Site icon IMLebanon

المدارس الخاصة: زيادة أقساط مع عربون مسبق

 

 

أقساط مرتفعة وغير قانونية حدّدتها المدارس الخاصة للعام الدراسي المقبل 2022/2023 من دون استشارة لجان أولياء الأمور، وفي غياب تام لوزارة التربية ومصلحة التعليم الخاص. كما فرضت مبالغ بالدولار من خارج الموازنة كشرط للتسجيل، ما يضع الحق في التعلّم على المحكّ في ظل هشاشة التعليم الرسمي وعدم قدرته على استيعاب الطلاب المهجّرين من الخاص، ويُنذر بارتفاع معدلات التسرّب المدرسي

 

كان العام الدراسي 2021- 2022 صعباً على كلّ من الأهالي والأساتذة والمدارس، وتميّزت الأخيرة فيه ببعض الخجل عندما فرضت زيادات على أقساطها. اليوم تكشف المدارس، بصراحة مفرطة، عن أرقام خيالية لأقساط السنة المقبلة، وتجاهر غالبيتها بفرض رسوم «بالفريش» دولار تبدأ من 200 وتصل إلى 4 آلاف دولار، تُضاف إلى مبالغ بالليرة تبدأ من 7 ملايين وتصل إلى 32 مليون ليرة. أكثر من ذلك، تشترط للتسجيل استيفاء مبالغ كبيرة بالدولار كسلفة لحجز مقعد.

 

مدرسة الليسيه الكبرى، على سبيل الذكر لا الحصر، طلبت 1200 دولار قسطاً للولد الأول، يتراجع إلى 1000 دولار للثاني، و800 دولار للثالث، بالإضافة إلى رسوم بالليرة عن كلّ تلميذ تناهز 28 مليون ليرة، قابلة للزيادة إذا «جنّ» الدولار. وتمارس إدارة المدرسة ضغوطاً على الأهالي، إذ «تفرض دفع 70% من القيمة الدولارية للقسط قبل شهر تموز المقبل لحجز مقعد لطلابها، فتُحصي بذلك من سيبقى ومن سيغادر، لأن الخوف أن يتعدّى عدد الأساتذة عدد الطلاب فيضطرون إلى صرفهم»، كما تقول رئيسة لجنة الأهل في المدرسة لميا الراسي. ورغم أنها تصف الأقساط بـ«المخيفة»، وتتأسّف من عدم قدرة بعض الأهالي على الصمود، تجد «الخوف الأكبر على المدرسة وقدرتها على البقاء بذات المستوى والمحافظة على أساتذتها». لجنة الأهل تفاوضت مع الإدارة لأنه «بدنا نأكل عنب، وما بدنا نقتل الناطور». لم تلجأ إلى خيار رفع شكوى إلى الوزارة أو رفع دعوى قضائية لأن هذا المسار الذي سلكته مدارس أخرى، برأي الراسي، «لم يؤدِّ إلى نتيجة بل ولّد تشنّجاً بين المدرسة والأهالي كان ضحيته الطلاب».

 

وفق أحد أولياء الأمور، القسط المدرسي في «لويز فيغمان» مبدئياً هو 4 آلاف دولار. وهذا الرقم غير نهائي لأنه يتأثر بعدد الطلاب، من سيبقى ومن سيغادر. ونتيجة لنسب التسجيل المنخفضة وارتفاع عدد المنسحبين، أقفلت المدرسة فرعها في بشامون وستُبقي على فرعَيْها في بيروت وفي جورة البلوط في المتن، بحسب مصدر في المدرسة. «الأخبار» حاولت التواصل مع إدارة المدرسة لمعرفة السبب الفعلي خلف إقفال فرع بشامون والتأكد من قيمة الأقساط، لكنها لم توفّق.

 

غربلة الطلاب

إذا وضعنا جانباً فئة الأهالي الميسورين التي لا تكترث لأيّ زيادة، لا يمكن إغفال أن الفئة الأكبر من الأهالي هي من موظفي القطاع العام والخاص وذوي الرواتب المتوسطة أو المتدنية ستبحث عن مدارس تطلب أقساطاً أقل. هذا يعني أن الأزمة، بعدما أعادت توزيع الطلاب على المدارس القريبة لتوفير كلفة الباص المدرسي، ستقوم العام المقبل بغربلة الطلاب حسب قدرتهم على الدفع، ما يجعل المدارس في حيرة من أمرها لدى تحديد الأقساط. فمعروف أن القسط هو حاصل قسمة المصاريف على عدد الطلاب، «فإذا تراجع العدد من ألفين إلى ألف و500 ألا تتأثر قيمة الأقساط؟» يسأل الأمين العام للمدارس الكاثوليكية يوسف نصر. وهذا يعني أنه حتى الأقساط الدولارية آيلة للارتفاع.

