Site icon IMLebanon

وقائع تشكيل الحكومات من ٣٠ وزيراً بينهم ٤ وزراء دولة

السفير الأميركي يؤكد للكاردينال صفير الاصرار على دور اساسي للبنان في المنطقة

وقائع تشكيل الحكومات من ٣٠ وزيراً بينهم ٤ وزراء دولة

وحذر لبناني من وجوه لا يختارها اللبنانيون بالإصالة

في الوقت الذي مضى فيه الرئيس الياس الهراوي في تعزيز سلطته، خصوصاً بعدما بلغه ان اسرائيل اصبحت مقتنعة بضرورة تعزيز الوجود السوري في لبنان، على حساب ضمور الدور السياسي للعماد ميشال عون.

ويقول البطريرك صفير ان الدكتور مانويل يونس زاره، وقال له ان الدولة العبرية باتت تميل الى ان انظمة المنطقة ستتغير. وانها تعمل على تفتيت لبنان والمسيحيين والجيش.

ويقول الكاردينال صفير في مذكراته ان الاميركان، الذين اخفقوا حتى الآن في لبنان، قد تعلموا من التجارب واصبحوا في المنطقة ليس لاخراج العراق من الكويت، وقد يكون حدث بموافقتهم، بل لتغيير الانظمة القائمة لتنسجم مع التغيير الحاصل في العالم الغربي ولادخال روح ديمقراطية، لذلك يظهر ان سوريا خائفة على نظامها. وقد سافر الرئيس حافظ الاسد الى جنيف لمقابلة الرئيس الأميركي جورج بوش. وهذه فرصة متاحة للبنان لاستعادة قواه ومركزه في المنطقة والعالم، على أن يعرف ابناؤه الاستفادة من الظرف الراهن ليستبدلوا قيادته السياسية المهترئة، على حدّ تعبير يونس.

وترددت معلومات مفادها ان الموفد العربي الأخضر الابراهيمي طلب وساطة الجزائر لاطلاق الضباط اللبنانيين المخطوفين الى سوريا.

ويتابع صفير ان الابراهيمي حضر الى بكركي قبل ظهر ٢٥ تشرين الثاني ١٩٩٠ واقيم في اليوم نفسه قداس التذكار السنوي الاول لمقتل الرئيس رينه معوّض، وعرّج على بكركي في الساعة الثالثة. وقال انه لم يرد ان يزور لبنان دون أن يزورنا، وكان برفقته سفير الجزائر الاخضر بلعيد وأمين سرّه الازروال. وقال ان الشيخين قباني وشمس الدين والحسيني والحص سيأتيان لزيارتنا فرحبنا بهم، وسأل عن حالة المدارس والأمن وعن مدى تفاؤلنا باعلان بيروت الكبرى، فقلنا له: هذه خطوة نرجو ان تنجح، لكننا نصارحكم القول ان اللبنانيين لم يعودوا يقرون بأنهم أسياد قرارهم.

ويورد الكاردينال صفير، ان السيد بول اده زاره، وأخبره انه رافق المطران بشارة الراعي الى روما وباريس، واعطى انطباعاته عن المواقف من لبنان في بعض الأوساط الرومانية والفرنسية وخاصة الالمانية، وهم يرون ان موقف الكنيسة سليم، وان لم يفهمه الشعب، لأن هناك خلافاً غير معلن بين الأميركان والأوروبيين وخاصة الفرنسيين بشأن من سيكون له النفوذ الأقوى في لبنان.

ويورد الكاردينال صفير، ان شخصيات اخذت تتردد على بكركي وفي مقدمتها الرئيس حسين الحسيني، وتحدث عن دور البطريركية وعن دور البطريرك، ومما قاله لهما انه أي البطريرك انقذ لبنان في اعادة المؤسسات الدستورية اليه. وامتدح المطران الراعي لانتفاضته التي ظهرت على شاشة التلفزة غداة التظاهرة التي أمّت بكركي يوم ٥/١١/١٩٨٩ وكسرّت وحطمت. وقد ابدى استياءه لما حدث.

