IMLebanon

وقائع من أزمات رافقت الحياة السياسية والاستقالات من السلطة

وقائع من أزمات رافقت الحياة السياسية والاستقالات من السلطة

الجمهورية تواجه مشكلة الشغور والفراغ

والمجلس الدستوري والمخرج القانون أقوى من الصراع 

لا خوف على لبنان، ولا على مستقبله ولا على المصير.

عبارة يرددها الرئيس حسين الحسيني، في مجالسه العامة والخاصة ويستدرك دولته: لا تخافوا على وطن يزخر بالرجال، ولا تترددوا في الايمان بمستقبله. لم يفقد يوماً ايمانه ب دولة مدنية ولا سقط لحظة، شعوره بأن لبنان هو وطن الأحلام. لا يخاف الرئيس الحسيني، منذ هبط من البقاع الى بيروت، من الأزمات العاصفة فيه، ولا من النكبات التي تتوالى عليه. ودائماً يردد ان الاوطان تصنعها المصاعب، وان وطناً يتلقف المحن ولا يجتاحه اليأس، هو وطن مؤهل للانتصار على العقبات.

وقف الرئيس حسين الحسيني، في مكتبه بهدوء، وهو يتلقى الاخبار الآتية من جوار بلدته شمسطار عما يحدث في جرود البقاع، وفي عرسال بالذات، وفي الجوار ليس أكثر راحة مما يجري في جرود بعلبك، وليس أكثر اطمئناناً على العسكريين المخطوفين الى الجرد.

كانت الاخبار الآتية من سوريا والحدود اللبنانية – السورية تشغل البال، الا ان ما يبعث على الراحة ان الارهاب وقع في قبضة المؤسسة العسكرية، وأضحى أسير الجيش اللبناني الباسل.

ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل. هو مثل سائر على الألسنة والوجوه. والشهود على ذبح العسكريين أضحوا في يد القضاء، وشهود آخرون حصدتهم الاقدار.

وهذه التطورات تزاحمت مع تطورات أخرى، ليس أقلها استعادة حكومة الرئيس تمام سلام زمام المبادرة، وأصبح فيها ٢٤ وزيراً، لا ٢٤ رئيسا للجمهورية.

حسم تمام بك الامور، وصارح وزراءه بأن جلسة مجلس الوزراء، باتت ٣ ساعات لا سبع ساعات، ولا فرصة وزارية للعبث السياسي.

يقول الوزير محمد المشنوق إن أكثر ما كان يزعج رئيس الحكومة، أن يغادر الوزراء الجلسة على هواهم.

وكان اقدام قيادة الجيش على احالة اول شاهد من التنظيمات الارهابية على ذبح عسكريين لبنانيين، مخطوفين لدى تنظيم داعش، طريقاً الى كشف المزيد من المعلومات عن تنظيمين يختطفان العسكريين، في اشارة الى وقوع الارهاب في قبضة السلطة الامنية.

عادت أزمة الأبوات في زمان السلطة الفلسطينية تتكرر في ايام النصرة وشقيقتها داعش واخواتها. وقد تمكنت مديرية المخابرات من القاء القبض على ابو حارث الانصاري وحصلت منه على اعترافات بأنه كان يرئس مجموعة من المسلحين، ويقتل جنوداً لبنانيين، وشكلت اعترافاته بأنه تولى حراسة العسكريين المخطوفين لدى داعش، وكان شاهداً على ذبح الشهيدين العسكريين، مضبطة اتهام واضحة المعالم. كما كان القاء القبض على المدعو احمد جميل حربا، مؤشراً الى ما كان يرتكبه من جرائم بين لبنان وسوريا، وكان وقوعه في يد الجيش، صيداً ثميناً في هذه الحقبة.

في غضون ذلك، انقضى نحو ٣٠٠ يوم على بقاء لبنان من دون انتخاب رئيس جمهورية جديد، بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان.

الا ان الجمهورية واقعة بين شاقوفين: اصرار فريق على انتخاب رئيس، من خلال تكرار الدعوة الى جلسات، من دون ان يتوافر لها النصاب، والحرص على التخلي عن لعبة الارقام والذهاب الى مناخ حل غير موجود. وهذا يعني ان لبنان يتجه للمرة الأولى الى اختيار مؤسسة رئاسة الجمهورية، لا الاتفاق على مجرد رئيس للجمهورية. وهذا ما يسعى اليه الحوار القائم بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية، ويواكبه في ميدان آخر الحوار الجاري بين تيار المستقبل وحزب الله.

واذا كان الحوار الأول قائماً من دون سقوف سياسية، فإن الحوار الثاني بدد التشنج بين الفريقين وأدى الى انحسار المخاوف من فتنة سنية – شيعية، لكن الأمور الأخرى لا تزال في اطار المناكفات.

