في تفلّت واضح من أحكام القانون 515، أرسل عدد من المدارس الخاصة تعاميم للأهالي تحدد الأقساط، بالدولار الأميركي، عن عام دراسي مقبل لم يبدأ بعد، وقبل فتح باب التسجيل، وبزيادات كبيرة عن العام الدراسي الماضي. فهل القانون نفسه لا يزال صالحاً للتطبيق؟ وهل تبرّر الهوة بين النصوص القانونية والواقع المستجد بفعل الأزمة استباحة القانون على هذا النحو؟
عاماً بعد آخر، يُحكم «كارتيل» المدارس قبضته على التعليم، ويضيّق الخناق على أنفاس الأهالي، وسط تدمير ممنهج للمدرسة الرسمية، وغياب منطق المحاسبة في مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية، وانكفاء معظم لجان الأهل عن ممارسة دورها القانوني. ما تقوم به إدارات المدارس الخاصة من تحديد للأقساط، وبالدولار الأميركي هو، بحسب عضو المنسقية القانونية في اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة المحامي زينو حرب، خرق فاضح لقانون تنظيم الموازنات المدرسية الرقم 515 بتاريخ 6/6/1996، من جهة، ولقانون النقد والتسليف، مشيراً إلى أن تراخي الوزارة في فرض الجزاءات على المخالفين دفع بالكارتيل إلى الإمعان في استباحة القوانين. ويقول: «القانون لا يزال ساري المفعول ويُطبق بكل مندرجاته، وسواء كان يحتاج إلى تعديل أو لا، فإن هذا الأمر لا يبرر للمدارس أن تعلق العمل به، كما يحصل حالياً، بل يجب أن تلتزم به وتضع الأرقام التي تتناسب مع حجم الإيرادات والنفقات، وتنظم موازناتها بالعملة الوطنية».
منسّق الشؤون القانونية في الاتحاد، شوكت حولا، يرى أيضاً أنّ القانون لا يزال قابلاً للتطبيق في كل مواده، و«الخلل الواقعي والمنطقي في تطبيقه، الذي فرضه التدهور الاقتصادي وتهاوي سعر صرف العملة اللبنانية، مردّه إلى توزيع النفقات في الموازنة، بالاستناد إلى الرواتب والأجور والإضافات، كما هي محددة في القوانين». وأشار إلى أن «الحل يكون بعدم التضحية بالنسب المنصوص عليها في القانون (65% للرواتب والأجور، و35% للنفقات) كما تطرح إدارات المدارس، إنما بإدراج الإضافات على رواتب المعلمين التي تحوّل جزء منها إلى الدولار، في الفقرة «د» من باب النفقات في القانون، والتي تسمح للمدارس بإدخال مبالغ إضافية، بما لا يتجاوز 15% من مجموع الرواتب، شرط أن يكون هناك تدقيق مالي وتقرير من خبير محاسبة مجاز في هذا الموضوع، وهو ما تتهرب منه المدارس. وبما أن الأمور المالية في المدرسة لا تزال من اختصاص الهيئة المالية التي تقرر جميع الأمور المالية في المدرسة والأقساط والزيادة عليها، فإن جميع صناديق الدعم تشكل تجاوزاً فاضحاً للقانون، ولا حاجة إليها بدليل إمكان اللجوء إلى البند 1 من الفقرة «د» من الموازنة لتسجيل ما يُدفع للمعلمين، بما يفوق الراتب المحدد قانوناً.
