IMLebanon

وقائع مذهلة رافقت الفصول الأخيرة من حرب لبنان وأحداثه

وقائع مذهلة رافقت الفصول الأخيرة من حرب لبنان وأحداثه 

أعجوبة ثلاثية تنعش الجمهورية اللبنانية 

والحوار يستمر حول الطبخة الرئاسية والصراعات 

وقف الكاردينال بشارة الراعي، مشدوهاً في الصرح البطريركي الماروني، وهو يصغي من بعيد الى تصريح رئيس وفد حزب الله، وهو يؤكد للصحافيين، أن حزب الله يتمسك بترشيح الرئيس العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، ولن يطلب منه الخروج من السباق الرئاسي. 

وهكذا، أقبل العام الجديد، وليس في لبنان رئيس للجمهورية، للعام الثاني على التوالي، في حين أن بعض أركان ١٤ آذار يتوقعون عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت، ليعلن رسمياً ترشيح النائب سليمان فرنجيه للرئاسة الأولى، بعد اعلانه جدياً ترشيحه، عقب اجتماعهما الشهير في باريس الشهر الماضي. 

هل تبقى البلاد من دون رئيس للجمهورية قرابة ١٩ شهراً أم تحدث أعجوبة ثلاثية في منتصف العام الجديد، تعلن الاتفاق على رئيس حيادي، قد يكون الوزير السابق جان عبيد، أو تنطوي على مبادرة تصدر عن رئيس حزبالقوات اللبنانية سمير جعجع بترشيح العماد ميشال عون، أم يتفق العماد عون والنائب سليمان فرنجيه على توافق تاريخي يكون أحدهما رئيساً للبنان؟ 

كان الدكتور جعجع يستعد لمغادرة معراب، عندما اتصل به أكثر مستشاريه عراقة وخبرة، وسأله عن صحة الاشاعات التي تتحدث عن ترشيحه للعماد عون، فردَّ بسؤال عما يجب أن يفعل اذا كان الذين رشحوه للرئاسة، أقدموا على ترشيح النائب سليمان فرنجيه، والمقصود في سؤال الحكيم صديقه الأوفى سعد الحريري. 

وسأل جعجع صاحب الاتصال: أنت مَن تفضل للرئاسة الأولى العماد عون أم سليمان فرنجيه؟ فردَّ عليه بأن الجواب على سؤاله صعب، ولا يتحمل الاجتهاد والتأويل. 

في مكان آخر، وقف سياسي كان آتياً الى معراب ليهمس في آذان أصدقائه بأن الانتخابات الرئاسية أضحت أشبه بما تكون فصلاً من مسرحية لو سيد للكاتب الفرنسي كورناي. العماد عون تمسك بترشيحه، ولا يتنازل لأحد عن موقعه. ورئيس تيار المردة سليمان فرنجيه زار الرئيس سعد الحريري، وعاد الى لبنان، ومنه صعد من بنشعي الى الرابية، وخرج من عند الجنرال مصدوماً. وهو نسف زيارته لباريس، بعد العودة من الاجتماع مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. وبكركي خائفة على مصير الرئاسة، وتتعاطف مع مبادرة الرئيس سعد الحريري بترشيح الوزير فرنجيه للرئاسة، لكنها لا تريد أن تزج بنفسها في أتون دقيق أعلنت خلاله أن الأربعة الكبار: الرئيس أمين الجميل، الرئيس العماد عون، الوزير السابق النائب سليمان فرنجيه، ورئيس حزب القوات سمير جعجع، هم المرشحون الأربعة الكبار. 

ماذا يحدث الآن؟ 

ثمة ثلاثة احتمالات متعارضة ومتباينة: 

أولاً: التمسك بالجنرال عون مرشحاً، ومؤيداً من حزب الله وسط حيرة غامضة لموقف حركة أمل برئاسة الرئيس نبيه بري. فهو لا يستسيغ ترشيح عون، كما لا يستسيغ مناهضته، وان ترشيح سعد الحريري للنائب سليمان فرنجيه حظي بتأييد منه ومن حليفه النائب وليد جنبلاط. والثنائية في المواقف والتأييد تسري على رئيس اللقاء الديمقراطي الذي رشح ولا يزال النائب في كتلته النيابية هنري حلو. 

ثانياً: حصول لقاءات بين الوزير بطرس حرب والنائب سليمان فرنجيه، تردد أنها تمت في أجواء هادئة، خصوصاً وأن الوزير حرب خاض الانتخابات النيابية للمرة الأولى في دائرة البترون، حليفاً للشهيد طوني فرنجيه والد المرشح سليمان فرنجيه. 

