خلال ربع الساعة الأخير التي حاول فيه الأوروبيون إنقاذ الإتفاق النووي الايراني عبر ثَني الرئيس الاميركي دونالد ترامب عن الانسحاب منه، جرت مفاوضات بين ممثلي بريطانيا وفرنسا وألمانيا مع الجانب الاميركي. ونقل مصدر مطّلع على ما جرى في هذه المفاوضات الى مراجع سياسية في بيروت، قبل ايام، وقائع منها تتصل بـ»حزب الله»، وتحديداً – ما وصفه المصدر – بمطالب خاصة بالحزب طرحتها واشنطن في هذه المفاوضات من ضمن سلّة ضمانات طلبتها من الأوروبيين، وأيضاً سلّة شروط وضعتها على إيران، بصفتها أثمان لترامب مقابل عدم انسحابه من الإتفاق النووي.
وبحسب ما كشفه المصدر، فإنه قبل أسبوعين من إعلان ترامب انسحابه من الاتفاق، جَرت مفاوضات على مستوى «المتخصّصين الكبار» من الدول الاوروبية الثلاث مع الجانب الاميركي، أسفرت عن وضع ثلاث وثائق تشكّل العناوين الاساسية لبناء تفاهم اميركي – ايراني، واوروبي – أميركي، تنقذ الاتفاق النووي. حملت الوثيقة الأولى عنوان الوثيقة المركزية وهي ذات صلة بصلب الاتفاق النووي، والثانية عنوان «الوثيقة الجانبية»، وتتعلق بالصواريخ الإيرانية البالستية وآليّات مراقبتها.
أمّا الوثيقة الثالثة فحملت عنوان «الوثيقة الجانبية الرقم ٢» وتتعلق بضرورة مواجهة دور إيران الإقليمي. واللافت أنّ هذه المواجهة كما طرحتها واشنطن، تلحظ بنحو مستقلّ تقريباً، الموقع الخطر الذي يشكّله «حزب الله» داخل هذا الدور.
لم تكن هذه الوثيقة الثالثة من صلب الملفات التي حملها ممثلو الدول الاوروبية الثلاث الى المفاوضات مع الجانب الاميركي، ولكن خلال المفاوضات وافقوا على إضافتها استجابة لرغبة الاميركيين، كمادة للتفاوض، مع مطالبتهم بمراعاة أن يبقى نقاشها في هذه المرحلة، في إطار العموميات.
لقد طلب الوفد الاميركي من الدول الاوروبية الثلاث، في إطار ما عرف بـ»الورقة الجانبية الرقم ٢»، مطلبين اثنين محددين:
ـ الأول، ان «تتعهد» الدول الاوروبية – المقصود فرنسا وألمانيا وبريطانيا- بالتصدي للدور الذي يقوم به الحرس الثوري الإيراني في المنطقة .
ـ الثاني، ان «تتعهد» هذه الدول أيضاً بالتصدي للدور الذي يقوم به «حزب الله» في لبنان.
واعتبر الجانب الاميركي انّ حصوله على ضمانات أوروبية للانخراط في نشاط أممي لكبح نشاط «حزب الله» في لبنان، هو أحد الشروط التي تضعها الادارة الاميركية ضمن سلة شروطها على الأوروبيين للقبول بمساعيهم للتوسّط بين طهران وواشنطن لبقاء ترامب في الإتفاق النووي الأممي مع ايران.
ويلاحظ المصدر، ناقل هذه المعلومات الى بيروت، أنّ الجديد الخطر في طرح الجانب الأميركي، هو انّ إدارة ترامب طوّرت، على نحو خطر، الموقف الاميركي التصعيدي ضد «حزب الله». وذلك، أقله انطلاقاً من زاويتين اثنتين مُستجدتين، علماً أنّ أيّاً منهما لم تكن سابقاً مدرجة في «مآخذ واشنطن» على الحزب:
ـ الزاوية الأولى الجديدة تتمثّل في أنّ الولايات المتحدة الاميركية كانت سابقاً تعتبر نشاط الحزب الخارجي جزءاً من نشاط الحرس الثوري الايراني في المنطقة، أمّا طرحها الأخير ضمن «الوثيقة الجانبية الرقم ٢»، أنها باتت تعتبر «حزب الله» كياناً ونشاطاً موازياً في خطورته على المنطقة، لكيان الحرس ونشاطه، وليس فقط تابعاً له.
