يتزامن الكلام عن إجراء تعديلات في قانون الانتخاب الجديد، مع تصاعد مواقف سياسية تحذّر من وجود جهات تريد تأجيلَ الانتخابات تمهيداً لإجرائها وفق قانونٍ انتخابي مغاير للحالي. ويحرص أصحاب هذه المواقف على تجهيل هذه الجهات، أو الكشف عن السبب الحقيقي الذي يدفعها الى ذلك. ويجدر على هذا الصعيد تسليط الضوء على مسار من وقائع جرت بعد فترة قصيرة من إقرار القانون الانتخابي الجديد، كونها تقدّم إجابةً صريحةً عن السؤال المطروح حالياً على شكل لغز، حول مدى جدّية الكلام عن وجود مشروع لتأجيل الانتخابات وإلغاء قانونها الجديد أو تعديله.
الواقعة الأساسية في هذا المسار، لم تكن خافية على كثير من المراقبين الذين لاحظوا وتناهت الى مسامعهم، وقائعُ ما دار في الفترة الأخيرة داخل كواليس سياسية لبنانية وديبلوماسية في بيروت من همس عن الحاجة لتعديل القانون الجديد، حتى ولو أدّى ذلك الى تأجيل الانتخابات، وذلك انطلاقاً من سببين اثنين: الأول داخلي ومفاده أنّ غالبية الأحزاب السياسية ندمت بعد إقراره، نظراً لأنّ إجراء الانتخابات على أساسه سيُفقدها نسبة معتبرة من مقاعدها النيابية.
والثاني خارجي ومحلّي ـ وهو الأهم – وتمّ التعبير عنه عبر إبداء الحذر من النتائج التي قد تُسفر عن إجراء الانتخابات وفق القانون الجديد، وذلك لجهة أنها ستُفضي الى رسم صورة للتمثيل السياسي في لبنان يتجاوز ما هو مسموح به دولياً وإقليمياً، وينقل وقائع المعادلة الداخلية اللبنانية عملياً من موقع «النأي بالنفس» عن النزاعات الدائرة في الإقليم الى موقع المنحاز لمحور فيها.
والواقع أنّ تتبّع مسار هذا الهمس الذي تفاعل داخل دوائر داخلية وأيضاً في دوائر ديبلوماسية، يُفضي الى الكشف عن الجهات التي شاركت فيه، وعن طريقة تطوّره والنتائج التي وصل اليها اليوم، وفي الأساس يكشف الأسباب السياسية التي تمّ إيرادُها في خلاله مسوغاتٍ تبرّر تعديل القانون الجديد وعدم إجراء الانتخابات على أساسه.
نقطة البداية في انطلاق هذا المسار، كانت بدأت مع قيام جهة وازنة في لبنان بتعميم تقدير انتخابي يرسم خريطةً لشكّل توزّع المقاعد بين القوى السياسية التي سيُسفرعنها إجراءُ الانتخابات على اساس القانون الجديد، وبالتالي وضع سيناريو لتأثراتها السياسية على لبنان خلال مديَين قصير ومستقبلي.
وهذا التقدير الذي تمّ توزيعه على غير دولة خارجية مهتمة بالوضع اللبناني، يُظهر أنّ القانون الإنتخابي الجديد، سيمكّن تحالفات «حزب الله» السياسية وتحالفات «التيار الوطني الحر» من حصد ما بين 70 الى 75 نائباً في البرلمان الجديد، أي أكثر من ثلثي مقاعد المجلس، مع ملاحظة أنّ الحزب ستكون له الكتلة الوازنة بين هؤلاء النواب، وقوامها 42 الى 45 نائباً.
ويحذّر التقدير من أنّ إصرار «حزب الله» على إقرار القانون الجديد، تكمن وراءَه خطة لتمثيل طيف واسع من حلفائه واصدقائه السياسيين والعقائديين في المجلس النيابي الجديد، وهؤلاء يدرجهم التقدير على النحو الآتي: الثنائية الشيعية ( 22 نائباً) وتيار «المردة» (3 نواب) وطلال أرسلان (نائبان) والحزب السوري القومي الاجتماعي (نائبان) وحزب البعث العربي الاشتراكي (نائبان) وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (نائبان) ويُضاف اليهم «إحتمال» الجماعة الإسلامية (نائبان) التي ينشىء الحزب حواراً متطوّراً معها بواسطة حركة «حماس»، إضافة الى مجموعة من الشخصيات الصديقة التي لها رصيدُها في مناطقها والتي يمنحها القانون الجديد إمكانية الحصول على حاصل انتخابي للوائحها، ومرجّح أن يصل من هؤلاء الى المجلس الجديد ما بين عشرة الى 12 نائباً.