ثالثاً: اعلان أقطاب في حزب الكتائب، وفي مقدمتهم الرئيس الشيخ أمين الجميل ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل، ترحيبهم بالاتفاق على ترشيح ١٤ آذار للنائب فرنجيه من دون نسيان الروابط العائلية بين بكفيا وزغرتا، خصوصاً بعد زواج الوزير الشهيد بيار أمين الجميل سيدة من بلدة زغرتا. 

إلا أن هذه العوامل، تطرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل المعركة المقبلة. 

هل الطبخة الرئاسية لا أصابع أميركية فيها؟ 

والجواب مفاده أن السفير الأميركي السابق لدى لبنان، هو من الذين شجعوا الرئيس سعد الحريري، بوصفه رئيس أكبر كتلة نيابية، على تبني فكرة ترشيح النائب فرنجيه، أولاً بوصفه من ٨ آذار، ووجود رئيس للبلاد مع رئيس حكومة من ١٤ آذار، هو الباب الى توافق سياسي بين أكبر حِلفيْن نيابيين. 

إلا أن بعض المعترضين على هذه الطبخة يعتبرونها مناوئة لاتفاق الطائف، وتنطوي على دكتاتورية سياسية. 

صحيح أن أفرقاء النزاع تنصلوا من هذه الطبخة، الا أنهم يشجعون على الانطلاق بها، بعد عطلة الأعياد، لأن صفقة ترشيح النائب فرنجيه لم تنشأ من فراغ، وان قوى أساسية تعارضها، كما انها تحظى بقوى أخرى مؤيدة لها، وتعمل على ترجيح كفة التوازن. 

كما ان توضيح موقف بكركي منها لم يكتمل بعد، وإن كان للكاردينال الراعي دور أساسي في اطلاقها سياسياً وروحياً. 

طبعاً، ثمة مَن يدعو الى لبننة الاستحقاق الرئاسي، ولكن العوامل الاقليمية لم تكن غائبة عن هذه الصفقة، وتردد أن المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران، شارك كل منهما في التشجيع عليها. 

ويقول نافذون إن زيارة الرئيس التركي رجب الطيب اردوغان للسعودية واجتماعه مع العاهل السعودي ومبادرة الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الى حل الأزمة في اليمن مع الرئيس اليمني عبد ربه، مؤشر لا يستهان به، للوصول الى حل في المنطقة، يمهد لحل شامل على الساحة اللبنانية. 

وقيام حلف اقليمي يردم الهوّة بين تركيا والسعودية، ويعزز ارادة التلاقي بين المحاور السياسية التي تشمل ايران والسعودية وتركيا وقطر، هو الوسيلة الفضلى للقضاء على داعش خصوصاً بعد انحسار نفوذه العسكري في العراق، وامتداد ذهنية التعقل الى معظم الأقطار العربية. 

ويقول خبير استراتيجي إن تعاطف جمهوية مصر العربية، من شأنه أن يدعم حلف الاعتدال في وجه دعاة التطرف، والذبح والقتل. 

والولايات المتحدة تراهن الآن على دعم دولي للبنان في هذه الحقبة، وفق ما هو معروف عن الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يحرص في العامين الأخيرين من ولايته الثانية في البيت الأبيض، على ضرب التطرف العسكري الديني، بالتعاون مع الرئيس الفرنسي هولاند، الذي وجّه اليه المتطرفون ضربة قاسية، لا تقل عن الضربة القوية لبن لادن، لكل من واشنطن ونيويورك، وسقوط مئات القتلى الأميركيين. 

في العام ١٩٨٢، كان الأميركيون يتخوفون من المد الشيوعي في جنوب شرق آسيا وباكستان وأفغانستان. 

والأميركان استقبلوا في مطلع الستينات الكاردينال المعوشي بصورة ملتبسة، لأن الولايات المتحدة دولة علمانية وليس من عاداتها استقبال زعماء الطوائف المسيحية أو الاسلامية. إلا أن الرئيس الأميركي جون كينيدي استقبل الكاردينال المعوشي، على هامش استقباله للسفير اللبناني الجديد في الولايات المتحدة. 

وفي العام ١٩٨٢، استقبل الرئيس الأميركي رونالد ريغان في البيت الأبيض، البطريرك مارأنطونيوس بطرس خريش يرافقه كاردينال بوسطن ترنس كوك. في الزيارة الأولى دس الكاردينال المعوشي ورقة صغيرة، في خلال تقديم القهوة له، يطلب فيها عدم التمديد للرئيس فؤاد شهاب، في رئاسة الجمهورية اللبنانية. وفي العام ١٩٨٢ كان عنوان المناقشات الأميركية – اللبنانية المعاناة التي يتعرض لها لبنان من اليسار ومن ورائه الشيوعية. 

