في الطريق الى القمة العربية ٣
ما أوصل العرب الى الويل الذي هم فيه اليوم هو في الأساس غياب استراتيجية عربية موحّدة ذات أهداف ثابتة، مع ترك هامش واسع لكل دولة عربية في القضايا الأخرى على قاعدة الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية. ولا يزال العرب اليوم يتابعون المسار نفسه في خط انحداري، مما يعني أن الويل الأعظم آتٍ لا ريب فيه! ومع وجود الدول العظمى في عالم اليوم وما لها من قدرات هائلة ونفوذ على امتداد الكوكب، اتجهت الدول الأخرى الى البحث عن روابط لمجموعات في ما بينها على أساس وحدة المصالح والدفاع عن النفس في السياسة والاقتصاد والأمن والمجتمع، في مواجهة طغيان القوى الأعظم، سواء أكانت صديقة أم معادية. والعرب هم الأكثر تجانسا بين أمم الأرض الأخرى في الديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ واللغة والمصالح والمصير، ومع ذلك فقد فشلوا في تكوين كتلة متجانسة، لو توحّدت لغيّرت مجرى التاريخ. ولم ينجحوا أكثر من تشكيل اطار صوري هش قام غالبا على التكاذب بين مكوناته، وأطلقوا عليه تسمية جامعة الدول العربية التي تستمد قوتها من قوة الأنظمة، وضُعفها من ضعفهم!
عوامل كثيرة قادت الى انهيار الحالة العربية العامة، يتصدرها عاملان جوهريان. الأول هو التأثير المتعاظم للاستراتيجية الأميركية ببطانتها الصهيونية ليس فقط على مستوى القيادة في غالبية من الدول العربية، وانما أيضا في التغلغل المخابراتي المدروس والمخطط في معاهد الدراسات والأبحاث الأميركية صهيونية الهوى، وذلك في عمق المجتمعات العربية، واستغلال ثقافتها وتركيبتها الاجتماعية والنفسية وعقدها التاريخية، لتفجيرها من الداخل. وذلك كان يحدث بالتزامن مع وشوشات الدبلوماسية الأميركية في آذان القيادات العربية لزيادة الفرقة في ما بينها، بالتزامن مع استعمال سلاح الجزرة والعصا، أي وسائل الترغيب والترهيب! والعامل الثاني، نابع من طبيعة الأنظمة العربية، وقيامها على مبدأ حكم الحاكم الفرد، سواء أكانت أنظمة ملكية أو جمهورية، وغياب المشاركة الشعبية في الحكم ولو في حدّ أدنى من مظاهر الديموقراطية…
لم يخلُ التاريخ العربي المعاصر من قيادات عربية رؤيوية وتاريخية، مثل جمال عبدالناصر في مصر، والملك فيصل في السعودية، والشيخ زايد في الامارات، وجمع بينهم الحسّ القومي. واغتيل عبدالناصر معنويا بكسره عسكريا، واغتيل الملك فيصل جسديا، وحوصر نهج زايد في الخليج لمنع تمدّد نهجه الوحدوي عربيا. واستمر العرب ردحا من الزمن موحّدين في العمق لفترة وفي الظاهر فقط بعد ذلك، حول قضية فلسطين، وعدو واحد هو اسرائيل. وعمل الغرب الأميركي – الأوروبي على كسر هذه المعادلة المسماة قضية العرب الأولى، بأن عمل بمثابرة ودأب طوال عقود، على أن يخلق لكل دولة عربية قضية مصيرية خاصة بها، تشتت انتباهها عن القضية الأم. اضافة الى اغراقها بالفتن الداخلية والحروب بهدف استنزاف مواردها واضعافها، وتفتيتها اذا أمكن! ووصل العرب اليوم، عشيّة القمة المقبلة في الأردن، الى وضع ما لم يعد يعرفون فيه الصديق من العدو! وتم استبدال العداء لاسرائيل لدى بعض العرب بالعداء لايران، بعد اطلاق الوحش التكفيري لزلزلة الأرض العربية تحت اقدام حكامها وشعوبها على السواء! وللحديث صلة.