ويروي الكاردينال صفير في مذكراته، ان الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي وقادة من الحزب حضروا الى بكركي يوم الأحد الواقع فيه ٢/١٢/١٩٩٠ واورد صفير الواقعة على النحو الآتي:

للمرة الاولى يزورنا قادة الحزب الشيوعي برئاسة جورج حاوي في بكركي وقد تعودوا ان يزورونا في الديمان لان الحواجز المسلحة التي كانت قائمة بين بيروت ومنطقتي كسروان وجبيل كانت تحول دون زيارتهم، وأضاف: كان الغرض من زيارته هو التقدير للبطريركية ودورها الوطني، والاعراب عن الايمان بالله، والحزب ليس بملحد على حدّ قوله، والسعي الى مصالحة وطنية يقودها البطريرك، على حد قوله، والدعوة الى مؤتمر اقتصادي بحيث لا يبقى غني وفقير. واجبنا بكلمة، ترحيب وموافقة على المبادئ ما دام الإلحاد جُرّب وسقط.

وحضر الى بكركي الوزير الشيخ الياس الخازن موفداً من الرئيس الياس الهراوي وسفير الارجنتين والقائم بأعمال السفارة البابوية المونسنيور دانيللو واربعة عشر مطراناً مارونياً.

وفاجأنا بوصوله الجنرال جورج حروق الذي كان يوصف بانه وزير داخلية العماد عون بكركي ليل ٥ تشرين الثاني ١٩٨٩، يوم التظاهرة الشهيرة على الصرح.

ويقول صفير انه أخبره بنجاته بأعجوبة لدى دخول السوريين في ١٣ تشرين الاول الى بعبدا. ونبه حروق الى خطورة توقيف الضباط اللبنانيين لدى السلطات السورية.

وروى حروق ان العماد عون قال للسفير البابوي في اخر مقابلة له معه، كلاماً جافاً وبطريقة فظة، واوضح له انه على اطلاع بكل ما يجري في الفاتيكان اكثر من السفير نفسه.

ويقول صفير في مذكراته: كانت هذه اول زيارة يقوم بها الى بكركي السفير الأميركي بريان كروكر بعد ان قدّم اوراق اعتماده وزار الرؤساء الثلاثة الهراوي والحسيني والحصّ. وقبل ان يزور اي مرجع أتى الى بكركي، وهو يبدو ربما أصغر مما هو في الواقع، لا يتعدى ربما الخمسين، وفضّل ان يتكلم العربية ليتمرن على التكلم بها. وقال لنا انه يقرأها ويستمع الى الاذاعات، ويتكلمها، لكنه لا يحسن كتابتها، وقد تعلمها أولاً في تونس وحيث تنقل في البلدان العربية، وكان في بغداد والدوحة وطهران وبيروت ١٩٧٢ ومصر وهو يعود اليوم سفيراً الى بيروت. وقد اعرب عن سعادته لوجوده في لبنان. ومن خلال الحديث تبين انه مقتنع بأن:

١ – لبنان يجب أن يستعيد استقلاله وسيادته باخراج جميع الحيوش الغريبة منه.

٢ – لبنان له دور أساسي في المنطقة، وما من عاصمة يمكنها أن تقوم مقام بيروت، وهي على الرغم من كل ما جرى لا تزال قائمة وتبدي نشاطاً وحيوية.

٣ – لبنان الواحد الموحد الديمقراطي الحر ضرورة للمنطقة وللعالم.

٤ – الولايات المتحدة ستعمل ما بوسعها لاعادة لبنان الى وضع طبيعي.

ووعد بالتردد الينا ليتبادل الاراء. وتمنّى ان يعود اللبنانيون المهاجرون، وان تنجح تجربة بيروت الكبرى. أطلعناه على الكتاب المفتوح الذي وجهه المطران زايك الى الرئيس بوش، وعندما سألنا عن شعور المسيحيين قلناله: ان الكتاب يعبّر عن هذا الشعور. وقد وجهه اليه في ٢٤/١١/١٩٩٠.

