Site icon IMLebanon

وقائع الاتصالات وحوارات على هامش اتفاق الوفاق الوطني

وقائع الاتصالات وحوارات على هامش اتفاق الوفاق الوطني

الملك فهد حصل على وثيقة خطية من الاسد

تؤكد الانسحاب السوري الى ضهر البيدر والبقاع

في الحقبة الاخيرة من العام ١٩٨٩، اي على ابواب توجه السادة النواب الى الطائف، والتوقيع على الاتفاق الذي اصبح وثيقة الوفاق الوطني اللبناني حصلت تطورات على جانب كبير من الاهمية بين الكاردينال مار نصرالله صفير والرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي حصل على وثيقة من الرئيس السوري حافظ الاسد، للانسحاب السوري من لبنان.

ويبدو ان وقائع الاتفاق مسجلة خطيا، وان البطريرك صفير يرويها بدقة مفادها ان الرئيس الحريري حضر الى روما من باريس وانتقل من ثم الى بون عاصمة المانيا الغربية في ذلك الوقت.

ويقول البطريرك صفير ان الرئيس الحريري اتصل به هاتفيا من العاصمة الفرنسية، ليقول انه آتٍ لزيارته. وبالفعل حضر الرئيس الحريري الى باريس، ووضعنا في اجواء المبادئ الاصلاحية، وتلا منها الفقرة المتعلقة بالانسحاب السوري من لبنان.

ويقول البطريرك صفير ان الرئيس الحريري اكد له ان الملك فهد حصل على وثيقة خطية يعترف بها الاسد انه سيخرج جيشه من لبنان ليبقى في البقاع وقمم ضهر البيدر. ويضيف: لقد استحثنا على العودة الى لبنان لتسهيل مهمة اللجنة، ولاقناع العماد عون بالامتناع عن عرقلة الانتخاب. وهو يودع قال ان الاتجاه يسير نحو اختيار رينه معوض، او الياس الهراوي، او ميشال خوري لرئاسة الجمهورية.

واورد ان الاصلاح يتم بسرعة، وان التفاصيل ترجأ لما بعد، وانه يكفي ان تقر المبادئ وينتخب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ويعود المجلس الى العمل، ليطلب الى السوريين الخروج من لبنان. وقال ان الناس اصبحوا يقولون انّا خرجنا من لبنان لكيلا نتحمل مسؤولية الاصلاحات وما يتبعها.

في ٢٢ تشرين الاول ١٩٨٩، يقول البطريرك صفير في مذكراته انه استقبل الامير سعود الفيصل، بناء على طلب حكومته، ليقول له انه طلب من سفيري فرنسا وانكلترا والقائم بالاعمال السعودي، تشجيع النواب اللبنانيين، على الموافقة على الوثيقة المعروضة عليهم في مدينة الطائف.

وفي المعلومات ان النواب وافقوا على الوثيقة، الا ان العميد ريمون اده لا يزال على موقفه، وهو يرفض الوثيقة، لأنها في زعمه – كما يقول البطريرك – تضعنا تحت الاحتلال السوري بصورة نهائية.

ويتابع صفير: سألت عندئذ، اين هو الحل، واللبنانيون يهاجرون؟ وأجاب: الموجودون تحت الاحتلال السوري باقون، والآخرون هاجروا، وهذا معناه ان لا حل في زعمه. ويتابع الكاردينال روايته:

اتصل بنا الاخضر الابراهيمي من مكتب الدكتور سليم الحص، وقال الابراهيمي: جئت بالامس الى بيروت وقابلت العماد عون والدكتور سليم الحص، ونقلت اليهما نتيجة ما وصلت اليه المساعي في الطائف. ولما سألناه عن نتيجة الاتصال بالعماد والرئيس الحص قال:

موقف الحص معروف وهو موافق، واما العماد عون فقال: لا موافقة قبل خروج السوريين. ويضيف الاخضر الابراهيمي قائلا: قلنا له نحن منذ البداية لم نأتِ لاخراج السوريين والاسرائيليين، بل لتمكين اللبنانيين من العودة الى مناخ طبيعي، وهناك اجماع عربي ودولي من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وفرنسا وكل الدول في مجلس الامن على الحل. واضاف: نحن نريد اجراء مصالحة عامة. نرغب ألا تبقوا خارجها. وبعد خروجنا من عنده، عقد مؤتمرا صحافيا اعلن رفضه فيه لاتفاقيات الطائف. وطلب دعمنا لهذه الاتفاقيات، فقلنا له: نحن سنساهم على قدر طاقتنا في ذلك. وقال لن نذهب هذه المرة الى بكركي، وسنلتقي لاحقا. واضاف: قبل ان نغادر بيروت سنتصل بالعماد مرة ثانية، وسنحضر اللقاء الذي سيعقده الملك فهد لاعلان الاتفاق.

