IMLebanon

مشكلة الأوراق الضعيفة حتى في الخيار الوحيد

 

توسيع المأزق ليس وصفة مؤكدة لضمان الخروج منه. لكن هذا ما يبدو الفلسطينيون ومعهم العرب محكومين به. فهم في مشكلة تزداد تعقيدا: ضعف الرؤية الاستراتيجية وقوة التعنّت الاسرائيلي وحسابات القوى الكبرى قادتهم الى التسليم بخيار وحيد هو التفاوض على حلّ الدولتين وربط التسوية في المسارات العربية بالانسحاب الاسرائيلي الى حدود ٤ حزيران ١٩٦٧. وقرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل والذي هو مجرد نقلة في السياسة الأميركية على رقعة الشطرنج أحرج السلطة الفلسطينية وحشرها مع العرب في زاوية مشروع اسرائيلي بثوب أميركي. ولم يكن المخرج النظري بعدما أعلنت السلطة الفلسطينية عدم أهلية أميركا لدور الوسيط سوى ذهاب الرئيس محمود عباس الى مجلس الأمن والمطالبة بمؤتمر دولي وآلية متعددة الأطراف للمساعدة في التفاوض على التسوية.

 

ولا أحد يعرف أين تنتهي هذه الفكرة. لكن الكل يعرف انها عودة الى البدايات: من مؤتمر جنيف بعد حرب تشرين ١٩٧٣ الى مؤتمر مدريد بعد حرب عاصفة الصحراء. إذ كانا معا تحت الرعاية المشتركة لواشنطن وموسكو في اطار الأمم المتحدة، وفتح كل منهما الباب لمفاوضات ثنائية على كل المسارات انفردت أميركا بالدور فيها. لا بل إن الرهانات الفلسطينية والعربية على الدور الأميركي كانت هي المحرّك بالرغم من آلية الرباعية الدولية وكون قرارات مجلس الأمن مرجعية التفاوض.

والواقع ان الفلسطينيين والعرب جرّبوا كل أنواع الحروب مع اسرائيل قبل ان يتخلّوا رسميا عن الخيار العسكري، وجرّبوا بالطبع كل أشكال التفاوض: التفاوض عن كثب في رودوس باشراف الوسيط الدولي الكونت برنادوت في اتفاقات الهدنة. التفاوض غير المباشر بعد حرب حزيران عبر الوسيط الدولي غونار يارينغ. كامب ديفيد، وادي عربة. أوسلو بمفاوضات سرية بين اسرائيل ومنظمة التحرير كرّسها البيت الأبيض في النهاية. التفاوض في واشنطن على المسارات الثنائية بعد مؤتمر مدريد. اتفاقات فكّ الارتباط بعد حرب تشرين عبر الدكتور هنري كيسينجر وديبلوماسية المكوك. المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية المباشرة على أعلى المستويات أيام كلينتون وبوش وأوباما. المفاوضات السورية – الاسرائيلية المباشرة في أميركا على مستوى رؤساء الأركان. وسواها كثير علنا وسرّا.

ولا بأس في التصرّف كأن الخلل هو فقط في الرعاية الأميركية. لكن المشكلة الجوهرية هي العجز العربي. فلا في الخيار العسكري كانت عوامل القوة كافية. ولا في الخيار السياسي كانت أوراق القوة التفاوضية كافية. ومن الصعب ان يفعل مؤتمر دولي جديد، ما لم تفعله المؤتمرات السابقة، ما دمنا محكومين بخيار وحيد لا نملك الأوراق القوية فيه. والمشكلة تكرارا في اللعبة، لا في انفراد أو تعدّد اللاعبين، اذا بقي الاحتلال بلا كلفة.