ليست مصادفة ان تكون «زغرتا – اهدن» مقلعا لرؤساء الجمهورية، من وصل منهم ومن كان قاب قوسين او ادنى من الوصول. فمنذ ما قبل الاستقلال وحتى اليوم، ما إنْ يُفتح الملف الرئاسي، حتى يبرز المرشح الزغرتاوي في الطليعة ثم منذ حميد فرنجية (في 1952) الى سليمان فرنجية (في المرحلة الاخيرة) مرورا بجوّاد بولس الاسم الذي كان دائم التداول في الاستحقاقات الرئاسية كلها حتى مغادرته هذه الدنيا.
وبالتالي ليست مصادفة ان تكون زغرتا اعطت لبنان رئيسين بارزين المرحوم سليمان فرنجية والشهيد المرحوم رينيه معوّض. علما ان حميد فرنجية نام رئيسا ليستيقظ اللبنانيون على الرئيس المرحوم كميل شمعون، والوزير سليمان فرنجية بقي رئيسا مع وقف التنفيذ لبضعة اشهر.
نقول ليست مصادفة لأنّ لزغرتا علاقة متواصلة مع الاقدار الكبيرة. منذ يوسف بك كرم الذي (وحده) استأثر في التاريخ بل لقب «بطل لبنان» … الى حميد فرنجية الذي (وحده) كان، رئيس مؤتمر الشعوب العربية يوم القومية العربية تزهو بجمال عبد الناصر وترتفع به الى الاعلى … الى المرحوم الاب سمعنا الدويهي الذي (وحده) بين رجال الدين المسيحيين وصل الى الندوة اللبنانية بالانتخاب. وعلى سيرة رجال الدين من يُنكر دور وفضل البطريرك القديس اسطفان الدويهي، ذلك اللاهوتي الملفان الكبير … علما ان زغرتا «مقلع» للاساقفة والخوارنة والرهبان الكبار من مؤرخين و «ثوار» أمثال المثلث الرحمة المطران هيكتور الدويهي … والمطران اميل سعادة والعالم العلاّمة الاب يوسف يمين امدّ الله في عمره الذي حمل لبنان والموارنة و «حبيبته» الاثيرة اهدن («جنة عدن») في قلبه ووجدانه ولا يزال.
ولو شئنا ان نعدّد رجال الدين المهمّين، ورجال السيف المهمّين، ورجال الفكر المهمّين الزغرتاويين – الاهدنيين لما استوعبت هذه العجالة اسماءهم منذ النهضة وحتى اليوم. ولكن لا بدّ من التنويه سريعا جدا بالمؤرخ العالمي الكبير جواد بولس الذي كانت مؤلفاته ولا تزال مرجعية للمؤرخين العالميين الكبار (ارنولد توينبي، مثالا لا حصرا)…
والحق يُقال إنّ لزغرتا – اهدن خصوصية وفرادة فشعبها «عيّيش» وهو يصنع سياحته اذا عزّت السياحة.. والزعامة فيها شعبية. واذكر انّ الرئيس المرحوم سليمان فرنجية كان يعرف ثلث سكان لبنان بأسمائهم، ويعرف احوالهم على حقيقتها ويكاد يعرف الاوضاع الاقتصادية لكلٍ منهم…
واذا كانت الفروسية من الصفات المعروفة فهي تتمثل بالقرارات الكبيرة وبالعضّ على الجرح وان نازفا، وبتقديم المصلحة العامّة على المصلحة الخاصة. ومن يُنكر ان الوزراء الذين مثلّوا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في الحكم هم مثال للنزاهة و»الادمية»؟!
يوم مَثّلْتُ فخامة رئيس الجمهورية العماد اميل لحود في مراسم تشييع الشاعر المثقف الصديق المرحوم جورج يميّن ومنحته وساماً رئاسيا بإسم فخامته في كاتدرائية مار جرجس في اهدن وجدتني بين تمثال يوسف بك كرم وجثمانه المحنّط، وبين كنيسة مار ماما الاثريّة وتمثال البطريرك القديس الدويهي ووسط جماهير حاشدة نساءً ورجالا ً يتسابقون ليقولوا لك «تفضل» … يومها رددت لاحد الاصدقاء ما اعرفه دوما عن زغرتا – اهدن: «انها للسيف وللضيف ولغدرات الزمان».