وهنا تبرز اسئلة وأحاج أبرزها:

لماذا دعوة الرئيس حسين الحسيني، وهو أبو الدستور وحافظ اسرار اتفاق الطائف وراعي الدعوة الى قيام دولة مدنية لا الى سريان دولة من دون مؤسسات.

ربما جاءت دعوة الرئيس الحسيني لمواكبة دعوة الرئيس نبيه بري الى الاسترشاد بالدستور، لقيام دولة تحترم القانون، ويحترم فيها النواب الدستور القائم.

ولعل أبرز التحديات وقوف لبنان على حافة الانهيار، بعد فراغ في السلطة شمل معظم مؤسساتها وفي مقدمتها المجلس الدستوري آخر معاقل دولة القانون في لبنان.

الا ان مرجعاً دستورياً يقول إن المجلس الدستوري الذي يرئسه القاضي عصام سليمان، يبقى مع نائبه القاضي طارق زيادة، يظل الحصن الحصين للبلاد، لأن هذا المجلس يكتسب شرعيته، من عدم وجود رئيس جمهورية.

ويقول المرجع الدستوري ان المجلس الذي تنتهي ولايته في ٥ حزيران المقبل، يبقى متمتعا بكامل صلاحياته طالما لم يقسم مجلس آخر اليمين القانونية امام رئيس الجمهورية.

ويضيف: لا خوف على البلاد من وقوعها في الفراغ، لا مجال للخوف من أزمة شغور لأن الوطن لن يصبح شاغراً، بل في اطار مجلس يحتفظ بحقوقه الدستورية، شأنه شأن سواه من المؤسسات المماثلة.

فتح القاضي عصام سليمان الباب امام هذا الاستحقاق، عندما وجه كتابين الى رئاستي مجلس النواب ومجلس الوزراء، يبلغهما فيهما بدء الترشيح وتاريخ الولاية، علماً ان مجلس النواب ينتخب نصف اعضائه العشرة، فيما يعين مجلس الوزراء النصف الآخر. وتنتهي مدة تقديم الترشيح بعد ٣٠ يوماً من تاريخ فتحها.

وجاءت الأزمة الجديدة في ظل ازمة الفراغ الدستوري، والتي تطرح اشكالية قسم اليمين للاعضاء الجدد اذا لم تواجه عملية انتخابهم وتعيينهم اي عقبات، اذ ان يحصل قسم اليمين امام رئيس الجمهورية.

اما في حال تعذر انتخاب الاعضاء الجدد وتعيينهم، فان الاعضاء الذين انتهت ولايتهم يستمرون في ممارسة اعمالهم الى حين تعيين بدلاً منهم، وحلفهم اليمين بموجب نظام المجلس، اي انهم يستمرون بقوة القانون.

طبعاً، ثمة مخاوف من طرح موضوعات اكثر دقة وحساسية، تجنباً للدعوة الى اجتماعات تطرح احتمال اجراء تعديل دستوري واللجوء الى مجلس تأسيسي، ينسف القاعدة التي يرتكز اليها اتفاق الطائف، وهو ما يحرص الرئيس حسين الحسيني على تفاديه، وما تسعى غير جهة الى اثارته.

الا ان وجود الرئيس العماد ميشال عون، كقوة مسيحية وكقوة لبنانية يضع حداً لهذه المخاوف، ويوطد الأسس الواجب استخلاصها من اتفاق الطائف، على الرغم من وجود تباينات على هذا الصعيد.

السياسة والصحافة

في الاسبوع الفائت التقى الرئيسان ميشال سليمان وامين الجميل، في محاولة منهما لتدوير الزوايا. وقد شعر الاول انه اصبح خارج اللعبة السياسية، واصبح الثاني بعيداً من اللعبة الرئاسية.

والرئيسان دعوا عدداً من الوزراء والنواب لسبر اغوار الحركات الرئاسية ومحاولة انعاش الظروف الملائمة لقيام تكتل سياسي جديد، عشية ذكرى انطلاقة ثورة الأرز في ١٤ آذار العام ٢٠٠٥، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

الا ان الرئيس ميشال سليمان وقف من يصارحه بأنه خسر التمديد له، لدى انتهاء ولايته، لأنه كان يريد التجديد لا التمديد في حين خسر الرئيس امين الجميل فرصة الترشح لرئاسة الجمهورية من قبل ١٤ آذار، خصوصاً بعد بدء الحوار بين تيار العماد عون وحزب سمير جعجع.

هل كانت الكتائب تتعامل مع الظروف نفسها بالأساليب ذاتها قبل نصف قرن.