بعد ذلك تبلغ البطريرك صفير انه تم انجاز وثيقة الطائف، وسط معلومات مفادها ان تظاهرة من ثلاثماية الف مشت الى بعبدا، وقال العماد عون ان الشعب قال كلمته، وسيمنع النواب من العودة الى البلاد من الطائف.

ويقول البطريرك صفير انه تلقى اتصالا من الدكتور جورج سعاده الموجود في الطائف يبلغنا فيه انه يفكر مع احد النواب بالمجيء الى روما، لاطلاعنا على الاتفاق، وسط معلومات من بيروت تقول بأنه وجهت دعوة الى الاضراب، والى احراق دواليب المطاط.

واستطرد البطريرك: لقد اتصل بنا المطران رولان ابو جوده، واخبرنا ان العماد عون دعا رؤساء الطوائف للتشاور، وسألنا رأينا في تلبية الدعوة، فأجبناه: لا بأس في تلبيتها، واننا نحن مع وحدة الصف وضد الانقسام.

ويوم الاربعاء الواقع فيه الخامس والعشرون من الشهر العاشر ١٩٨٩ زار رئيس اللجنة الخارجية في البرلمان الايطالي السيد ريكولي البطريرك صفير وجرى عرض للوضع في لبنان.

واردف: لقد حدثنا عن الوضع في لبنان، وقال ان موقف العماد عون يدعو الى القلق. وتساءل ما العمل؟ وقلنا له سنحاول ان نبقى صلة وصل بين العماد والنواب، فأثنى على الموقف، وطلبنا منه العمل على حمل مجلس الامن ضمان استقلال لبنان وسيادته فوافق وقال انه سيصدر تصريحا يطالب فيه المجموعة الدولية بذلك، وسيطلع رئيس الحكومة السيد اندريوتي على هذا التصريح.

وقلنا للسيد ريكولي إنّا سنقابل وزير خارجية ايطاليا السيد دي ميتاليش، فحبذ ذلك وقال: ان الزيارة ستكون مفيدة. ويتابع: والسيد ريكولي شيخ وقور، بالغ التهذيب، شديد الايمان بالله، كثير الاعجاب بمواقف البابا يوحنا بولس الثاني الذي تمكن بزياراته المتواصلة الى بولونيا، من تبديل الذهنية فيها وبالتالي في بلدان شرقي اوروبا، فكانت هذه النزعة اي التحرر من نير الديكتاتورية الشيوعية التي تشهدها المانيا الشرقية وبولونيا وهنغاريا واوكرانيا وليتوانيا، واضاف ريكولي يقول:

متى سقط الزعماء، انتفى الخوف لدى الشعب، وفي اوكرانيا اليوم طلّق الشعب الخوف، ويطالب بحقه بالحرية.

وبعد ذلك تمت زيارة الكاردينال صفير لوزير خارجية ايطاليا على النحو الآتي:

تمت المقابلة في مبنى الوزارة بعيدا عن وسط روما، وهو مبنى من عهد موسوليني، كان قد شيده ليكون مقرا للحزب الفاشي، ثم تحول الى مقر وزارة الخارجية وهو بناء ضخم من الرخام الابيض.

استقبلنا احد الموظفين عند مدخل الوزارة وكان يرافقنا المطران اميل عيد. وقادنا الى غرفة انتظرنا مقدار خمس دقائق فيها، ثم اطل علينا الوزير وهو ضخم الجثة، له شعر يتدلى في رقبته ويكسوها. سلّم علينا والتقطت لنا صورة ونحن نتصافح ثم ما لبث ان جلس والتفت الينا.

فاستأذنا للتحدث بالفرنسية فوافق وبدأنا الحديث. شكرناه لاستقباله إيانا، وشكرنا له الكتاب الذي وجهه الينا بعد صيرورته وزيرا للخارجية، كما شكرنا له تأييده القضية اللبنانية لدى زيارته الجزائر. وأوجزنا له القضية اللبنانية وسيادة لبنان المنتقصة، وطلبنا اليه ان يساهم على صعيد المجموعة الأوروبية والمجموعة الدولية في الحصول من هاتين المجموعتين على ضمان استقلال وسيادة لبنان من كل اعتداء، فوعدنا بالعمل في هذا السبيل، وأكد لنا أن لايطاليا مصالح في الشرق وفي لبنان وان القضية اللبنانية تعنيه.