ويورد الكاردينال صفير في مذكراته ان الرئيس تمام سلام حمل اليه رسالة من والده صائب سلام الموجود في جنيف، وكان قد كتب اليه يشكره على ارساله اليه كتاباً ينوّه بمواقفه تجاه لبنان.

وتطرق الحديث الى الشأن الوطني وكان صريحاً وودياً، والى الشأن التربوي فأخبرنا ان المقاصد قامت بتجربة وهي تعليم العلوم والرياضيات بالعربية في المتوسط أي السادس والخامس والرابع والثالث ثم يكتفون في الوقت عينه بساعات تعليم اللغات الأجنبية، وبعد ذلك يعودون الى تعليم مواد الثانوي باللغات، وهكذا يتملك الطلاب العربية وسواها من اللغات الأجنبية. وقال انه مع انفتاح اللبناني على العالم والعلوم ولا سيما انها تأتي من الغرب. ولكن لماذا اسرائيل تعلم كل شيء بالعبرية؟ وكذلك الالمان واليابان والروس وكل يعلم بلغة بلاده، وهي اللغة الأم، ثم يعلم سواها كلغة ثانوية. ودامت الزيارة ساعة ووعد بتكرارها.

ويتابع صفير: في ١٣ كانون الاول ١٩٩٠، حضر وزير ونائب سابق الى بكركي وكان آتياً من باريس وسويسرا وقال انه دارت معه احاديث بشأن الأوضاع اللبنانية، وخلافات أهل الحكم: الهراوي والحسيني والحص، واذا انصف الاول بالاقدام والثاني بالنزاهة والثالث بالتروي، فيجب أن يتضافروا ليضعوا صفاتهم معاً ويحكموا البلاد.

وفي معلومات البطريرك صفير ان المحامي روجيه ديب زاره في ٢٢ كانون الاول ١٩٩٠، وتمنى عليه عقد اجتماع للنواب الموارنة، بغية وقف المساعي من اجل تشكيل حكومة غير متوازنة، لان أكثر من فيها موالون لسوريا، وقد جاء ذلك نتيجة صفقة بين الرئيس الياس الهراوي وحافظ الأسد.

ويقول الكاردينال صفير ان الهراوي طلب توزير صهره فارس بويز ونقولا خوري صاحب فندق شتورا بارك أوتيل، مقابل ان يقوم السوريون بتوزير أسعد حردان رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي وميشال المر ومحسن دلول.

ويذكر البطريرك صفير للكاتب جورج عرب، ان الرئيس شارل حلو صعد يوم الأحد في ٢٣/١٢/١٩٩٠ الى بكركي وحضر قداساً، وأخبرنا بعد القداس انه القى خطاباً في باريس في ذكرى مولد الجنرال شارل ديغول واودعنا نسخة منه.

ويورد ايضاً ان الدكتور جورج سعاده زار بكركي في ٢٢ كانون الاول.

ويقول صفير ان النائب الدكتور طارق حبشي حضر الى بكركي واخذ يشكو من سير الأمور، ومن طريقة تشكيل الحكومة برئاسة عمر كرامي.

ويضيف: لقد ابلغني حبشي انه قال لرئيس الجمهورية في اثناء الاستشارات، ما هو رأيكم اذا ما طلب الرئيس كرامي فتح طريق الساحل بين بيروت وطرابلس، مروراً بحاجز البربارة.

