لمستقبل مظلم على صعيد العلاقات مع شعب سوريا. وسيورط الحاضر في التاريخ. وستبقى تفاصيل تدخله لنصرة بشار الأسد ومقاتلة الثائرين عليه، عالقة في الأذهان، وموضوعة في قمة جدول تفكير أو (قرار) أي سوري في آتي الأيام والسنين والأعمار، بل أي عربي أو مسلم. وسيصيب مفهوم «المقاومة» بأضرار جسيمة وبالغة.. عدا «تفاصيل» كثيرة أخرى، من نوع خسائره البشرية من جهة وتنكّره لقبوله فكرة النأي بالنفس الواردة في «اعلان بعبدا» من جهة أخرى.

رغم ذلك كله وأكثر منه، فإن الحزب وجد ان مصلحته وحساباته وارتباطاته وقياساته الأقوى والأهم من أي شيء آخر، حَكَمت بأن يذهب الى سوريا ويتورّط في مذبحة، تتردد دول وقوى عظمى في التورط فيها.

.. استعاد أسيراً، وهذا خبر مفرّح بالمعنى الانساني المحض، واحتفلت الضاحية على طريقتها المعهودة، لكن لماذا فصل «قضيته» عن قضية العسكر الشرعي؟! ولماذا لم يوظّف قنواته التي أوصلته الى التبادل في خدمة قضية الأسرى عموماً؟ بل كيف أمكنه أن يفعل ذلك وعائلات هؤلاء تعاني الأمرّين وتنتظر كلمة من هنا وموفداً من هناك، ووسيطاً آتياً وآخر ذاهباً.. الخ؟!.

الأجوبة تكمن في مدوّنة سلوك الحزب وليس خارجها، لكن بغضّ النظر عن ذلك، فإن ما حصل بالأمس يفترض أن يحرّر الحكومة من بعض «العوائق» ويدفعها حُكماً، الى تسريع وتيرة سعيها إلى إعادة الأسرى العسكريين الى وطنهم وعائلاتهم.. تماماً وفق المبدأ الذي اعتمده «حزب الله» وليس خارجه!