Site icon IMLebanon

مئات المدارس الخاصة على شفير الإفلاس

 

هل تكون “الرسمية” الملاذ الآمن؟

 

بعدما تمسّكت إحدى المدارس الخاصة في إحدى ضواحي بيروت بشرط قبض القسط المتبقي على رولا ق.( ربة منزل ) والبالغ 700 الف ليرة على دفعتين، مقابل إعطائها إفادة ترفيع لإبنها جاد (15عاماً) الى الصف الاول ثانوي، هي اليوم تتحضّر للتوجه الى قاضي الامور المستعجلة بناءً على نصيحة جارتها، موضحةً لها أن حصولها على الإفادة منه ستكون مشروطة بتسجيله في الثانوية الرسمية، ظاهرةٌ من شأنها تعميق الأزمة المالية التي تتخبط بها المدارس الخاصة، وتجعل المئات منها على شفير الافلاس.

 

يبدو أن ظاهرة النزوح إلى قطاع التعليم الرسمي ستتحول واقعاً مرّاً في العام الدراسي المقبل، حتى لو اختلفت التقديرات المتعلقة بأرقام الطلاب “النازحين”. وقبل اسبوع كشفت وزيرة الدفاع زينة عكر، عن أن تقديراتها تُفيد أن 75 ألف عائلة ستنقل أبناءها من التعليم الخاص إلى الرسمي، يُرجح مصدر مطلع في وزارة التربية في حديث لـ” نداء الوطن”، وفق إحصائية مبدئية، نزوح حوالى 100 ألف طالب من التعليم الخاص الى التعليم الرسمي العام المقبل، كاشفاً عن أن 70% من طلاب لبنان يدرسون في قطاع التعليم الخاص، ويبلغ عددهم 720 ألفاً، موزّعين على 1626 مدرسة خاصة، مؤكداً أن ظاهرة النزوح بدأت مطلع هذا العام، وتمثلت بانتقال بين 23 و24 ألف طالب الى التعليم الرسمي، متوقعاً أن تشهد مناطق الاطراف كالبقاع وعكار والجنوب إغلاق 500 مدرسة خاصة أبوابها نهائياً، في حال لم تجد الحكومة والمجلس النيابي حلولاً تمنع حصول هذه الكارثة التربوية.

 

الكارثة في أيلول

 

وإذ يصف المصدر نفسه واقع المدارس الخاصة بـ”الكارثي” والخطير جداً، بعد دخول التعليم الخاص مرحلة العناية المركزة، نتيجة تمنّع الأهالي عن تسديد الأقساط المتبقية عليهم، يبين أن 100 مدرسة خاصة نجحت في تحصيل الاقساط، فيما الـ 1526 المتبقية لم تُحصّل أكثر من 60 – 70% من الأقساط، لافتاً إلى أن الازمة ستبلغ ذروتها في ايلول المقبل حيث ستتحول الى كارثة على قطاع التعليم وعلى لجان الاهل وعلى الطلاب، سائلاً: “بأي عدد من الاساتذة والطلاب ستفتتح المدارس الخاصة أبوابها؟ فيما الاساتذة يطالبون اليوم برواتبهم كاملة: “ما ذنبنا؟ لسنا نحن من خلق هذه المشاكل”.

 

ويشدد المصدر على أن وزير التربية يتابع موضوع القدرة الإستيعابية للمدارس الرسمية لاستقبال العدد المتوقع، وفي الوقت ذاته يعقد إجتماعات بين الأذرع الثلاثة الأهل والمدرسة والمعلمين للوصول الى حل في موضوع المدارس الخاصة.

 

31 في المئة من الطلاب في “الرسمية”

 

وفي لُغة الأرقام تفيد احصائية صادرة عن “الدولية للمعلومات” في شباط 2019 أن عدد الطلاب في المدارس الرسمية في لبنان بلغ في العام الدراسي (2018- 2019 ) 328,040 طالباً (من بينهم 264,364 طالباً لبنانياً)، أي ما يشكل نسبة 30.7% من إجمالي الطلاب في مرحلة التعليم العام ما قبل الجامعي. ويتوزعون على 1,256 مدرسة، في الوقت الذي لم يعتد أن يتوجه إليها إلا 30 في المائة من الطلاب. وبحسب الإحصائية فقد بلغت نسبةُ الطلاب في المدارس الرسمية 42.4 في المائة في عامي 1974 – 1975 (أي قبل الحرب) وهي أعلى نسبة سجلت، وتراجعت إلى 29.5 في المائة في العام 2010 – 2011 وهي أدنى نسبة سجلت، وبلغت النسبة 31 في المائة في العام الدراسي 2018 – 2019.

 

وترى “الدولية للمعلومات” أن إصلاح المدرسة الرسمية يبدأ بالأستاذ والمدير والبرامج التعليمية، والبداية قد تكون بعدم حصول الأستاذ على منحة مدرسية إذا أرسل أولاده إلى المدارس الخاصة، ما يدفعه لتفعيل عمله وإنتاجيته.

