IMLebanon

إشكالية الحلول لأزمة النازحين

 

ما هو مصير الطروح اللبنانية لإيجاد حلّ للسوريين الموجودين قسراً على الأراضي اللبنانية، وما مصير فكرة إقامة مخيمات تجريبية لإيوائهم، فهل سحبت من التداول أم لا تزال قائمة في النقاش السياسي؟

تفيد مصادر وزارية معنية بارزة انّ الدولة اللبنانية في أزمة حقيقية في التعامل مع النزوح السوري، إذ لا توجد وحدة حقيقية في الموقف، ولا يوجد وضع سوري مؤهل لإعادة النازحين إلى سوريا.

وتلفت إلى أنّ كل الحلول المطروحة لقضية النازحين السوريين ليست مثالية، سواء أكان إبقاؤهم منتشرين عشوائياً، مثلما هي الحال اليوم، أم وضعهم في تجمّعات سكنية مثلما فكرت الدولة في مرحلة ما. الحلان يحملان بذور ولادة بؤر أمنية، إمّا متفرقة من خلال الانتشار العشوائي، وإمّا بالجملة من خلال التجمعات السكنية. الحل النهائي والطبيعي للنازحين هو عودتهم إلى بلادهم. والعودة لا تعني أنّ اللبنانيين، إن على صعيد الحكومة أو الشعب، يريدون رميهم تحت القصف بين النظام والقوى المعارضة. لبنان لم يتخل عن الشعور الإنساني، ولا عن شعور الأخوّة، ولا عن الواجب القومي تجاه كل شعب مضطهد وخصوصاً الشعب السوري المتاخم له. لكن الإسراف في الشعور الإنساني الذي يؤدي إلى توريط لبنان يمثل خطورة على لبنان. إذ ان الأمر لم يعد من تداعيات الحرب السورية على لبنان، بل من تداعيات النزوح الذي باتت انعكاساته مستقلة عن تداعيات الحرب السورية تحديداً. إنّ الأمر بات فعلاً وليس رد فعل. والنازحون باتوا في حد ذاتهم عبئاً يولد تداعيات. لكن اليوم ما دام الوضع السوري اصبح شبه مفروز بين مناطق، منها ما يسيطر عليها النظام كلياً، وأخرى تسيطر عليها قوى المعارضة بشكل كلي، ومناطق رمادية تقسم بين سيطرة للنظام والمعارضة، ما دام الوضع كذلك ثمة اقتراح لأحد الحلين وهما:

أولاً: إمّا إعادة النازحين الذين يمكنهم العودة إلى مناطق آمنة لدى النظام أو لدى المعارضة حسب الانتماء. وليس في مقدور النازح السوري أن يرفض بحجّة أنه يريد العودة إلى قريته الأساسية، لأنه في لبنان لا يعيش في قريته الأساسية.

ثانياً: إقامة مخيمات لهم داخل الاراضي السورية على الحدود مع لبنان. حين طرح هذا التدبير كان الجواب ان اقامة مثل هذه المخيمات تحتاج الى حماية دولية والى منطقة حظر جوي. في البداية كانت الأجوبة مقنعة حول استحالة إقامة مثل هذه المخيمات، أما اليوم وبعد نشوء التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وبعدما أصبح الطيران العربي والدولي يحلق ويشن غارات، فمن الحري به أن ينشئ منطقة آمنة، ويحظّر على النظام والمعارضة المسّ بها، وان يسعى إلى إقامة المخيمات داخل مناطق المعارضة السورية.

وفي الأساس ان جزءاً من عملية مكافحة الإرهاب يبدأ بعودة النازحين، وبأن لا يبقى الإرهاب يعبث بمساحة سوريا، وهذا الأمر يجب أن يعرضه لبنان على الامم المتحدة وعلى مجلس الأمن الدولي. لبنان الذي يتحمّل عبء هؤلاء أمنياً واجتماعياً واقتصادياً، وهذا ما يشير إليه وزير العمل سجعان قزي.

لكن ان يستمر وضع النازحين السوريين في لبنان كما هو عليه، فهذا يعتبر بمثابة إسقاط للكيان اللبناني. الجميع يتحدث عن تأثير النزوح السوري على الوضع الاقتصادي والمالي، لكن قليلين مَن يتحدثون عن تأثير ذلك على الكيان اللبناني. فالنزوح بشكله الأمني والنوعي والعددي، أسقط الحدود اللبنانية السورية، وضرب النسيج الاجتماعي، وغيّر في الديموغرافيا وبالتالي أصبح يشكل تهديداً للكيان اللبناني وللوحدة اللبنانية.

إذ ان النازحين ليسوا مجرد أفراد، بل هناك شعب سوري نازح إلى لبنان، وليس مجرد نازحين سوريين أفراداً يأتون إلى لبنان. وتحول هذا النزوح إلى مشكلة، كما كانت قوات الردع السورية التي انتشرت في لبنان العام 1976، والتي تحولت من قوات ردع الى قوات وصاية فاحتلال.

واليوم هناك خشية لدى البعض من ان يتحول النزوح الى هجرة فاحتلال للبنان. وهذا ما لا يستطيع اللبنانيون تحمله سواء أكانوا مسيحيين أم مسلمين، ولا بد من وقفة وطنية جامعة حيال الموضوع.

الحكومة اتخذت القرارات الصحيحة لكن لم يعقبها تنفيذ. فالحكومة تنجح في اتخاذ قرارات وتفشل في وضع آلية تنفيذية لها، لأنّ مجلس الوزراء موحّد وكذلك موقف الوزراء موحّد حيال القرارات، لكن بعض مرجعيات الوزراء يمنع تنفيذ القرارات لاسباب طائفية، وهذا ما تم من خلال ازمة طرابلس، وعرسال، وكاد ان يحصل سابقاً في البارد، لو لم تحزم القوى السياسية أمرها بتأييد الجيش، على حد قول المصادر الوزارية.

حتى موضوع إنشاء مخيمات اختبارية تجريبية في منطقة وادي خالد العبدة، وعلى الحدود في البقاع، اصطدم بواقعين، الأول: ان «حزب الله» من جهة مع النظام السوري والمعارضة السورية رفضوا الأمر معتبرين ان المنطقة منطقة قتال وجبهة مفتوحة، ويعتبرون ان إنشاء المخيمات سيعرض ساكنيها لخطر القصف. والثاني، انه من بعد تجربة معركة عرسال الاولى، ظهر ان التجمعات السكنية السورية كانت مستودعات للسلاح، ومنها خرج المسلحون، لذلك بات لدى لبنان تخوف من ان يؤدي إنشاء مخيمات الى إنشاء معسكرات وتسهيل نمو الإرهاب والتسلح، فجمدت الدولة المشروع ريثما يتم إيجاد تدبير أو إجراء آخر.