Site icon IMLebanon

تغيير مناخ التمويل للقطاع الخاص اللبناني

 

فاقم أزمة تمويل شركات القطاع الخاص اللبناني، أكانت صغيرة جداً أو صغيرة أو متوسطة أو كبيرة، في ظل الأزمة الكارثية الراهنة التي نعيشها، وهي تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، وقد قلبت المقاييس وحوّلت مناخ التمويل لشركات القطاع الخاص اللبناني. علينا أن نكون واقعيين ومُهيئين لإعادة الهيكلية المالية والنقدية والتمويلية التي ستكون مختلفة نهائياً في ظل الأزمة الراهنة المستجدة.

 

لا سرّ في أن ثمة شركات خاصة تكبّدت خسائر فادحة جرّاء الديون المتراكمة التي كانت لديها في السوق، عندما فوجئت باندلاع الأزمة الإقتصادية والإجتماعية في أواخر العام 2019.

 

إن جزءاً كبيراً من هذه الديون المتراكمة لم يُسترجَع، لأن قسماً كبيراً منها لم يُسدّد من قبل عملاء متعثرين، أو حتى أنها أُجبرت على إقفال أبوابها. في حين أن جزءاً آخر من الزبائن سدد ديونه وفق سعر الصرف الرسمي للدولار، أي 1515 ليرة لبنانية، في حين كان سعر الصرف يُحلّق نحو آفاق واسعة، وكان قد تجاوز الـ 20 الف ليرة. نتيجة هذا التدهور وإعادة هيكلة الديون التي كانت في السوق، تضاعفت القوة النقدية لجزء كبير من شركات القطاع الخاص اللبناني.

 

من جهة أخرى، استطاعت الشركات المدينة من المصارف التجارية أن تفي ديونها وفق سعر الصرف الرسمي، وبحب سعر صرف تعميم 151، جراء التفاوض مع المصارف الخاصة، وان تقوم بإعادة هيكلتها المالية والنقدية، كما ان تسدّد كل ديونها وتنظيف دفاترها الداخلية.

 

للتذكير، وصلت الديون الخاصة ما قبل الأزمة إلى نحو 55 مليار دولار، مقارنة بالناتج المحلي الذي كان يقارب الـ 50 مليارا، بما يعني أن الديون الخاصة كانت تمثل نحو 110 % من الناتج المحلي سابقاً.

 

اليوم تغير المشهد نهائياً، اذ ان جزءاً من هذه الديون سددت باتفاقات داخلية او بتجارة شيكات لبيع عقارات وغيرها من العمليات التجارية والمعاملات المصرفية وطويت هذه الصفحة من التمويل والاستدانة المصرفية والتبادل التجاري عبر الديون والتمويل عبر المصارف التجارية.

 

واقع الحال ان القطاع المصرفي اللبناني لم يعد له القدرة ولا السيولة ولا النية لمتابعة سياسة الاقراض المالي، وسيكون شبه مستحيل للشركات الخاصة التمويل عبر الديون، سواء كانت مصرفية ام خاصة.

 

لذلك، على الشركات الخاصة، بعد أن أعادت هيكلة ديونها، أن تكون لها استراتيجية جديدة في التمويل، وأن تكون متنبّهة إلى أن التمويل عبر المصارف التجارية لم يعد جائزاً الإتكال عليه وليس حلاً واقعياً. عليها أولاً ان تلجأ الى التمويل الداخلي عبر المساهمين، أي التمويل الخاص، لكن في الوقت عينه، نُدرك تماماً أنه حتى معظم المساهمين وقعوا أيضاً في خسائر فادحة لرؤوس أموالهم وبقيمة ودائعهم المحجوزة، وبالـ«كابيتال كونترول» غير الرسمي بغية تحريك أموالهم للإستثمار.

 

في ظل هذه الوقائع إن التمويل الجديد والوحيد للشركات الخاصة في لبنان لا يُمكن أن يكون إلاّ عبر تمويل رأس المال، أو الإستثمارات الخاصة، وفرصتها الوحيدة للنجاة هي أن تنقل ديونها وتمويلها من المصارف إلى رأس المال والإستثمارات. هذا يعني أن هدفها اليوم يجب أن يكون استقطاب إستثمارات من الداخل من بعض المودعين الذين يفضّلون الإستثمار في الشركات الخاصة عوضاً عن تجميد ودائعهم، لا سيما من مستثمرين خارجيين يبحثون عن فرص استثمار في شركات بنّاءة يُمكن أن تنمو وتتطور وتتميز وتوسّع أعمالها، وتصدّر معرفتها وسلعها إلى المنطقة.

 

هذه الشركات عليها أن تكون مرئية من قبل رادارات المستثمرين الدوليين، ويجب أن تكون لديها حوكمة رشيدة وشفافية تامة كشرط أساسي لاستقطاب الأموال والإستثمارات. من جهة أخرى، إنّ التمويل البديل والجديد يجب أيضاً أن يكون من خلال الإندماج والإنخراط في ما بين الشركات الخاصة الداخلية وحتى الإقليمية منها، لتقليص أعبائها وكلفتها التشغيلية، وتسهيل تمويلها وجذب الإستثمارات إلى رؤوس اموالها.

 

في النهاية، على الشركات الخاصة اللبنانية أن تقبل بتغيير منهج التمويل، وأن تُغيّر خططها للاستدامة المتبخرة، وتركّز على التمويل الخاص والاندماج وجذب الإستثمارات، وهو الحل الوحيد لمواجهة الأزمة وإعادة الإنماء قريباً.