 

صعوبة في استيعاب الاعداد الوافدة

 

وبالإنتقال إلى واقع القطاع الرسمي وقدرته الإستيعابية يقول محمد ك.( أحد الاداريين في احدى ثانويات العاصمة بيروت): “كان هناك اقبالٌ كبير لدينا هذا العام من المدارس الخاصة، بعد النتائج التي حققناها في السنوات الماضية، ونتيجة النظام الصارم الذي نعتمده، والأمر ذاته حققته ثانويات أخرى كثانوية شكيب ارسلان وثانوية رياض الصلح، وقد طلبنا من الوزارة فتحَ شعبٍ جديدة للصفوف، لكنها رفضت وعلقت بأن هناك مدارس في بيروت لا تشهد إقبالاً، طالبةً منا تحويل الطلاب الى بعض منها كونها قادرة على الاستيعاب، لكن الأهالي كانوا يرفضون هذا الطرح”؛ مستدركاً أنه ليس بالضرورة إذا حصل إقبال من المدارس الخاصة الى المدارس الرسمية أن يكون بشكلٍ متساوٍ عند كل المدارس الرسمية، فالموثوق بها هي التي ستشهد إكتظاظاً، والأرجح أنها هي من ستتلقى دعماً أكثر من الوزارة العام المقبل.

 

ويتابع محمد أنه مع الظروف الراهنة ومع واقع المدرسة الرسمية الحالي، من الصعب لها أن تستوعب هذا العدد الهائل المتوقع خلال السنة القادمة، فالتفاوت في الاقبال على المدارس الرسمية يعود الى مدى ثقة الأهل بثانوية دون غيرها، وذلك يعود الى حسن الإدارة وتنظيم السلوك وحسن العطاء في العمل، وهذا ما يحتم على مختلف الإدارات الاهتمام بمستوى المدرسة الأكاديمي والسلوكي لتستوعب التلاميذ الوافدين بأكبر عدد ممكن، وبشكل متساوٍ بين مختلف المدارس، وفق تعبيره.

 

 

جرعة دعم للقطاع التربوي لمواجهة تداعيات كورونا

 

 

ومن هنا يُطالب محمد الوزارة بأن تسمح بتشعيب الصفوف وزيادة أعدادها، وأن تزود الثانويات الرسمية بأساتذة من الملاك ومن المتعاقدين لتأمين المزيد من المواد، وأن تدفع المستحقات المالية المتراكمة للمدارس الرسمية، وأن تخصص المبالغ اللازمة للميزانية السنوية، وتُباشر بفتح المجال أمام التبرعات إن من خلال لجان الأهل او الجمعيات الأهلية المعنية، ما يعني تضافر الجهود لمواكبة التحديات الجديدة وتحقيق المستوى الراقي الذي تقدمه الثانوية الرسمية.

 

وفي خطوة تدعو الى التفاؤل، وتشكل بارقة أمل ولو أنها غير كافية، تبنى المجلس النيابي في جلسته التشريعية الأخيرة الطرح الذي تقدمت به رئيسة كتلة المستقبل النيابية النائبة بهية الحريري، بتخصيص التعليم بمبلغ 300 مليار ليرة لبنانية، ليتمكن من الخروج من ارتدادات أزمة ” كورونا ” ومواجهة تداعياتها المستمرة على هذا القطاع، بعد نيله تأييد معظم الكتل والنواب وإجماعهم على أهمية إنقاذ العام الدراسي والتعليم في لبنان.

 

القطاع التربوي الخاص مهدّد بأكمله

 

بدوره يؤكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود عدم توافر تقديراتٍ محددة حول عدد الطلاب الذين ستيوجهون الى المدارس الرسمية، “هناك عدد من المدارس الخاصة أعلنت نيتها الاغلاق في العام الدراسي المقبل وتتراوح أعداد الطلاب فيها بين 150 و 200 طالب، ومن يتحدث عن 20 ألف طالب سيتركون المدرسة الخاصة فهو يبالغ في التقديرات”، معتبراً أن القطاع التربوي الخاص مهدد بأكمله اليوم، مبدياً حرصه على المحافظة على المدارس الخاصة، شرط أن يكون الاداء جيداً وموضوعياً وواضحاً وشفافاً، لكن للأسف ليست كل المدارس الخاصة هكذا، نظراً لوجود مدارس “تجارية”.

 

ويشرح: “هناك تحد كبير أمام القطاع التربوي اليوم، الحلول بدأت تضيق أمام الجميع بسبب الازمة الصحية والمالية والاقتصادية، والاخيرة هي التي ضربت القطاع التربوي الخاص ولا أعلم إمكانيات الدولة في زيادة قدرة المدارس الرسمية على الإستيعاب، لكنها هي المسؤولة في النهاية عن تعليم هؤلاء الطلاب”، لافتاً إلى أنه في حال لم تكن قادرة على هذه الخطوة فعليها التدخل في دور رعائي بأن تتحول الى شريك مهم في القطاع التربوي الخاص، ما يطرح فكرة مساعدة هذا القطاع من الدولة: “أوَلم يكن الجزء الاكبر من الازمة التربوية نتيجة فيروس كورونا؟ ما الذي يمنع من تقديم المساعدات لهذا القطاع على غرار الدعم الذي طال عدة قطاعات ضمن خلية أزمة كورونا؟

 

وإذا كانت المدارس الخاصة تواجه تحديات لا تقوى على جبهها منفردة، فالأمر نفسه ينسحب على الجامعات الخاصة، ففي جامعة اللويزة على سبيل المثال، بلغت قيمة الأقساط غير المسددة نحو سبعة ملايين دولار بعد نزيف الإيرادات، أما الجامعة الأميركية ومستشفاها فقُدّرت خسائرهما بـ 30 مليون دولار هذا العام.

 

وبالنسبة للسنة المقبلة 2020-2021 فالتراجع في الإيرادات سيزيد بنحو 60 في المئة عما هو عليه في هذا العام. والجميع يسأل: ما هي حدود الإنهيار؟ وعلى أي مستوى سيتوقف؟