IMLebanon

وقائع من الحرب والسلم من بوسطة عين الرمانة الى زمان الحوار

 

قبرصة لبنان انهارت امام الخلافات المذهبية والطائفية

ووحدة البلاد تقوى على الفرقة وتصمد امام خطر الانهيار!!

كان لبنان يتغير، وكان اللبنانيون في حيرة من امرهم. اسرائيل تلوح بالعدوان عليه، والمواطنون يتمسكون بأرضهم والوطن.

في تلك الحقبة، نقل الرئيس سليمان فرنجيه الى مستشفى الجامعة الاميركية، ووقعت حادثة بوسطة عين الرمانة. سمع الرئيس اللبناني اخبارا غير مطمئنة في الاذاعات الدولية. لا من اذاعة لبنان عن معركة اودت بحياة لبنانيين وفلسطينيين كانوا يمرون في محلة عين الرمانة متوجهين من مخيم تل الزعتر الى مخيم شاتيلا او بالعكس.

وطالبت الاحزاب اليسارية حزب الكتائب بتسليم المتهمين بالقتل. الا ان وزير الدفاع الاسرائيلي ارييل شارون راح يطالب بترحيل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، وفجأة تطورت الامور واجتاحت تركيا القسم الشرقي من قبرص، والذي تقيم فيه الجالية القبرصة من اصول تركية ويونانية وطردت القبارصة من جذور يونانية وانقسمت الجزيرة المواجهة للساحل اللبناني الى قسمين وشاع في العالم خبر تقسيم قبرص، القسم اليوناني بزعامة المطران مكاريوس، والقسم التركي برئاسة رؤوف دنكطاش زعيم القبارصة الاتراك.

في تلك الحقبة اقيمت الملاجىء في القسم اليوناني ونشأت في نيقوسيا العاصمة القبرصية مخيمات لاستيعاب القبارصة اليونانيين الهاربين من القسم التركي، ومن المدن الكثيفة بالسكان ولا سيما من فماغوستا اجمل المدن اليونانية في القسم التركي واضحت العاصمة القبرصية عاصمتين لا عاصمة واحدة. واصبح مطار العاصمة القبرصية مقفلا.

وانتقلت الملاحة الجوية، من قبرص الى مدينة صغيرة تدعى لارنكا وهي ميناء صغير تجاه الساحل اللبناني.

وعندما سافر وفد لبناني الى قبرص، حاملا اليها المساعدات بادرهم زعيم الجزيرة الرئيس مكاريوس: اليوم حطت المؤامرة عندنا وغدا احذروا من قبرصة لبنان لان الفصل الثاني من المؤامرة سيكون في بلدكم.

ويقول مرجع لبناني. ان المنظمات الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، وجورج حبش ونايف حواتمه واحمد جبريل والحركات الاسلامية في لبنان والاحزاب اليسارية بزعامة الاستاذ كمال جنبلاط والاستاذ محسن ابراهيم رئيس حركة القوميين العرب، وجدوا في حادثة بوسطة عين الرمانة فرصتهم التاريخية للقضاء على النظام اللبناني، ووجدوا في عزل حزب الكتائب اللبنانية عن الحياة السياسية مناسبة لهيمنة اليسار اللبناني على البلاد.

طالب الفلسطينيون يومئذ بحكومة جديدة في لبنان لتحل مكان حكومة رشيد الصلح، وبتكليف الرئىس رشيد كرامي برئاستها. وتوجه الرئيس فرنجيه والرئىس كرامي الى دمشق، ومعهم الوزير السابق للخارجية لوسيان دحداح، ووضعوا الوثيقة الدستورية لتنظيم الحياة السياسية في لبنان، الا ان المنظمات احرقتها سياسيا، وشجع اليسار ضابطا لبنانيا صغيرا، هو الملازم احمد الخطيب على اعلان انشقاقه عن الجيش، لكن منظمة التحرير الفلسطينية دفعت اعلى ضابط لبناني مسلم في الجيش هو العميد عزيز الاحدب الى اذاعة البلاغ رقم واحد، وكان قائدا لموقع بيروت العسكري وطالب باستقالة الرئيس فرنجيه.

الا ان هذا الانقلاب عاش ٤٨ ساعة، وسيطرت الفوضى على البلاد وبادر العقيد انطوان دحداح الى اعلان حركة مناهضة للاحدب. بعد ذلك، بدأ الصراع بين حافظ الاسد وياسر عرفات على الهيمنة السياسية في الوطن الصغير واصبح الرئىس السوري حافظ الاسد المفاوض الاول باسم القيادات الاسلامية واليسارية، وبقي ابو عمار الرجل الاقوى على الساحة اللبنانية، بزعامة اليسار ممثلا بالاستاذ كمال جنبلاط والاحزاب اليسارية والشيوعية.