وبشأن توزيع النفقات بين الفقرات «أ» و«ب» و«ج بنسبة» 65% للفقرتين «أ» و«ب» و35% بالنسبة للفقرة «ج»، واستحالة تطبيقه في ظل دولرة الاقتصاد، فإن الحل، وفق حولا، موجود في المادة 3 الفقرتين «ب» و«ج»، إذ تجيز الأولى منهما وضع ملاحق للموازنة عند صدور تشريعات أو أنظمة مع اعتبار القرارات الصادرة بخصوص منصة صيرفة، وسعر الصرف المحدد بموجبها قرارات تنظيمية يجوز معها إصدار هذه الملاحق، فضلاً عن اللجوء إلى التوزيع وفقاً لواقع الحال مع إلزام موافقة لجنة الأهل وتقديم تقرير عن خبير محاسبة مجاز. وفي ظل دولرة الاقتصاد باتت جميع الموازنات غير قانونية، ما يفرض، كما يقول، إيجاد حل عبر تفعيل المادة 13 من القانون 515 لجهة إرساء سلطة وزارة التربية في الرقابة على الأقساط وتحديدها بالاستناد إلى تقرير خبير محاسبة، إذا تخلّفت المدرسة عن تطبيق القانون.
يقر حولا بأن الدولرة مخالفة للقانون، لكن الاتحاد أدرج عبارة «بأي عملة كانت» في التعديل القانوني الذي ساهم في إعداده مع النائبين حليمة القعقور وأسامة سعد اللذين قدّماه إلى المجلس النيابي لقطع الطريق على اعتماد صناديق خارج الموازنة ولطرحها على النقاش داخل لجنة التربية التي سيحضر جلساتها ممثلون عن لجان الأهل والمعلمين وأصحاب المدارس، وهي ليست الطموح النهائي للاتحاد. ويقول إن ذلك سيكون لفترة استثنائية فحسب في انتظار إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة للمعلمين.
في المقابل، توافق المحامية ملاك حمية على أن القانون 515 لا يزال هو القانون النافذ، وأن جميع المدارس الخاصة تبقى ملزمة بتطبيق أحكامه عند تنظيم موازناتها، إلى حين صدور قانون آخر يلغي مواده أو يعدّلها. إلا أنها ترى أن أحكام هذا القانون لم تعد صالحة للتطبيق منذ بدء الأزمة الاقتصادية عام 2019. وبالتالي، ومن حيث المبدأ فقط، فإن «المدارس لا تلام على عدم التزامها بقانون غير قابل للتنفيذ، ولا سيما في غياب أي قانون آخر بديل يواكب التطورات الحاصلة». وتؤكد أن «المسؤولية الأولى والمباشرة في الفوضى الحاصلة تقع على عاتق السلطة التشريعية التي لم تعالج خللاً يمس أهم المرافق العامة». ولفتت إلى أن نموذج الموازنة المرفق بالقانون 515 لا يستوعب مختلف أنواع النفقات المستجدّة نتيجة الأزمة، خصوصاً المتعلقة منها برواتب وأجور المعلمين وسائر المتعاقدين والمستخدمين في المدرسة.
إلى ذلك، فإن النموذج المذكور يحتوي فقط على نوع واحد من الإيرادات، وهي الأقساط المحددة «بالليرة اللبنانيّة»، في وقت تفرض فيه المدارس على الأهالي مبالغ إضافية ضخمة بالعملة الأجنبية من خارج الموازنة، وهي تدخل حكماً ضمن مسمى القسط المدرسي، إنما في الواقع تبقيها المدارس خارج الموازنة، وخارج أي رقابة للجان الأهل عليها. إضافة إلى ذلك، فإن هناك أنواعاً أخرى من الإيرادات تحصل عليها المدرسة (كتلك المتعلقة بأرباحها من النشاطات المدرسية أو الكافيتيريا أو النقل أو القرطاسية أو الكتب أو الزي المدرسي، أو الهبات والمساعدات الخارجية…)، والتي يجب حكماً أن تدخل في باب الإيرادات من الموازنة بعد تحويلها إلى الليرة اللبنانية وفق سعر السوق (إذا كانت تُستوفى أو تحصل عليها بالعملة الأجنبية)، انطلاقاً من كون هذه المدارس تدخل ضمن فئة المؤسسات غير الربحية والمعفاة من أي ضرائب.