وشكر له المطران عيد مساعدته للطلاب اللبنانيين الذين يعطون منحاً دراسية

وقال صفير: عرضنا الحالة في لبنان، وما حصل في الطائف من اتفاق وموقف العماد عون السلبي منه. وأقر سودانو ان للعماد فضلاً وقداسة الحبر الأعظم يقدره ويقدر وطنيته وتطلعاته ولا يجوز ان يعاقب أو يهمل، بل يجب ان يعطى دوراً في المرحلة الجديدة. وقال سودانو ان الكرسي الرسولي يبقى في المبادئ، ولا يريد ان يكون مع فئة ضد الأخرى، ولذلك لم يستقبل أحداً من النواب أو المرشحين لرئاسة الجمهورية.

وعن زيارته لموسكو قال ان لبنان كان بين المواضيع التي بحثت ووعد غورباتشيف بالعمل مع سوريا ما يستطيع لتحرير لبنان من جيشها، على أن يعمل الكرسي الرسولي على اخراج اسرائيل منه.

وأخبرنا سودانو بطريقة خاصة ان الرئيس بوش خاطب قداسة البابا هاتفيا، ليسأله اقناع العماد عون بعدم عرقلة الحل وفسح المجال لانتخابات الرئاسة، فأجابه قداسته ان هذه مسألة ضميرية تعود لكل شخص مسؤول.

والأهم من الوثيقة التعهد الاضافي الذي أعطته اللجنة الثلاثية، والذي تضمن بموجبه الانسحاب السوري من لبنان، على أن يخرج الجيش الاسرائيلي منه. وهكذا لم يبق لبنان وحده في المواجهة مع سوريا، وتعهّدت اللجنة بمتابعة القضية اللبنانية حتى تبسط الدولة سلطتها على جميع أراضيها.

الحرب والبطريرك

ويبدو ان الرئيس الحريري عاد الى الاتصال بالكاردينال صفير، وان الأسماء المعروضة للرئاسة الأولى لا تزال موضوع مناقشة نيابية، ويقول صفير ان النواب سألوه عما اذا كان لا يزال موافقاً على الأسماء الخمسة التي قد قدمها، واستبدل اسمي العميد ريمون اده، والعماد عون بالنائب رينه معوض والوزير السابق يوسف جبران، فقال صفير ان القوات وافقت على معوض وبقي اسم جبران موضوع مساءلة.

ويورد صفير ان السفير الفرنسي رينه ألا طلب في ٢٩ تشرين الأول ١٩٨٩ مقابلته بصورة عاجلة يوم وصوله الى روما، فتم اللقاء ودار الحديث حول الوضع في لبنان وعلى المأزق الذي أعلنه عون، باصراره على رفض اتفاق الطائف. وتركزت مخاوفه على النقاط الآتية:

١ – انه ربما يؤتى برئيس قد يكون صنيعة سوريا، فيسلمها البلاد، ولذلك يهمّه معرفة هذا الرئيس الذي يجب ان يشترك في اختياره ان لم يختره هو.

٢ – انه يخاف على الجيش، فيسلّم الى قائد يكون منحازا لسوريا، فيشرذم الجيش وتستولي سوريا على لبنان.

٣ – أبدى انه لا يريد منصبا وانه يستفتي الشعب، فاذا أراد الشعب بقاءه يبقى وإلاّ فيذهب الى بيته.

٤ – تبيّن من كلام السفير انه هو يريد ان يعرف أيضا من هي الأسماء المرشحة. وقد سأل من طرف خفي عن لائحة الأسماء التي سبق ان قدمتها للسفير الأميركي لينقلها الى سوريا عبر السعودية، والتي لم تأت في حينها بنتيجة.

٥ – وبدا السفير انه حريص على العماد عون الذي يجب ان يؤمّن له مخرج مشرّف. وهذا موقف حكومته الذي رشح من حديثنا مع مدير عام وزارة الخارجية الفرنسية السيد sheer في روما. وقد ذكرت الصحف ان الموقف الفرنسي المتريث، يرجع الى ان الأميركان، لم يطلعوا الحكومة الفرنسية على محادثات الطائف وانهم لم يأخذوا برأيهم.