ولكن ما يسمّيها التقدير «نقطة الخطر» التي ركّز عليها، ذهبت الى التكهّن بوجود احتمالية عالية بأن ينجح بعد فترة من نشوء البرلمان الجديد، بتطوير هذه النتيجة الانتخابية، وذلك في إتّجاه تحقيق هدفين أثنين إستراتيجيين: أوّلاهما تمليه احتمالية عالمية لجهة حصول تطورات داخلية وخارجية متوقعة تتّسم بأنها دراماتكية وسينتج عنها تناقص أعداد نواب كتل نيابية تابعة لأكثر من حزب نتيجية انشقاقات متوقع أن تجرى في داخلها عند اصطدامها باستحقاقات سياسية داخلية أو خارجية منتظرة.
وتكمن الخشية في أن ينجح الحزب بتوظيف هذه التطورات لمصحلة توسيع عدد نوابه عبر جذب بيئات منشقّة عن أحزابها ليصبح حجم كتلته السياسية الخاصة به حصراً داخل المجلس النصف زائداً واحداً.
أما الملاحظة الثانية في التقدير فتتوقع بكثير من الثقة بأنه فيما لو قُدِّر للحزب أن ينجح في الحصول على نسبة نصف زائداً واحداً من مقاعد مجلس النواب، فإنّ ذلك سيحفّز النائب وليد جنبلاط على الإلتحاق بتحالفه النيابي، وعندها سينتقل الحزب من منزلة أنه يملك غالبية سياسية ضئيلة داخل المجلس الى منزلة إمتلاكه غالبية سياسية معتبرة!!.
والواقع أنّ جهات داخلية وخارجية وُضع أمامها هذا التقدير جادلت في جدّية توقعاته، وذلك انطلاقاً من زاويتين رئيستين: الأولى تتّفق مع موضوعية توقع أنّ مجموعة تحالفات «التيار الوطني الحر» مع تحالفات «حزب الله» ستؤدّي الى حصد نحو 70 نائباً، ولكنها في الوقت عينه اعتبرت أنّ تحالف «الاصفر» و«البرتقالي» تشوبه تباينات ما يُعرف اصطلاحاً بـ«حليف الحليف» أي الرئيس نبيه بري مع عون، والنائب سليمان فرنجية مع الوزير جبران باسيل، الخ..
ومع ذلك بالنسبة الى الجهات التي ناقشته، يظلّ التقدير في هذه النقطة صحيحاً لجهة أنّ «تجمّع الـ70 نائباً» سيؤمّن لـ»حزب الله» من ناحية مبدئية، وللمرة الأولى، غطاءً داخلياً شبهَ استراتيجي للثوابت الأساسية في مشروعه.
أما الزاوية الثانية فسجّلت تحفّظاً على إمكانية تمكّن «حزب الله» من تطوير رقم 42 نائباً الذي هو جبهة حلفائه وأصدقائه الخلص، ليصبح بفعل مستجدّات سياسية خارجية وداخلية، «النصف زائداً واحداً» من المقاعد النيابية يُضاف اليها نواب جنبلاط الذي سيلتحق به لأسباب مصلحية.
وفي هذه اللحظة يوجد انقسامٌ حول صدقيّة هذا التقدير، والجهة الأعمّ المعنيّة بنقاشه تخطئه لجهة أنها لا ترى أيّ إمكانية للحزب من خارج تحالفه مع «التيار الوطني الحر» في الحصول على غالبية نيابية، وعليه ليس هناك معنى للخشية من القانون الجديد أو إجراء الانتخابات على اساسه في موعدها، طالما أنّ أيَّ انتخابات ستُجرى وبأيِّ قانون، ستعطي اكثرية لتحالفات «الاصفر» و«البرتقالي».
ومن وجهة نظر جهات لا تزال تؤمن بجدّية توقّعات التقدير، فإنها تستمرّ في التحذير من أنّ وصول «حزب الله» الى النصف زائداً واحداً بالإعتماد على تحوّلات داخلية وخارجية متوقّعة، سيُدخل البلد في مناخات مطالبة بعض الطوائف بالفدرلة، وقد يكون هذا ما تطلبه جهات خارجية.