لم يحاسب صندوق تعويضات المعلمين في المدارس الخاصة، يوماً، «المتأخرين» عن دفع المستحقات له. على مرّ تاريخ الصندوق، بقيت إدارات المدارس محمية، ولم يتدخل أيّ وزير تربية لإقفالها على خلفية هذا التأخير. اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، يعرّض تأخر المؤسسة التربوية في تسديد اشتراكاتها، المعلم، للمشاكل عند قبض تعويضاته المحسومة أصلاً من راتبه الشهري (6% تُقتطع من راتبه الشهري و6% مساهمة المدرسة في الصندوق)، ما قد يضطره للقبول بانتقاص حقوقه والدخول في تسويات على ما هو له أصلاً.
تسديد المتأخرات
حتى الآن، لم تقبض ليلى (اسم مستعار) الدرجات الست المنصوص عنها في سلسلة الرتب والرواتب الصادرة في عام 2017، لأن مدرستها في البقاع لم تكن قد طبّقت السلسلة عندما تقاعدت، ليتبيّن، بعد التطبيق، أن المدرسة نفسها لم تسدّد متأخراتها للصندوق عن كلّ المعلمين على مدى السنوات الست الماضية، والصندوق يطالبها بالدفع بالتقسيط، إلا أن ليلى تسأل: «أيّهما أولى دفع المستحقات المتأخرة عن كلّ المعلمين عن 6 سنوات بالتقسيط، أم دفع اشتراكات ثلاثة معلمين متقاعدين خلال هذه الفترة وتسهيل استفادتهم من الدرجات
الست التي حُرموا منها؟»
تبدو ليلى وزملاؤها المتقاعدون مقتنعين بأن الصندوق يجب أن يضغط على المدارس، وعلى نقابة المعلمين أن تبذل جهودها في هذا الإطار «إذ لا قانون يحكم علاقتنا بمدارسنا». يطالبون بتصريحات واضحة من الجميع مع وحدة التشريع: وزارة التربية، صندوق التعويضات، أصحاب المدارس الخاصة… ونقابة المعلمين. يشعر المتقاعدون أنهم خارج حسابات الدولة وأنهم رعايا وليسوا مواطنين.
تحصيل التعويضات
في الواقع، أزمة المعلمين المتقاعدين من المدارس الخاصة مزدوجة. ليست المشكلة في قيمة الرواتب فحسب، إنما في تحصيل التعويضات والرواتب التقاعدية من المصارف. البعض يتقاضى منذ أشهر راتبه على شكل بطاقة مشتريات من «السوبرماركت»، بحجة أن صندوق التعويضات لا يحوّل الأموال «كاش».
منسّق اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، الأب يوسف نصر، يقول إن علاقة المتقاعدين هي مع صندوق التعويضات وليست مع المدارس، ومجلس الإدارة هو المسؤول عن وضع استراتيجية لتأمين استمرارية العمل في الصندوق. ومسؤولية اتحاد المدارس هي اختيار الممثلين المناسبين لمجلس الإدارة للمشاركة في وضع الحلول.
لكن مِن المعلمين المتقاعدين من يقول إن الاتحاد ضغط لعدم شمول قانون الموازنة الذي يتضمن تقديمات لأساتذة التعليم الرسمي معلمي المدارس الخاصة؟ يجيب نصر: «ليس مهماً التشريع، إذا لم تكن هناك أموال في الدولة، والدليل ما حصل مع قانون الـ500 مليار ليرة (إعطاء 350 مليار ليرة للمدارس الخاصة و150 ملياراً للمدارس الرسمية) الذي أُقرّ في المجلس النيابي من دون أن يُطبّق حتى الآن».
وعن مشكلة المتقاعدين مع المصارف، يؤكد نصر أن «تسييل المال مسؤوليتنا جميعاً، أصحاب مدارس ونقابة معلمين للضغط باتجاه المصرف المركزي».
الراتب وليس التعويض!
«وضع اجتماعي يتميز بقساوة غير مسبوقة»، هذا ما يقوله زياد بارود، محامي نقابة المعلمين منذ عام 1996. اللافت ما يشير إليه لجهة أن عدد المعلمين الذين يختارون المعاش التقاعدي بدلاً من تعويض نهاية الخدمة ازداد بصورة ملحوظة، وهو أمر مبرّر، فالتعويض لا يتجاوز حفنة من مئات الدولارات.
ويلفت بارود إلى أن قانون الموازنة يطيح مبدأ قانونياً ثابتاً منذ عام 1956 بالحد الأدنى هو وحدة التشريع، و«لا أعرف لماذا أغفل»، مشيراً إلى اقتراح القانون الذي يعمل عليه، لكي تُطبق التقديمات في الموازنة على معلّمي المدارس الخاصة، وكي لا تبقى الترتيبات التي أجرتها المدارس بشأن رواتب المعلمين «على القطعة» ومعرّضة للتبدّل والعشوائية.
هل يحتاج مشروع القانون المتعلق بوحدة التشريع إلى موافقة مجلس الوزراء؟ يقول بارود: «ليس إذا قُدّم على شكل اقتراح قانون، مع التحفظ بالنسبة إلى التشريع في ظلّ الفراغ».
ويعكف بارود كما يقول على مسوَّدة مشروع ثانٍ، عقلاني كما يسميه، خاص بالمتقاعدين يراعي بصورة خاصة زيادة مداخيل صندوق التقاعد، مع الحرص على استمرار صندوق التعويضات وعدم تعرّضه لأي نكسة وعدم ضرب أيّ استقرار على مستوى المحسومات التقاعدية، فالهدف هو حماية الصندوق الذي هو ملك للمعلمين.
وعن المسؤول عن معالجة أوضاع المتقاعدين، يشدّد بارود على أن المسؤولية الأولى تقع على السلطة السياسية، إذ «يجب أن يكون هناك حدّ أدنى من المساهمة من الدولة لتخفيف الأعباء، فيما جزء من المسؤولية تتحمّله بعض المدارس التي لا تسدد متوجّباتها للصندوق».