ويورد صفير ان الدكتور جورج سعاده سمع ان هناك رغبة سورية بتوزير صهره السيد فارس بويز، على ان تترك للسوريين اختيار الوزراء الآخرين، وهذا لا يجوز. فأجابه: اذهب الى عبد الحليم خدام نائب رئيس الجمهورية السورية واقنعه، فأجابه سعاده: لن اذهب ولا شغل لي معه، ونحن نبحث في شأن حكومة لبنان لا حكومة سوريا. وقابله مرة ثانية فتمنى عليه أن يحدث العميد غازي كنعان مدير المخابرات السورية في لبنان عن الامر فرفض، لكن الرئيس هو من دعا غازي كنعان الى مقرّ الرئاسة حيث قابل سعاده وصارحه هذا بقوله له: لماذا يريد المسلمون ان يختاروا الوزراء المسيحيين فاذا كان الامر كذلك، فليختر المسيحيون الوزراء المسلمين، ولماذا التدخل السوري باختيار اسماء الوزراء في لبنان؟ وتمنى سعاده عقد مؤتمر مسيحي فقلنا له: نفضل الا ندعو نحن اليه، ويمكنكم انتم ان تتنادوا وتأتوا الى بكركي. وعندما خرج صرّح بهذا المعنى.

واردف سعاده: القضية أخطر مما تتصورون، وهم يريدون تعيين اربعين من النواب الجدد، فماذا سيكون موقفكم إزاء ما طالبوا بضم لبنان الى سوريا.

ويبدو ان الكاردينال صفير، ابدى قلقه مما سمع، واعرب عن تخوفه من الأوضاع الأمنية، خصوصاً وان الموالين للعماد عون في الجيش لا يزالون يأتمرون بأوامره.

وحضر الى بكركي في ٢٤/١٢/١٩٩٠ النائب اميل روحانا صقر وابدى خشية مما يجري وقال: لقد سمعت في إذاعة صوت لبنان ولبنان الحر ان مؤتمراً مسيحياً سيعقد في بكركي، واننا سنوفد احد المطارنة الى الرئيس الهراوي، وقال انه يخشى الاّ ينضج المؤتمر، فيكون الفشل لبكركي، فطمأناه انّا لن ندعو الى المؤتمر، واذا كانت الكتائب والقوات تريد ذلك فنحن لم نكذب ولم نؤكد لأننا لا نريد ان ندعم فريقاً ضد فريق يتجاذبان السعي لدخول الحكومة. ولكننا في الوقت عينه لا نتجاهل ما يثير المخاوف، لأن المسيحيين لن يكون لهم داخل الحكومة الثلث الذي يمكنهم من تجميد أو تعطيل كل قرار يرونه مضراً بالبلاد، وسيكون مجمل الوزراء موالين لسوريا.

في ٢٤ كانون الاول زار النائب الشيخ بطرس حرب بكركي وابدى للبطريرك قلقه من قوله ما لا يقال بالنسبة الى رئيس الجمهورية الياس الهراوي، واورد عن لسان حرب انه قال له في عظة الاحد ان اسناد المناصب الى المقربين والبطانة استوقف الرئيس الهراوي. وجاء ليستوضحنا رأينا في ما أشيع ان مؤتمراً مسيحياً سيعقد في بكركي، فشرحنا له الأمر، وقلنا له ما نقل الينا من مخاوف بشأن التشكيلة الوزارية التي ستعين نواباً وتقيم علاقات مميزة مع سوريا، وسيكون جميع النواب موالين لسوريا، ومن يدري اذ ذاك ما اذا كان هناك من سيقول بالانضمام الى سوريا؟ لذلك يجب الاتيان بوزراء لهم رأي وموقف وكفاية، يعرفون ان يقولوا لا لدى الحاجة. وانتهى الحديث بأن يسألوا الرئيس الهراوي ما اذا كان يرى ان ايفاد مطران اليه يجعل مواقفه، اكثر قوة.