ـ الزاوية الثانية، تتصل بأنّ واشنطن كانت سابقاً تركّز مطالبتها على وقف نشاط الحزب خارج لبنان، وتبدي إشارات، مثل الأوروبيين وحتى الخليجيين، للمساكنة مع دوره السياسي و»حتى العسكري ذي الشكل الدفاعي» داخل لبنان. أمّا في آخر موقف لواشنطن، كما تَمظهر ضمن الشروط التي طرحتها على الدول الاوروبية الثلاث للبقاء في الاتفاق النووي الاممي مع إيران، فإنها (أي واشنطن) طلبت تعهداً أوروبياً بالتصدّي لمجمل الدور الذي يقوم به «حزب الله» في لبنان.
ويلفت المصدر عينه، في هذا المجال، الى نقطة مهمة، وهي أنّ كلّاً من وزير الخارجية الاميركي الجديد بومبيو، ومستشار الأمن القومي جون بولتن يقفان وراء تطوير المفهوم الاميركي التصعيدي ضد «حزب الله» في المنطقة وفي لبنان. ويقول المصدر انّ بومبيو وبولتن، حرصا خلال التفاوض الاميركي – الاوروبي على مستوى الموظفين الكبار في شأن إنقاذ الاتفاق النووي، على إبقاء آرائهما النهائية في هذا الملف غامضة.
وكان هذا الامر محلّ شكوى أوروبية وصلت الى ولادة استنتاج في كواليس الاتحاد الاوروبي يفيد أنّ البيت الأبيض، وبدفع طاقمه المعيّن حديثاً، مارس في مناسبة نقاش إعادة التجديد للاتفاق النووي الايراني، ضغوطاً على اوروبا تحت عنوان نيل «ضمانات»، وليس فقط على طهران تحت عنوان «شروط». وإنّ تعاظم هذه الشكوى داخل أوروبا هو الذي دفع ترامب أمس الأول الى القول إنّ انسحابه من الاتفاق لا يستهدف الاوروبيين.
وفي العودة الى وقائع مفاوضات الدول الاوروبية الثلاث والجانب الاميركي في شأن موقع «حزب الله» داخل سلة الضمانات التي طلبتها من الاوروبين، للبقاء في الاتفاق النووي، يكشف المصدر عينه عن أنّ ممثلي بريطانيا وفرنسا وألمانيا في تلك المفاوضات، تحفّظوا عن طلب الجانب الاميركي تقديم «تعهّد بالتصدي لدور «حزب الله» في لبنان»، معتبرين انّ هذا الطلب يحمل تغييراً سياسياً في جوهر المقاربة المتّبعة لدى دولهم في شأن موضوع «حزب الله».
وعليه، فإنّ الموافقة عليه تحتاج للعودة الى المستوى السياسي الأعلى في بلادهم. ومع إصرار الجانب الاميركي على طلبه، تمّ التوافق على إحالته للمناقشة في اللقاءات المرتقبة قريباً على مستوى وزراء خارجية الولايات المتحدة والدول الاوروبية الثلاث، وحتى إذا اقتضى الأمر على مستوى رؤساء هذه الدول.
السؤال الذي طرحته مراجع سياسية اطّلعت على هذه المعلومات، هو، أولاً عن الإنعكاسات التي قد يحملها هذا التغيير في رؤية اميركا لمحاربة الحزب سياسياً داخل لبنان، على مرحلة ما بعد الانتخابات في لبنان. وثانياً ما اذا كانت أوروبا ستنصاع للرؤية الاميركية الجديدة في هذا المجال، كثَمن لقبول ترامب بقاء مسعاها التوسّطي لتطويق تداعيات انسحابه من الاتفاق النووي.
وينقل المصدر عن كواليس سياسية أوروبية، انّ بريطانيا وفرنسا وألمانيا مضطرّة في مرحلة ما بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الى رفع منسوب تصعيد سلوكها تجاه «الحزب» لإرضاء واشنطن، التي باتت تعتبر هذا التصعيد نوعاً من الضمانات التي تطلبها لإبقاء الباب مفتوحاً امام الوساطة الأوروبية في موضوع استدراك نتائج خروج ترامب من الاتفاق النووي.
وثمّة اتجاه لدى الدول الاوروبية الثلاث لبدء تحرّك في الوقت القريب مع لبنان لإنجاز «حل وسط» بين ما يمكن تحقيقه في ملف «حزب الله» وبين ما تريده واشنطن، وقوامه المُسارعة في فتح النقاش في الاستراتيجية الوطنية الدفاعية، شرط أن تكون لها أجندة عملية مُقنعة للغرب، وذلك عبر وضع هدف لها كمرحلة أولى يتعلق بإيجاد آليّات تُفضي إلى موافقة الحزب على تسليم قرار سلاحه السياسي، وليس سلاحه، الى الدولة اللبنانية، على أن يترك موضوع نزع سلاحه الى حين توافر ظروف إقليمية ودولية مؤاتية.