Site icon IMLebanon

«الرد الإستباقي» التركي

ة

قبل أعوام كان مُنظّر السياسة الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو يعلن نظرية «صفر مشاكل» مع دول الجوار والمنطقة، وهي نقطة انطلاق جديدة في سياسة تركيا الخارجية تتّسم بالخروج من المشاكل الإقليمية، والانتقال إلى تحسين علاقات تركيا مع دول العالم.

قبل أيام كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يُردد أنّ بلاده ستلجأ إلى استراتيجية جديدة لمواجهة المشاكل التي تعترضها، إذ ستنتقل فيما يخصّ مسألة الإرهاب من الدفاع إلى الهجوم على مواقع التنظيمات الإرهابية داخل تركيا وخارجها .

«اعتباراً من الآن، لن ننتظر المشاكل لتدقّ أبوابنا، ولن نصبر على المخاطر والتهديدات حتى تصل إلينا، إنّما سنسير في اتجاه المشاكل بأنفسنا، فمثلاً لدينا مشكلة الإرهاب، لن ننتظر التنظيمات الإرهابية لتهاجمنا، إنّما سنهاجم المناطق التي تختبئ فيها تلك التنظيمات، وسندمّر قواعدهم فوق رؤوسهم، وسنجتثّ جذور كافة الأطراف الداعمة لها» .

دمّر سلاح الجو التركي، 18 موقعاً لحزب الإتحاد الديمقراطي «ب ي د»، وجناحه المسلّح وحدات حماية الشعب «ي ب ج»، في ريف محافظة حلب الشمالي، ضمن إطار عملية درع الفرات التي أطلقتها أنقرة لتطهير المنطقة من التنظيمات الإرهابية كما تقول، وأسفرَت عن مقتل نحو 200 مقاتل كردي وإلحاق خسائر مادّية فادحة بالقوات الكردية.

تركيا التي كانت تردّد أنّها لن تتحرّك بمفردها عسكرياً في سوريا إلّا إذا ما تعرّض امنُها القومي للتهديد، وإنّها ستنسّق مع اللاعبين الاقليميين في خطط الحرب على الارهاب تتحدّث الآن، وعلى لسان رئيسها عن تحوّلٍ جذري في هذه الاستراتيجية للرد على المنظمات الإرهابية التي تهدّد البلاد في الداخل والخارج والتعامل مع هذه المجموعات حتى ولو بشكل منفرد أينما كانت للقضاء عليها، طالما إنّها تخطط لاستهداف أراضيها وأمنها.

كلام مشابه سمعناه في المنطقة وفي خارجها اكثر من مرّة وبعض القوى طبّقت هذه القاعدة تحت عنوان « الرد الاستباقي»، فما الذي دفعَ انقرة لتوسيع رقعة نظرية تصفير المشاكل مع الجيران ودمجِها بخطط اعلان الحرب على من يستهدف امنَها وسيادتها ويتآمر عليها داخل تركيا وخارجها ؟

الهجوم التركي المباغت بهذه القوة يتعلّق حتماً بالاستعدادات التركية بالتنسيق مع الجيش السوري الحرّ للتقدّم نحو منطقة الباب وطرد تنظيم داعش منها كما هو مخطط ومعلن في إطار مشروع درع الفرات، وتحرّك المنطقة الآمنة في شمال سوريا، لكنّه مرتبط أيضاً بخطوة التوجه لاحقاً نحو مدينة منبج غرب الفرات، التي لم تغادرها القوات الكردية تماماً، من دون ان ننسى طبعاً السجال القائم بين انقرة بغداد وتصلّب الاتراك بعدم سحبِ جنودهم من بعشيقه وقرار التدخّل العسكري المباشر عند الضرورة في الموصل وكركوك وتل عفر.

الهجمات التركية الاخيرة ضد مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي تعني ايضاً أنّ انقرة لن تسمح بعد الآن بلعِب ما تبقّى من نفوذ وقوة لتنظيم داعش ضدّها. بالامس القريب كانت تُتّهم بالتنسيق مع هذا التنظيم واليوم يراد منها ان تفسح في المجال امام الآخرين لتأخير معركة القضاء عليه، لأنّ مخطط نقلِه من الموصل الى الباب والرقة لم يكتمل، ولا بدّ من إيجاد مبرّر آخر يدعم فكرة إشراك الوحدات الكردية في المعارك المرتقبة مع داعش في سوريا، وهذا ما أعلن اردوغان رفضَه عندما طالبَ مِثل موسكو بالقضاء على تنظيم»داعش» حيثما هو، وعدم فتح منافذ الهروب امامه لنقلِ المشكلة من مكان الى آخر.

معارضة الولايات المتحدة الأميركية لخطة إقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، سببها كما قالت حماية وحدة الاراضي السورية، لكن الذي فعلته تركيا كان اكبرَ وأهمّ من ذلك، فهي قرّرت قطعَ الطريق على مشروع الكيان الكردي الفدرالي من خلال ضربِ مخطط ربط الكانتونات

الكردية ببعضها البعض، فمشروع من هو الذي سيتحقّق ؟

هل للتقارب والتنسيق التركي الروسي الأخير في حلب وشمال سوريا علاقة بذلك ام هناك مساومة اميركية روسية لا تعرف بها أنقرة ستَظهر الى العلن قريباً في موضوع التمدّد العسكري التركي في شمال سوريا ؟

تركيا تَعتبر أنّها حصلت على ضمانات قوية لإقامة هذه المنطقة، ومشاركة طيران «التحالف الدولي» في العملية العسكرية دليل على ذلك، ولكن السؤال المهم هو هل ستصل هذه القوات إلى منبج؟ وما هو موقف الولايات المتحدة من صدام مباشر اوسع قد يقع بين الاتراك والاكراد هناك ؟

انقرة وانطلاقاً من نظرية Proactive strategy تكون قد قرّرت توسيع رقعة الانطلاق والمواجهة والانتقال من الدفاع الى الهجوم ليس فقط داخل أراضيها، بل في دول الجوار السوري والعراقي تحديداً، وحيث تَعتبر أنّ امنَها القومي بات مهدّداً. فهل هو تحرّك ظرفيّ تفرضه الاجواء والتطورات الامنية والسياسية المحيطة بها، ام استراتيجية تحوّل بعيد المدى في التعامل مع مشاكلها الداخلية وحروبها على العديد من التنظيمات الارهابية التي تهدّد امنَها في الداخل والخارج ؟

«الردّ الاستباقي» التركي ليس ابتكاراً أو صناعة محلّية تركية. نظرية تطبّقها أميركا وإسرائيل وروسيا منذ سنوات لحماية مصالحها ونفوذها في الداخل والخارج، لكنّ الطرح التركي يتطابق مع ما يمكن أن نطلق عليه الرد على نظرية «الاختراق الاستباقي»، التي تمارس في المنطقة في إطار حروب الانتشار والهيمنة والتحكّم، والمعني الأوّل هنا قد يكون ايران وسلوكها الإقليمي بهذا الخصوص.

هل ستصل هذه القوات إلى منبج؟ وما هو موقف الولايات المتحدة من صِدام مباشر بين الأتراك والأكراد؟