ويستطرد: لقد سمعنا في التلفزيون ان الرئيس كرامي شكل الحكومة واعلنها بنفسه وفيها ستة وزراء موارنة وستة سنّة، وستة شيعة و٤ ارثوذكس وثلاثة روم كاثوليك وارمنيان، اما الموارنة فهم: فارس بويز للخارجية، بطرس حرب للتربية، جورج سعاده برق وبريد وهاتف، سمير جعجع وزير دولة، سليمان طوني فرنجيه وزير دولة، ايلي حبيقه وزير دولة، ميشال المر وزير دفاع، ميشال ساسين وزير عمل، اسعد حردان وزير دولة، شوقي فاخوري وزيراً للنقل، نقولا خوري وزير دولة، ألبير منصور وزير اعلام، نديم سالم وزيراً للاشغال العامة، وليد جنبلاط وزير دولة، طلال ارسلان وزيراً للسياحة، مروان حمادة وزيرا للاقتصاد والتجارة دروز، عمر كرامي رئيس وزارة، محمد جارودي وزير الصناعة والنفط، نزيه البزري وزير دولة، جميل كبي وزير الصحة والشؤون الاجتماعية، سامي الخطيب وزير داخلية، زاهر الخطيب وزير دولة للاصلاح الاداري، محسن دلول وزير زراعة، محمد يوسف بيضون وزير الموارد المالية والكهرباء، علي الخليل وزير مالية، نبيه بري وزير دولة، محمد بيضون وزير الاسكان والتعاونيات، عبدالله الأمين وزير دولة، خاتشيك بايكيان وزير عدل، اغوب تشوخادريان وزيراً للشؤون البيئية.

ويتابع صفير:

احتفلنا به وشاركنا المطران ابو جودة والآباء صفير وعويط وعويس وحضره جمهور من المؤمنين. وبعد القداس توجهنا الى القاعة الكبرى حيث قابلنا المهنئين ومن بينهم صلاح مطر، العماد ابراهيم طنوس، العميد يوسف عساف، جورج افرام وكثير سواهم. والقينا عظة وراحت وسائل اعلام الكتائب والقوات تظهر كأنها تستغلها لاظهار عدم رضانا عن الحكومة المشكلة. وقالت انا أوفدنا بطرس حرب لاستمهال اعلان الحكومة لكن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف عمر كرامي لم يعيرا ذلك أي اهتمام، والامر خلاف ذلك.

واتصل وجوه كثيرة بالبطريرك صفير للتهنئة وطلبوا تسهيل مهمته لانها ستكون لاحقاً حكومة حل الميليشيات.

ويتابع الكاردينال صفير رواية ما جرى: من خلال الأحاديث المتبادلة، تبين ان الناس يشعرون بالقلق على المصير، ويتساءلون ما اذا كانت الحكومة الجديدة وهي مؤلفة من ٣٠ وزيراً ستقلع، واذا قلّعت فهي التي ستحل الميليشيات، وتعيّن اربعين نائباً جديداً وتقيم علاقات مميزة مع سوريا. وللقوات والكتائب مآخذ كبيرة عليها، وقد عقدوا اجتماعاً بالأمس في غدراس، مقرّ القوات، حضره جورج سعاده وميشال ساسين، ورئيسه سمير جعجع والثلاثة وزراء معينون، واعلنوا ان الوزارة غير متوازنة وطنياً وسياسياً، وكل وزرائها من الأقضية الأربعة من بينهم موارنة منهم ٤/٦ من الشمال وهم سمير جعجع وجورج سعاده وسليمان طوني فرنجيه وبطرس حرب.

كانت المفاجأة زيارة الرئيس الشاذلي بن جديد للبنان، وقد تمت بعد التشاور مع الرئيس السوري حافظ الاسد.

والزيارة تمت بانتقاله من دمشق الى لبنان، وقد تمت أيضاً عندما انتقل الشاذلي بسيارة لبنانية لا سورية، وقد حرص الرئيس الجزائري على ركوب سيارة عليها علم لبناني ليؤكد على الحدود الفاصلة بين البلدين.