يروي جوزف أبو خليل في كتابه الأخير عمري، عمر لبنان كيف كانت الأمور تسير، ويقول ان الظروف قضت بأن يواكب النهج السياسي عبر الصحافة، ومحاسبة الحكام وأهل السياسة حتى توطدت لديه قناعة بأن لا سياسة بلا صحافة، ولا صحافة بلا سياسة.

وهكذا انتقل من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية في العام ١٩٦٣ الى العمل السياسي في جريدة العمل.

ويروي ان الظروف جعلته يبدأ مهمته صبيحة ٣١ أيار العام ١٩٦٨، وفي اللحظة ذاتها كان الرئيس كميل شمعون يتعرّض لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياته لو كان الجاني يحسن اطلاق النار على حدّ ما ذهب اليه شمعون نفسه، وهو يعلّق مازحاً على الحادث من على سريره.

وفي تأريخ لعملية الكومندوس الاسرائيلي على مطار بيروت الدولي ليل الثامن والعشرين من كانون الأول ١٩٦٨، وتفجير ما على أرضه من طائرات مدنية لبنانية بلغ عددها ١٣ طائرة معظمها لطيران الشرق الأوسط، اضافة الى خزانات الوقود.

كان الاعتداء الاسرآئيلي على مطار بيروت الدولي هو النذير، او العلامة على التحوّل الكبير في مجرى الصراع العربي – الاسرائيلي وانعكاساته على أحوال لبنان والذي لن يعرفه اللبنانيون، أو لن يدركوا تحدياته إلاّ بعد زمن. يحضرني في المناسبة ويقول الكاتب الفرنسي بول فاليري ان الشعوب تدخل المستقبل بالمقلوب ان جاز القول، وفي الاتجاه المعاكس وتراجعا الى الوراء، سواء كان الأمر خوفاً من المجهول أو تمسّكاً بحاضر زائل. والحال ان التحولات الكبرى والواسعة المدى في الزمان والمكان لا يعرفها إلاّ المؤرخون، أما معاصروها فهم قلّما يعرفونها. حتى ليصحّ القول أن اللبنانيين كانوا قد بدأوا يعيشون التحوّل الخطير في أوضاع المنطقة العربية والشرق الأوسطية منذ قيام دولة اسرائيل العام ١٩٤٨ وما أحدثه من اختلال في أوضاع بلدهم من دون أن يعرفوه ويدركوا أبعاده وأثقاله ومخاطره. وحينما أعيد قراءة ما حدث ليلة الثامن والعشرين من كانون الأول ١٩٦٨ وما تلاه من أصداء، لا أجد علامة فارقة بين حال اللبنانيين قبله وحالهم بعده، كما لو أن الحدث حدث عابر أو صفحة تنطوي. واذا صحّ أن شكوى لبنان الى مجلس الأمن الدولي أدت الى ادانة اسرائيل كما لم يحدث ولا مرّة، أي بإجماع أعضائه. وبغضب دولي، وفرنسي خصوصا عبّر عنه الجنرال ديغول بأبلغ الأوصاف وأقساها على اسرائيل، إلاّ ان المفارقة هي أن يبدو هذا الانتصار السياسي للبنان، كما لو أنه خاتمة للأحزان والمخاوف كلها.

مثل آخر من الجهة المقابلة عن هذه المقاربة المبسطة لما كانت البلاد قد أصبحت مسرحاً له: لم يكن قد مضى سوى ساعات على قرار مجلس الأمن بادانة اسرائيل على عملها البالغ الفظاعة والفظاظة على أرض المطار، حتى كان رئيس الحكومة عهد ذاك عبدالله اليافي يقف خطيباً على شرفة السرايا الحكومية في الجماهير المحتشدة تنديداً بهذا الاعتداء ليدعو هو نفسه الى اطلاق حرية العمل الفدائي وبإلحاح. فكان بذلك كمن يطعن في المطالعة الرائعة التي أدلى بها رئيس الوفد اللبناني الى مجلس الأمن فؤاد بطرس، وبرّأ بلده لبنان من أي مسؤولية عن أعمال مرتكبة خارج أراضيه ومن دون علمه وبالطبع من دون موافقته.

اتصل فؤاد بطرس من نيويورك برئيس الجمهورية شارل حلو قائلا: لقد أعلنت موقفا في مجلس الأمن يؤكد أننا لا نشجّع الأعمال العسكرية الفلسطينية انطلاقا من أرضنا. واستحصلت، بناء عليه، على قرار يدين اسرائيل بالاجماع. واللغة التي يتكلم بها الرئيس اليافي تعني كأنه ينسف كل ما عملته. أرجو منك أن تبلّغه بأنه اذا لم يتوقف عن اطلاق مثل هذه المواقف سوف اضطر أن أقفل راجعا الى لبنان. ويضيف: وأعاد رئيس الجمهورية الاتصال بي وقال: بخصوص مواقف الرئيس اليافي خلص مشي الحال.

