IMLebanon

وقائع نقاشات الحراك المغلقة في طريقها لتظاهرة 9 أيلول

اليوم هو موعد المنازَلة بين اعتصام الحراك في ساحة الشهداء و«حوار اهل الحكم» في البرلمان. داخل الحراك الشعبي وُضع هدف مركزي لتظاهرة 9 أيلول، تختصره كلمتان: «الصدارة والمبادرة». تعني «الصدارة» إبقاء الحراك هو الحدث في لبنان وليس طاولة الحوار، وتعني «المبادرة» الإبقاء على دينامية الحراك متعاظمة. وكلا المصطلحين يتوفران من خلال تحقيق أوسع حشد شعبي لتظاهرة 9 أيلول وأفضل تنظيم لها.

خلال الايام الاخيرة التي أعقبت تظاهرة 29 آب ومن ثمّ الاعتصام في وزارة البيئة واستطراداً حتى هذا اليوم موعد تظاهرة «الصدارة والمبادرة»، دارت حوارات مغلقة مكثّفة بين مجموعات الحراك الذي نجح في إبقاء الجزء الأهمّ منها خارج تداول الاعلام، وقد انصبّت على التداول في تشخيص أزماته وتقويم اللحظة السياسية الراهنة الموجود فيها، وما يجب فعله على المديَين القريب والمتوسط.

توصلت النقاشات الى إيجابيات تصبّ في خدمة هدف عام جامع لمكوّنات الحراك المختلفة وهو «صيانة وحدته حتى إشعار آخر»، كما نجحت في إنتاج هيئة عامة قيادية لمجمل الحراك تحت اسم حركة 29 آب، تضمّ 14 شخصاً يمثلون 18 مكوّناً أساسياً في الحراك، بينهم شربل نحاس وحنا غريب وجورج عازار ومروان معلوف عن «طلعت ريحتكم»، الخ…

وتبرز في هذا السياق ملاحظة لافتة وهي أنّ العلاقة بين ممثلي مكوّنات الحراك الـ 14 في هيئة 29 آب، يشوبها سلاسة وميل للتفاهم، وذلك على عكس ما هو قائم من تشنّج نسبي على الارض بين قواعد هذه المكوّنات الميدانية.

وفي خلاصة الصورة، ثبّتت نقاشات الحراك ثلاث نقاط، تُمثل مصدر قوة آنية له: أوّلها حرص كلّ مكوّناته على السلمية. ثانيها حرصها حتى إشعار آخر على وحدة الحراك على رغم تبايناتها العميقة. وثالثها تواضع الحراك مجتمعاً لجهة عدم تنصيب نفسه قائداً للشعب.

بعد اعتصام «طلعت ريحتكم» منفردة في وزارة البيئة، ثار داخل كواليس الحراك نقاش خلافي حيال خطورة تفرّد مكوّن واحد في اتخاذ خطوة حساسة، على رغم أنّ تداعياتها تطاول الحراك بمجمله.

لقد تحفظت «بدنا نحاسب» على أسلوب الاعتصام والسيطرة على مؤسسات ومرافق عامة، كونه تكتيكاً يمثل إعلان حرب وصدام مباشر مع قوى الامن والسلطة، وطرحت تكتيكاً بديلاً قوامه شلّ هذه المؤسسات بدلاً من احتلالها، وذلك عبر قطع الطرق المؤدّية اليها باعتصامات مخطَطة ومبرمَجة.

وفي مقابل إصرار مجموعات المجتمع المدني على أن تترك للمجموعات حرية انتقاء أساليب تعبيراتها الاحتجاجية، فإنّ اليسار طرَح مقولة أنه يجب «مواءمة الأساليب مع الاهداف» خلال رسم التحرك الميداني لإنجاز المهمات المطلَبية. والفكرة التي يريد يساريّو الحراك إيصالها أنّ المطلوب نيله من طرح الملفات المطلَبية، هو «تحقيق كسب سياسي مركزي يتمثل بكسر حلقات فساد السلطة الواحدة تلوَ الأخرى في الدولة».

وعلى عكس «طلعت ريحتكم»، لا يرى اليسار – مثلاً – أنّ جوهر مهمته النضالية هو إنتاج حلٍّ لملف النفايات عن طريق ردّه الى البلديات، لأنّ السلطة لديها امتدادات داخلها، بل المطلوب كسر حلقة الاحتكار المالي الذي تمارسه السلطة على هذا الملف ما يُحقق لها «نهب» 400 مليون دولار. ويتحقّق هذا الهدف حصراً من خلال نقل إدارته إلى قطاع مشترَك شفاف يضمّ الناس والبلديات والحكومة وحتى خبرات أجنبيّة.

حتى مطلب استقالة وزير البيئة، فقد تحفّظ عليه اليساريون كأولوية، معتبرين أنّ الاولوية تكمن في برنامج سياسي يبدأ بقانون إنتخابي جديد. فيما تعتبر «طلعت ريحتكم» استقالة المشنوق أولوية، تليها محاسبة رجال قوى الامن الداخلي ومساءلة وزير الداخلية نهاد المشنوق، ومن ثمّ استرداد البلديات أموالها ودورها، ورابعاً الانتخابات وقانونها.

مجمل هذه الموضوعات الخلافية الجوهرية التي كانت على طاولة حوار الحراكي البيني، بقيت عالقة وتمّ القفز فوق تقديم حلول لها، تحت مبرّر رئيس هو الحرص على وحدة الحراك، وذهابه متكاتفاً في 9 أيلول الى مواجهة اجتماع حوار أهل الحكم في البرلمان الذي يُعبّر من وجهة نظر الحراك عن أنّ «السلطة بدأت تتوحَّد ضدّه».

تبقى إشارة أخيرة بدت ملفتة خلال نقاشات الحراك الأخيرة، تتمثّل في أنّ التباينات داخل مكوّناته لم تستعر فقط بين مجموعاته ذات النشأة العقائدية المختلفة، بل استعرت أيضاً حتى داخل مجموعات اللون العقائدي الواحد. فالحزب الشيوعي المعتبر الطرف الاقوى داخل «بدنا نحاسب»، خرج من نقاشات الايام الأخيرة منقسماً على نفسه حول رؤيته لموقعه في الحراك.

ونشب هذا الخلاف على خلفية ظهور مجموعة واسعة داخل الحزب تتّهم أمينه العام خالد حدادة بأنه يُبدّي ميولاً ليبرالية في مقارباته لأزمات الحراك، بدليل مطالبته اليساريين والشيوعيين بالالتحاق بأجندة «طلعت ريحتكم».

والمفارقة أنّ هذا الخلاف بدأ يؤسّس الى فرز أصبح مقروءاً الآن داخل الحزب الشيوعي وكلّ البيئة اليسارية اللبنانية، وقوامه معسكران، يضمّ الأول حدادة وماري الدبس وعلي سليمان وهؤلاء مع التنسيق الى حدّ التطابق مع «طلعت ريحتكم» وليبراليّي المجتمع المدني، وعلى مسافة قريبة منهم يقف أيضاً اليسار النقابي ممثلاً بحنا غريب.

فيما يضمّ المعسكر الثاني سعد الله مزرعاني ورياض صوما وفاروق دحروج (…) وهم مع وضع برنامج وأهداف سياسية للحراك وألّا تقتصر فعالياته على القضية المطلَبية المتركّزة حالياً على ملفَي النفايات والمطامر.