تخلت غالبية السياسيين في لبنان عن تحديد مواعيد مفترضة او مرتقبة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. وسقطت الاستحقاقات الخارجية التي ربطت بها هذه الانتخابات واحدة تلو الاخرى من انتخاب بشار الاسد او انتظار نتائج المفاوضات الغربية مع ايران، والتي كان يفترض ان تؤدي الى نتائج في 20 تموز المنصرم، او انتظار لقاء ايراني – سعودي ما. ويكاد يسقط في الاسابيع القليلة المقبلة الاستحقاق الداخلي المتمثل بالانتخابات النيابية وربط اجراء الانتخابات الرئاسية بها مع التمديد المرتقب لمجلس النواب على رغم همروجة المزايدات الرافضة للتمديد او المطالبة باجراء الانتخابات. وهناك استحقاقات جديدة يربط اللبنانيون انتخاب رئيس جديد للجمهورية بها على غرار اقتراب الموعد النهائي للتوصل الى اتفاق بين ايران والدول الخمس الكبرى زائد المانيا حول ملفها النووي في 24 تشرين الثاني المقبل والذي استؤنفت في شأنه المفاوضات في نيويورك قبل يومين. والواقع أن المواعيد قد سقطت في الواقع بعد انفتاح اولي ومبدئي في العلاقات الايرانية – السعودية لم يفض الى أي نتيجة، اقله بالنسبة الى لبنان. اذ تجمع كل الاوساط السياسية من مختلف الاتجاهات على ان لبنان ليس من ضمن اهتمامات الدول في ظل أولويات فرضت نفسها وغدت أكثر إلحاحا، لكن هذه الاوساط تسلم في الوقت نفسه بالعجز عن التقدم في موضوع انتخابات الرئاسة، ولا تملك أي فكرة عما يمكن ان يحفز عودة البحث في الانتخابات بعد سقوط المبادرة تلو الاخرى، وآخرها مبادرة قوى 14 آذار التي اطاحها اصرار العماد عون على أحقيته في الرئاسة، وتاليا عدم تراجعه حتى الآن على الاقل. الكل يدور في حلقة مفرغة. وتبعا لذلك فقد معظم السياسيون في لبنان بوصلة تحديد موعد تقريبي او محتمل لاجراء الانتخابات، على رغم آمال لا تزال تحدو البعض بان لا تتجاوز فترة الشغور في موقع الرئاسة الاولى تلك التي تلت مغادرة الرئيس اميل لحود في ولايته الممددة قصر بعبدا، وانتخاب الرئيس ميشال سليمان، أي ستة اشهر وثلاثة ايام، نظرا الى الاعتقاد ان ذلك سيزيد نسبة المخاوف التي اطلقها، ولا يزال، الشغور في موقع الرئاسة الاولى. اذ ان فترة العامين من الشغور بعد انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل وقبل انتخاب خلفه الراحل الرئيس رينه معوض، والتي شغلها العماد ميشال عون في رئاسة الحكومة العسكرية، كانت مختلفة. فالشغور في موقع الرئاسة الاولى، خصوصا متى طال أمده، يبدأ باثارة المخاوف الكبيرة. ومع ان هذا الشغور تنبأت به مصادر ديبلوماسية غربية مؤثرة، او توقعته قبل اشهر قليلة من انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان انطلاقا من انه لن يكون غريبا في موقع رئاسة الجمهورية، بما يثير الهلع مثلا كما لو انه يحدث للمرة الاولى، ويعني ان انعكاساته يمكن ان تكون تحت السيطرة، فان غياب اي افق محتمل لانتهائه على وقع استحقاقات وهمية او واقعية بدأ يغدو مقلقا بالنسبة الى كثر.
فبالاستناد الى ما يتفق عليه الجميع مثلا من اخطار كبيرة تحدق بلبنان على وقع التطورات في المنطقة وغموض اتجاهاتها ونتائجها، يبرز في شكل خاص موقف الرئيس سعد الحريري وكتلة “المستقبل” ان لا استحقاق نيابيا يسبق الانتخابات الرئاسية، ولو أدى ذلك الى التمديد لمجلس النواب. وهناك موقف مماثل للنائب وليد جنبلاط وكذلك للرئيس نبيه بري. اما التركيز بالنسبة الى بعض المراقبين على موقف الحريري وكتلته، فسببه انه يعكس اصرارا على طمأنة الشريك المسيحي الى ان اي تطورات في المنطقة لن تساهم في تغيير الاولويات او ما قد يفهم منه التأثير في التوازنات المحلية. وهو موقف يدأب على تكراره بالاصرار على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين. وفي حين يظهر الافرقاء المسيحيون اكثر اطمئنانا الى ان صراعهم على موقع الرئاسة يجري كما لو ان كل شيء طبيعي وبديهي عند هذا الحد، فان مواقف شركائهم من الطوائف الاخرى تشكل ضماناً الى حد كبير، بحيث تساهم في شكل خاص في حماية التركيبة السياسية اللبنانية وعزلها ما امكن عن تداعيات التطورات المتلاحقة في المنطقة. لكن في نهاية الامر ثمة من يسأل، على رغم ان موقع الرئاسة لجميع اللبنانيين، لماذا على الطوائف الاخرى ان تأبه اكثر مما يأبه له الافرقاء المسيحيون؟
فالتمديد لمجلس النواب يحظى بموافقة معلنة او صامتة من الجميع بدليل عدم الاعتراض مثلا بالحد الذي يمكن ان يعرقله، او الى درجة الاستقالة، وتالياً فإن فرض اجراء الانتخابات على رغم صعوبة اجرائها واقعيا، يثير اشكالية كبيرة قانونية ودستورية تتصل بقدرة النواب ورغبتهم في التمديد لأنفسهم بمن فيهم هؤلاء المعترضون ظاهريا على التمديد، في حين انهم لا يملكون القدرة او الرغبة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية يفقد شغور موقعه المسيحيين أبرز مقومات قوتهم في السلطة، وذلك على رغم مسؤولية بعض الافرقاء المسيحيين في عرقلة الانتخابات في شقها الداخلي على الاقل، او تشكيلهم واجهة للعرقلة الخارجية. وهذه خسارة معنوية ومادية كبيرة للمسيحيين. كما انه ليس واضحا او ثابتا او نهائيا ان ضمانات غالبية الافرقاء الداخليين بعدم العبث بالتركيبة الداخلية لن تطيحها خرائط جديدة طائفية او مذهبية او إتنية قد ترتسم في المنطقة على وقع ما يشبه الزلزال الذي يضربها. وهذه هي المخاطرة الكبيرة التي يعتقد ان الافرقاء المسيحيين المعنيين ولا سيما من يعرقل منهم الانتخابات لا يولونها الاهمية التي تستحق.