ليس قليلا ما جرى إعداده وتداوله والبحث فيه طوال سنوات من صيغ لمشروع قانون انتخاب. ولا مجال، وخصوصا بعدما ضاق الوقت ودهمتنا المهل الانتخابية المحددة دستوريا، لتجاهل الأسئلة الحائرة عن الوظيفة السياسية للوقت الذي يمرّ من دون اتفاق على قانون انتخاب، وعن القوى التي يخدمها توظيف الوقت. لكن الحصيلة حتى الآن هي تمارين في العبث. شيء من التصرّف كأن المهمة هي اعادة اختراع الدولاب. وشيء من الايحاء اننا في مهمة مستحيلة هي ابتكار منتج غامض في زي قانون لاجراء أول انتخابات في الكون، وفي الوقت نفسه تفصيل قانون شفاف يعطي النتائج سلفا. ولا فرق بالنسبة الى العجز عن صنع قانون، سواء كان العمل جديا في بعض المشاريع أو تضييع وقت في بعضها الآخر.
ذلك اننا نبدو كأننا نمارس خصخصة قانون الانتخاب ثم تخصيص المقاعد النيابية. فالحكومة هي بطبائع الأمور والمسؤوليات من يتولى إعداد مشروع القانون عبر لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة أو نائبه ويكون وزير الداخلية الأنشط فيها. وعلى طاولة مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية يتم وضع اللمسات الأخيرة على المشروع وتحويله الى المجلس النيابي. لكن هذا لم يحدث، مع ان اجراء الانتخابات النيابية هو المهمة الأولى لحكومة الرئيس سعد الحريري.
وما رأيناه هو تكليف مجموعة موسعة ثم مصغرة من النواب البحث في التوفيق بين عدد من المشاريع خلال جلسات طالت وانتهت الى لا شيء. ثم جاءت لجنة رباعية لا صفة رسمية لها، وان كان أعضاؤها يمثلون أربع قوى أساسية، فانتهت جلساتها باستمرار الخلاف على المشروع. وما يدور الجدل حوله حاليا هو المشروع الثالث الذي أعدّه وزير الخارجية بعدما تجاوزت اللعبة مشروعين سابقين له.
لكن المسألة في الجوهر عميقة وخطيرة. فالخائفون من الوصول الى الفراغ ومخاطر ما بعده على النظام والدولة، يقابلهم الخائفون من الذهاب الى انتخابات للقضاء على مستقبل لبنان. كيف؟ عبر نظام انتخابي يرسم جدرانا عالية بين الطوائف والمذاهب، بحجة ان الجدران العالية تضمن التمثيل الصحيح لكل طائفة ومذهب. وهذه حجة تضع حدّا نهائيا لإمكان أن تدار الحياة السياسية في لبنان بأحزاب عابرة للطوائف. فضلا عن انها تجعل من العيش المشترك خرافة. لا بل تفرض اختصار الطوائف والمذاهب بأحزاب، بحيث يصبح كل حزب هو حزب مذهب وحيد.
والكلام على التوافق ومعادلة لا أحد يلغي أحدا يصطدم بنوع من الإلغاء الضمني. فنحن نظريا في ديمقراطية توافقية، وعمليا في ديمقراطية تنازلية قوامها، كما يقول فرنسيس فوكوياما، رسم الصلاحيات السياسية وفق الاعتبارات الطائفية والمذهبية. لا بل اننا في ادنى درجات الديمقراطية التنازلية.