وأبى الا ان يزور بيروت، والا يكتفي بشتورا او بحمدون، على ما ارتأى من بعض السوريين، وعلى ما اقترح بعضهم، لكن الجزائري بلعيد أصرّ على ان تكون الزيارة لبيروت ولو رمزياً، واصرّ ايضاً على ان يعزف النشيدان الوطنيان، ولا يهم الرئيس الشاذلي المظهر الخارجي والبروتوكول والمهم ان يزور الرئيس الهراوي في مقرّه الرئاسي في الرملة البيضاء ولو جلس على كرسي عرجاء وحتى على الأرض تأكيداً للسيادة اللبنانية. وهذا ما حصل فشكر البطريرك صفير له هذه المبادرة وطلبنا منه ان ينقل شكرنا الى سيادة الرئيس، لأنه أراد أن يذكر من تناسى ان لبنان مستقل.

ويرى الكاردينال صفير ان هذه المبادرة الجزائرية اعطت انطباعاً بان اللجنة العربية الثلاثية استعادت بريقها السياسي.

بعد ذلك التقى البطريرك الماروني الدكتور جورج سعاده في بكركي، مع مشاورات اجراها مع الرئيس الهراوي.

وحرص البطريرك على شرح ملابسات الاجتماع على النحو الآتي:

اطلعنا على الاجتماع الذي عقد في غدراس مع جعجع وميشال ساسين وبعض شخصيات، وعلى مقابلته الرئيس الهراوي، وقد قال له ان الوزارة ليست متوازنة سياسيا ووطنيا وانه سيكون محرجا وقد تتخذ قرارات ليست في مصلحة المسيحيين، وقال له انه سيعقد اجتماع لمناقشة الوضع فتمنى الرئيس عليه الا يكون الاجتماع في بكركي محاذرة توريطها، فوعده سعاده بان الاجتماع سيعقد في مكان آخر. وقلنا نحن لسعاده ان الحكمة تقضي في الوقت الحاضر بعدم اقحام بكركي، ما دامت القضية قضية وزارة، ولكن عندما يبرز خطر اساسي يتعلق بالاستقلال والسيادة والحريات، اذ ذاك يصير من واجب بكركي ان تدق ناقوس الخطر.

في ٣١ تشرين الاول عقد لقاء بين الكاردينال صفير والموفد العربي الاخضر الابراهيمي، ودار الحديث حول ملاحظات الرجل القادم لتوضيح بعض المواقف وهي:

١ – خطأ تقدير العماد عون، قبل ١٣ تشرين الاول، بان السوريين لن يهاجموه، ويروي الابراهيمي انه عرض على العماد عون ان يكون وزيراً في الحكومة التي تشكلت، لكنه رفض، ثم عرض عليه تأسيس حزب سياسي ورفض.

٢ – قلنا له: يشعر الناس بأمل من جراء فتح المعابر، وانتشار الجيش اللبناني في المتنين وهبوط سعر الدولار، وهذه مؤشرات نتمنى ان تتكاثر. فقال: كلما كَبُر الأمل، كَبُر خطر الانتكاس لذلك يجب الحذر.

٣ – قلنا له: ما حدث لا يشعر الناس بأننا لا نزال اصحاب قرارنا السياسي واننا ذوو سيادة وطنية واستقلال.

٤ – وقلنا: الجيش اللبناني صفع وهناك ضباط القى عليهم السوريون القبض، فقال: صحيح الجيش صفع ولكن الضباط سيفرج عن معظمهم اليوم او غدا.

٥ – المونسنيور طوران خاطبه هاتفياً الى جدّة وطلب منه اربعة امور:

– انشاء بيروت الكبرى.

– انتشار الجيش اللبناني وحده فيها.

– ازالة الميليشيات ونزع سلاحها.

– تأليف حكومة تمثل الجميع. فقال له الابراهيمي: نحن مع هذه الطروحات لكن الجيش اللبناني لا يزال بحاجة الى مساعدة الجيش السوري لانه لم ينظّم صفوفه بعد ويلتحم تماماً. وقال طوران: يشعر المسيحيون بانهم دون قيادة فأجابه الاخضر: هذا طبيعي ما دام العماد عون اسقط كل القيادات وشتمها وشكك في مصداقيتها ليبقى وحده، واذا وقع له حادث على ما قلنا سابقاً فما تكون النتيجة؟ وهذا ما حدث.