وفي اليوم التالي حضر أبو عمار الى منزل بيار الجميّل في حيّ اليسوعية، وتناول طعام الغداء الى مائدته.

وراح عرفات يقول بثقة: الدولة الفلسطينية مسألة وقت، أي أنها لا بد آتية، من دون أن يقول متى وأين. وهل تلك الدولة على أراضي فلسطين التاريخية، أم على بعضها.

صحيح، ان رئيس الحكومة عبدالله اليافي كفّ عن إلقاء الخطب الشعبوية في الحشود، لكن خطابه داخل حكومته ظلّ إياه، فلم تعش حكومته سوى ثلاثة أشهر.

ماذا حدث بعد ذلك، وما الفرق بين ما كان يحدث أيام فؤاد شهاب، وما يحدث في زمان الرئيس شارل حلو؟

فواد شهاب مارس الحكم العسكري كعسكري، وهو الذي كان يسأل دوماً في كل أمر عمّا يقوله الكتاب، ويعني به الدستور؟ وأضاف: أما أعمال المكتب الثاني فشأن آخر، إنه جهاز استخبارات يتعامل، عادة، مع عملاء لا مع قديسين ولا مفرّ من ذلك، وهؤلاء مشرورون في كل مكان، في الأزقة كما في القصور، وهم خصوصا في الفنادق، كل الفنادق، وعلى مداخلها يمارسون وظيفة الاستقبال، استقبال روّادها وزائريها من بلديين وأجانب، ويدققون في وجوههم وهوياتهم ويتبادلون معهم الحكايات والأحاديث، ويسلّفونهم المودّة مقابل معلومات هي، في ظاهرها، لا معنى لها لكنها ضرورية ومفيدة لكل جهاز استخبارات ومعلومات.

إلاّ أن الانتصار الذي حققه جهاز الاستخبارات اللبناني، أي المكتب الثاني، في العام ١٩٦٩، على نظيره السوفياتي، عندما خطط هذا الأخير للاستيلاء على إحدى طائرات الميراج الفرنسية الصنع، والحديثة جداّ في حينه التي زوّد بها سلاح الجو اللبناني في صورة استثنائية. أما الغرض فهو الوقوف علي بعض خصائص تلك الطائرة الحديثة التي يفترض أن تظلّ سرّاً من الأسرار، على الدول المناوئة أو المنخرطة في سباق التسلح من شتى الهويات. كانت الخطة تمرّ، بداية، برشوة أحد ضباط سلاح الجو اللبناني بمبلغ كبير من المال، مقابل الاقلاع سرّاً بالطائرة المذكورة.

كان الخلاف بين اللبنانيين كبيرا، حول دورهم من الثورة الفلسطينية ودور الثورة في حماية لبنان.

وهذا ما أدى الى انهيار الدولة اللبنانية لاحقاً. ما هي الأسباب، وكيف يراها جوزيف أبو خليل؟

حسب آراء الكاتب، فانه يقول اذا راجعنا مراحل انهيار الدولة اللبنانية نرى أن أسبابه هي أربعة، أولها النقص في الخبرة، خبرة الحياة كشعب مسؤول عن مصيره، فلم نعرف كيف نحافظ على السيادة، وكيف تصان موحّدة. بل خيّل الينا أنه ليست مصيبة اذا كان الفلسطينيون، مثلا، شركاء لنا في قرارات الحرب والسلم، وشركاء في ممارسة السلطة، ولو على رقعة صغيرة من أرض الوطن. وقد استسهلنا الأمر بدافع التصوّر ان قيام الدولة الفلسطينية صار قريباً ولا يحتاج إلاّ لبعض الوقت، وبعض الترتيبات الاجرائية، وبعض التعديلات في ملامحها. فاذا ما قدّم لبنان لأبنائها بعض التسهيلات والتنازلات لا يكون قد ارتكب خطأ كبيراً، ولا يكون قد سلّفهم إلاّ ما سيسترده بعد حين، مضافاً اليه الشكر والعرفان بالجميل، والحقيقة أن أبو عمار قد تعهّد مراراً بردّ الجميل مضاعفاً فقال: فضل لبنان أمانة في عنقي وسأردّه أربعة أضعاف في موعد ليس بعيداً.

ثم جاء التناقض الديني أو الطائفي ليجعل من هذا التساهل قصّة، إذ تصوّره المسلمون فضيلة وواجباً وطنياً، فيما رأى فيه المسيحيون كارثة مؤكدة.