 

الدولار يحيّر المدارس

إلى جانب عدد الطلاب، هناك معيار آخر أكثر تعقيداً يصعّب وضع الموازنات المدرسية وهو سعر صرف الدولار. نسأل نصر عن أقساط العام الدراسي المقبل، فيجيب: «إذا أخبرتني عن سعر صرف الدولار وسعر صفيحة البنزين والمازوت في الأشهر المقبلة، أخبرك عن الأقساط المدرسية». يسأل الأهالي باستمرار، و«هذا حقهم لكننا في نفق مظلم والرؤى غير واضحة». الأمر نفسه ينسحب على مدارس المصطفى التي لم تحدّد بعد القيمة الفعلية للأقساط. و«مع أننا نخبر الأهالي أنها تقرب من الـ9 ملايين ليرة لصفوف الروضات وتصل إلى 11 مليوناً لصفوف المرحلة الثانوية، أي بزيادة نحو 70% عن هذا العام، لكننا نؤكد لهم أن هذه الأرقام غير نهائية وآيلة للارتفاع»، كما يقول المدير العام محمد سماحة .

 

تعميم هزيل

انتظرت لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة موقفاً جدياً من وزارة التربية والتعليم العالي يضع حداً لتجاوزات المدارس، باعتبار أن وحدها القادرة على وضع سقوف للزيادات على الأقساط والتدقيق في الموازنات ومعاقبة من يخالف القانون 515/96، وخاصة لجهة «الدولرة». لكن وزير التربية عباس الحلبي خيّب الآمال عندما أصدر تعميماً هزيلاً عرض مواداً قانونية ترعى تنظيم الموازنة كما حدّدها القانون مشرّعاً الباب أمام دولرة الأقساط بقوله: «تحدّد الأقساط لناحية قيمتها أو لجهة العملة التي يقتضي أن يتم الدفع فيها على النحو الذي يمكّن أولياء التلامذة من الاستمرار». وقد حاولت «الأخبار» التواصل مع الوزارة للاستيضاح عن الأمر إلا أنها لم تتلقّ إجابة.

 

التفلّت التربوي الحاصل ينذر بكارثة تربوية. فالتضييق على الأهالي من خلال وضع أقساط مدرسية «تعجيزية» بالنسبة إلى البعض من دون حجز مقاعد للفقراء الجدد في المدارس الرسمية، بالإضافة إلى تواطؤ ظروف اقتصادية أخرى وفقدان الثقة بأهمية التعليم في إيجاد فرصة عمل توفر العيش الكريم سيجبرهم على التخلي عن تعليم أولادهم عاجلاً أم آجلاً. ولا يشبه ذلك التخلي عن الاشتراك أو السفر أو زيارة المطاعم… إنه باختصار الجهل الآتي.

 

لجان الأهل: الحلول البديلة ممكنة

يعيش أهالي الطلاب اليوم حالة من الضياع والخوف على مستقبل أولادهم. «عدد الاتصالات التي يتلقّاها اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور من أهالٍ لا يعرفون إلى أين يذهبون بأولادهم في ظلّ انعدام الخيارات في الأفق كبير جداً ومقلق»، وفق رئيسة الاتحاد لمى الطويل. صحيح أن بعض المدارس أنشأ صندوق تعاضد لمساعدة العائلات المتعثرة من جيوب العائلات المقتدرة، لكن ذلك لن ينفع ذوي الدخل المحدود الذين لديهم أكثر من ولد واحد في المدرسة.