كان الرئيس ريغان مشهوداً له تعاطفه مع لبنان. وعندما اجتاحته اسرائيل، كان الرئيس ريغان قد عين السيد ألكسندر هيغ وزيراً لخارجية أميركا، واختار هذا الأخير الدبلوماسي والتر ستوسيل نائباً له، وكان سفيراً لأميركا في موسكو، عندما كان الديبلوماسي اللبناني أنطوان جبر سفيراً للجمهورية اللبنانية، وشقيق المحامي الراحل جورج جبر ووالد المحامي الشاب جورج جبر في بيروت الآن. 

وخلال وجود ألكسندر هيغ في البنتاغون طلب ريغان من وزراء الخارجية العرب الخروج من لبنان مع القوات الاسرائيلية، ونشر المتمولون اللبنانيون اعلاناً في صحيفتي الواشنطن بوست والنيويورك تايمس يحمل تواقيع المقيمين في الولايات المتحدة عن العدوان الاسرائيلي. وعقد لقاء في واشنطن، عرضت خلاله عريضة موقعة من عشرة شيوخ تدعو الى مساعدة لبنان سياسياً واقتصادياً، ووقف السناتور ادوارد كينيدي وهو شقيق الرئيس جون كينيدي، وطالب بدعم لبنان. 

في ١٤ أيلول ١٩٨٢، اغتيل رئيس الجمهورية اللبنانية الشيخ بشير الجميل، وانتخب شقيقه الشيخ أمين الجميل مكانه، وقام بزيارته الأولى الى واشنطن في تشرين الأول ١٩٨٢. 

بعد ذلك قرر الرئيس ريغان ايفاد السفير فيليب حبيب اللبناني الأصل، ممثلاً شخصياً له. وخلال فترة وجيزة أوفد الرئيس أمين الجميل، موفداً شخصياً له، ومعه وزير الخارجية ايلي سالم، وجرى تكريمهما من قبل وزير خارجية أميركا الجديد جورج شولتز ووزير الدفاع كاسبار واينبرغر. 

في ٢٠ تموز ١٩٨٣، قام الرئيس الجميل بزيارة ثانية الى واشنطن، لطلب مساعدات وذخائر أميركية. 

إلا أنه بعد هذا الازدهار في العلاقات اللبنانية – الأميركية، بدأ يظهر نوع من الفتور في علائق البلدين. 

ونشأت جبهة الخلاص الوطني المعارضة وكان من أبرز وجوهها الرئيس سليمان فرنجيه والوزير نبيه بري والوزير وليد جنبلاط. 

بعد ذلك تطورت الأمور، فاقترح الرئيس الجميل عقد لقاء في البترون بينه وبين الرئيس فرنجيه الذي اقترح منزل المرحوم يوسف ضو مكاناً للاجتماع. 

وانضم الى الاجتماع أيضاً الرئيس الشهيد رشيد كرامي. 

وفي الحقيقة، كان اللبنانيون كلما اقتربوا من الاتفاق فيما بينهم، كانت أيدٍ من الخارج تمتد للتفريق فيما بينهم. 

وهذا ما أدى الى حروب تهجير. 

وكان الفصل الأخير سقوط الدولة اللبنانية، في الشطر الغربي من بيروت في ٦ شباط ١٩٨٣. 

يومئذٍ وصل وزير الاعلام روجيه شيخاني ترافقه زوجته الى وزارته، وبعد اتصالات مع الوزير نبيه بري، انتقل الموظفون من وزارة الاعلام، الى منزل العميد ريمون اده، حيث رعاهم لمدة ٤٨ ساعة قيصر القصر المحاذي لوزارة الاعلام، ثم جرت مغادرتهم الى الشرقية في رعاية الوزير بري، قبل أن يصبح رئيساً لمجلس النواب. 

في غضون ذلك، توجه قادة المعارضة الى دمشق، للتداول في ما يجري في العاصمة اللبنانية. 

اتفقت المعارضة على أن تجتمع في دمشق مع الرئيس حافظ الاسد ونائبه السيد عبد الحليم خدام، ولدى التداول بما يجري على الساحة اللبنانية، تعرّض الرئيس الجميل لانتقادات شديدة، فتدخل الرئيس فرنجيه مدافعاً عن رمزية موقعه ومحاولاً ترطيب الأجواء والتخفيف من حدة التشنجات، وسانده الرئيس حافظ الاسد فتحسّن الجو. بعد ذلك تعرّض الرئيس الجميل للانتقادات مجدداً فعاد الرئيس فرنجيه الى التدخل مدافعاً عنه، وسانده أيضاً الرئيس الأسد.