ومن الأسباب التي تذكرها حمية أيضاً لعدم قابلية القانون 515 للتطبيق، أنه لم يعد أي من المعلمين يتقاضى راتبه وفق القانون، أي بالليرة اللبنانية، بل أصبحوا يتقاضون جزءاً كبيراً من هذه الرواتب بالدولار الذي تستوفيه المدارس من الأهالي على شكل مساهمات من خارج الموازنة المدرسية، وهذه المساهمات، بصرف النظر عن مدى قانونيّتها وصحة قيمتها، أصبحت في الواقع جزءاً من القسط المدرسي، كما أنّ الجزء من الرواتب الذي يُدفع للمعلمين بالعملة الأجنبيّة أصبح في الواقع جزءاً من نفقات المدرسة، وبالتالي يجب أن تدخل جميع هذه المبالغ في الموازنة المدرسية، بعد تعديل نموذجها، تحت عنوان جديد هو «نفقات استثنائية»، ويجب أن يتم تحديد نسبتها القصوى من أساس الراتب بشكل نهائي، ومن ثم تحويلها إلى الليرة اللبنانية وفق سعر صرف السوق، والتنازل عن بدعة «وحدة التشريع» التي كانت سائدة قبل الأزمة، وتعديل قاعدة توزيع النسب بحيث تخفّض النسبة العائدة لنفقات المدرسة التشغيلية، وبذلك تصبح هذه المبالغ خاضعة لرقابة لجنة الأهل ووزارة التربية والقضاء، بعد وضع النصوص القانونية التي تُلزم المدارس الخاصة بوجوب إبلاغ لجنة الأهل ببيان المعلومات بالأسماء والرواتب القانونية والاستثنائية لجميع العاملين في المدرسة وملحقاتها، إلى حين سنّ تشريع يصحّح الرواتب.
المسؤولية الأولى والمباشرة في الفوضى الحاصلة تقع على عاتق السلطة التشريعية
وما ينطبق على المعلمين، بحسب حمية، ينطبق على الإداريين والمستخدمين، وسائر المرتبطين بسير العمل في المدرسة، والخاضعين لقانون العمل. أما الفقرات المتصلة بالنفقات التشغيلية فـ«لم تعد أيضاً صالحة للتطبيق، ولا سيما أنّ على المدرسة في ظل القانون الراهن أن تلتزم في موازنتها، بقاعدة توزيع النسب المنصوص عنها فيه، وتطبيق هذه القاعدة يوجب أن يكون مجموع النفقات التشغيلية للمدرسة لا يتعدى نسبة 35% من مجموع الرواتب والأجور وملحقاتها والتي تُشكل نسبة 65% من الموازنة، والتي يجب أن تكون وفق القيمة القانونيّة، أي تلك التي صدر آخرها في عام 2017، لكي يُصار بعد ذلك إلى تحديد قيمة القسط المدرسي وفق القاعدة المنصوص عنها في القانون، أي بقسمة إجمالي باب النفقات من الموازنة على مجمل عدد التلامذة، وهذا سيجعل قيمة القسط موازياً للقيمة التي كان عليها في عام 2017، وهو أمر غير منطقي وغير واقعي بتاتاً». وترى أن جميع النصوص المتعلّقة بدور الهيئة المالية ودور لجنة الأهل في دراسة الموازنة والموافقة عليها أو رفضها، كما دور وزارة التربية والمجلس التحكيمي التربوي بهذا الخصوص، الواردة في القانون 515/96، «تبقى من دون أي جدوى قانونيّة لوجود هوّة كبيرة بين النصوص وبين الواقع. هذا الخلل يفرض على المشرّع، كما تؤكد حمية، سنّ قانون جديد يواكب التطورات الحاصلة، ويضع أصولاً قابلة للتطبيق وغير معقّدة أو ترقيعية، لتنظيم الموازنات وتحديد الأقساط، ويأتي منسجماً مع الأسباب الموجبة لوضع هذا القانون والمتمثّلة بضمان تأمين الشفافية في إدارة حسابات المدرسة، وإبقاء الرقابة الماليّة على قيودها كافة، ووقف الفوضى في التعليم الخاص».