 

يعي أهالي الطلاب جيداً أن الأزمة الاقتصادية ستفرض زيادة حتمية على الأقساط المدرسية لتحسين أجور الأساتذة وتشغيل المدرسة، لكن هذا لا ينفي عدم رضاهم عن «أقساط خيالية وعشوائية وغير عادلة»، كما تصفها الطويل. لم تفكر المدارس الخاصة في حلول تراعي أوضاع الأهالي المتأثّرة أيضاً بالأزمة، بل ذهبت في الطريق الأسهل: الزيادة و»الدولرة» لتغطية نفقاتها وترك هامش للربح. كان يمكن للمدارس، وفق الطويل، «العمل على موازنة تقشّفية مدروسة وشفافة تلغي البنود التي تتعلق بالتطوير والتجديد، مثلاً، وتستبدل النفقات الكبيرة لتأمين المازوت لمولدات الكهرباء بتركيب الطاقة الشمسية، كحلّ مستدام للسنوات المقبلة.

 

وذكّرت الطويل بحل يخفّف عن الأهالي، هو التزام تطبيق استشارة هيئة التشريع والاستشارات، الرقم 75، التي صدرت بتاريخ 27 كانون الثاني من عام 2015 والتي توصي بإدراج الرسوم التي تستوفيها المدرسة خارج الموازنة كالقرطاسية والزيّ المدرسي والدعم الخارجي على الإيرادات، و»هكذا تخفّ الأعباء المادية عن كاهل أولياء الأمور وتتحمل إدارة المدرسة جزءاً منها».

من جهته، يرى الأمين العام للمدارس الكاثوليكية يوسف نصر أن «الوضع يزداد تعقيداً وتأزّماً، ما يفرض الحوار الجدّي بين لجان الأهل وإدارات المدارس»، مضيفاً: «إذا كانت الدولرة شرّاً لا بد منه، فليكن القرار بالتوافق والتراضي». وفي حين يجد «الدولرة من الحلول المطروحة لضمان استمرارية التعليم، نحتاج إلى رأي اقتصاديين لنأخذ قرارت بطريقة علمية ونحافظ على المؤسسات والطلاب والأساتذة».

 

حصة الأساتذة رهينة الوعود

تتمسّك إدارات المدارس الخاصة بالحجة ذاتها لتبرّر الزيادات الكبيرة على الأقساط، وهي رواتب الأساتذة. تستعطف الأهالي: «ألا يحق للأساتذة أن يأخذوا راتباً يوفّر لهم الحد الأدنى من العيش الكريم بما ينعكس إيجابا على إنتاجيته؟» هنا لا بد من طرح السؤال: إلى أي مدى ستنسجم الزيادات على رواتب الأساتذة مع الزيادات على الأقساط؟ وهل سيخصّص للأساتذة جزء من الراتب بالدولار الأميركي؟

 

إدارات المدارس التي تواصلنا معها تجزم بأنه سيجري تصحيح رواتب الأساتذة لكن من دون أن تحدّد حجم هذا التصحيح. أما الأساتذة فسمعوا وعوداً كثيرة عن تحسين رواتبهم، ستظهر الأيام المقبلة مدى صحتها.

تنقل رئيسة لجنة الأساتذة في مدرسة الليسيه الكبرى يانا السمراني ما يجري تداوله في مجموعة أنشأها الأساتذة في التعليم الخاص على واتسآب: «شكوى دائمة من زيادة الأقساط بشكل كبير لن يصلنا منها غير من الجمل أذنه». بعدما أضرب الأساتذة في الليسيه الكبرى عن التعليم لمدة عشرة أيام متقطعة هذا العام، «أخذنا تعهداً من الإدارة بالحصول على 20% من الراتب (الذي يُراوح بين مليون ونصف مليون وثلاثة ملايين) بالدولار ابتداء من شهر أيلول القادم. ونطمح إلى زيادة أكبر، باعتبار المدارس قد رفعت الأقساط بشكل مخيف».

تتأسف الأستاذة في مدرسة «لويز فيغمان» نهى عسيران أنه: «بعد 28 عاماً من التعليم، أنظر إلى حالتي وأقارنها بتلك عندما بدأت، فأجد أنها كانت سابقاً أفضل بكثير». ثم تستدرك: «لا نزال أفضل حالاً من أساتذة غيرنا». خلال هذا العام تقاضى الأساتذة في «لويز فيغمان» زيادة بنحو 15% من الراتب بالعملة الصعبة و«موعودون بزيادة تصل إلى 50% من الراتب بالدولار، أشعر أنها قد تصل إلى 20%».