لقاء صفير والابراهيمي

في ٢٧ تشرين الأول ١٩٨٩ تمّ اللقاء بين صفير والابراهيمي على الصورة الآتية:

جاء من الطائف الى دمشق فبيروت. وبعد مقابلته العماد ميشال عون، جاء الى بكركي ليخبرنا بما كان. وقال: انه مكلّف اجراء آلية الانتخاب الرئاسي الذي تحدّد موعده قبل السابع من تشرين الثاني، وهذا الموعد هو الحدّ الأخير، وذلك لكيلا يضيع الزخم الذي نتج عن محادثات الطائف.

وسألناه عن موقف العماد عون بعد مقابلته اياه فقال:

١ – انه لا يزال على موقفه الرافض، لأن النواب تجاوزوا صلاحياتهم، فتعاقدوا مع دولة أجنبية، وهذا حق من حقوقه بوصفه رئيس حكومة.

٢ – ان النواب أقرّوا ما لا يحق لهم اقراره، من حيث انتقاص السيادة. وهو ضدهم ولا يمكنه ان يسلّم بوجهة نظرهم.

٣ – أراد الملك باسم اللجنة الثلاثية تكريمه، فدعي الى الطائف ليشهد حفل اعلان وثيقة الاتفاق، فرفض.

٤ – ناقشنا ما يحتمل ان يحدث فيما اذا أصرّ العماد على موقفه، فتبيّن انه قد يصير لانتخاب الرئيس خارج لبنان، ثم عندما يحاول دخول لبنان قد يصطدم بالعماد عون وتقع الكارثة.

٥ – واذا حدث ذلك فيقفل المطار والميناء ويعود الحصار واطلاق النار. وليس السوريون هم المحاصرين بل اللبنانيون.

٦ – وقد لا يجد هناك دولة تعترف بالعماد عون، اذا اقتطع لنفسه دويلة على المنطقة الحرّة، وينسحب السفراء وتعمّ الفوضى.

٧ – أنهى الابراهيمي المقابلة بالقول: اني بالتصرّف فاذا احتجتم إليّ خابروني.

٨ – بامكان العماد عون ان يتابع المعارضة سياسيا على رأس كتلة نيابية اذا شاء، هذا اذا لم يعارض عملية انتخاب رئيس الجمهورية والمؤسسات الدستورية. ليوافق على الشق الأول أي الاصلاحات، وليعارض الشق الثاني الخاص بالسيادة وانسحاب الجيش السوري.

قضى الرئيس حلو ليلته لدى الرئيس فرنجيه الذي أرسل له من واكبه من جسر المدفون، وفي العاشرة والنصف وصلا الى الديمان تقدمهما جيش من الصحافيين والمصورين. وبعد التقاط الصور في القاعة الكبرى، عقدنا خلوة في قاعة الاستقبال الصغرى أمام مكتبنا. ودار الحديث على الوضع المأساوي الذي يوقع التقاصف المدفعي فيه، كل يوم عشرات القتلى ومئات الجرحى وعلى ما يمكن عمله للخروج من هذا الوضع.

اقترح الرئيس فرنجيه، بعد تبادل وجهات النظر، ان نستشير أولاً كلاً من رؤساء الكتل النيابية، ثم نجمع رؤساء هذه الكتل، بعد ان نكون قد اطلعنا على رأي كل منهم لنستخرج رأياً موحداً بشأن الاصلاحات.

أما الرئيس حلو فاقترح العودة الى البيان الوزاري لسنة ١٩٨٤ وقد وافق عليه أعضاء المجلس، وهو يتضمن كل المبادئ الاصلاحية، لا بل انه يشتمل، على ما قال الرئيس حلو، على بعض تنازلات لا يجرؤ هو على القيام بها أو التسليم بها لو لم يوافق عليها الرئيس شمعون وبيار الجميّل. واذا صار الاتفاق على المبادئ الاصلاحية يصار الى انتخاب رئيس للجمهورية. ولما سألناه لماذا لم يطبّق هذا البيان وقد مرّ عليه خمس سنوات؟ أجاب: الرئيس الجميّل لم يشأ تطبيقه. وأكد الرئيس فرنجيه ان الرئيس الأسد لا يطمع بلبنان وان اسرائيل تريد انشاء دولة مسيحية فيه بموافقة بعض اللبنانيين وخاصة القوات اللبنانية. فقلنا له: سألنا قائدها سمير جعجع فنفى ذلك. وقد بدا الرئيس حلو، غير واثق بما يظهره الرئيس حسين الحسيني من تقارب ويطرح من طروحات لأنه في ظنّه، يتقن التقية اظهار عكس ما يضمر.