نشأت بعد ذلك حركة تسلح واسعة في لبنان، ونشأ عهد الرئيس الياس سركيس بتأييد من زعماء الموارنة سليمان فرنجيه وكميل شمعون وبيار الجميل وحضر دين براون موفد الوزير الاميركي هنري كيسنجر عارضا على المسيحيين السفر الى دول الغرب واميركا للاقامة هناك وترك لبنان وطنا بديلا للفلسطينيين، ونشأ خلاف حاد بين الرئيس سركيس ومعه مدير المخابرات الللبنانية جوني عبدو والفلسطينيين واليساريين.

الا ان انعقاد مؤتمر قمة عربي في الرياض، بحضور الرئيس سركيس، ومعه شاب من الطائفة السنية هو الدكتور سليم الحص خلق معادلة ارسال ثلاثين الف جندي عربي الى لبنان، وقال يومئذ حافظ الاسد للملوك والرؤساء العرب ارسلوا ما تريدون من جيوش وانا اتكفل بعدد الجنود الباقين، وهكذا هيمنت القوات السورية على لبنان، واصبحت قوات الردع التي نشأت بقيادة اللواء احمد الحاج قوة ردع سورية بقيادة الوزير سامي الخطيب، بعد استقالة الضابط الذي اختاره رئىس الجمهورية من منصبه، وجد نفسه غريبا عن القيادة السورية للردع بعد انسحاب القوات العربية الاخرى منها.

حدثت مناوشات، بين الجيش اللبناني والجيش السوري، في محلة الفياضية وارسل الرئىس سركيس الرئيس سليمان فرنجيه الى دمشق، لاقناع صديقه حافظ الاسد بمخرج للازمة التي قتل فيها الجيش اللبناني، عددا من الضباط والجنود السوريين.

الا ان معركة بوسطة عين الرمانة استقرت على تسليم مطلوبين للعدالة من اهالي عين الرمانة الى السلطة. لاحتواء الصراع، وتبعها صراع بين سلطة الرئىس الياس سركيس والسلطة الكتائبية، بدأت بخلافات بين الجيش اللبناني بقيادة فيكتور خوري والميليشيات اليمينية بقيادة الشيخ بشير الجميل. الا ان العداء تحول اقتناعا في نهاية العهد بتسليم السلطة الى قائد القوات اللبنانية والتسليم بانتخابه رئيسا للجمهورية ليخلف الياس سركيس في رئاسة الجمهورية.

كان بشير الجميل مصمما على الوصول الى الرئاسة، وفرض هيبته على السياسيين لانتخابه، ووحده النائب الدكتور البير مخيبر رفض اقتراحه، وقاوم انتخابه وبعد المعركة قصده بشير الجميل في داره الكائنة في مسقط رأسه بيت مري وهنأه على شجاعته. وان قال بعض النواب، انه لو سقط بشير الجميل في اكتمال النصاب لكان له موقف آخر.

تسلح بشير الجميل بمواقفه، ولبى دعوة مناحيم بيغن الى نهاريا وطالبه بمعاهدة سلام، مع اسرائىل، الا ان بشيرا رفض الطلب، لانه اصبح رئيسا للجمهورية ولا يملي عليه احد المواقف، الا بعد التشاور مع مجلس النواب الذي انتخبه، وكان يتكىء على الاميركان الذين كانوا يحلمون بوجود رئيس قوي في لبنان.

عاد الرئيس بشير الجميل من نهاريا وارتفعت اسهمه السياسية في لبنان، لكنه في ١٤ ايلول، اغتيل بانفجار استهدفه، مع شلة من قيادته واصدقائه في الاشرفية وجرى تشييعه في بيروت ووقف النائب ادمون رزق، والقى خطابا، اعلن فيه ترشيح شقيقه الشيخ امين الجميل لرئاسة الجمهورية، ومن ابرز ما فعله اختياره للرئيس حسين الحسيني ليكون رئيسا لمجلس النواب، وتأليفه حكومة تكنوقراط من ابرز وجوهها الوزراء الدكتور ايلي سالم نائبا لرئىس مجلس الوزراء، ووزير الاعلام روجيه شيخاني ووزير الدفاع والتربية النقيب عصام الخوري والمحامي ابراهيم حلاوي ممثلا للزعيمين الشيعيين كامل الاسعد وكاظم الخليل والمهندس بهاء الدين البساط عن الطائفية السنية.

وشكل البرلمان اللبناني لجنة دفاع برلمانية برئاسة ايلي الفرزلي للتحقيق في صفقات الاسلحة.

لم تكن الدرب سهلة امام الرئيس امين الجميل، فقد واجه في عهده معارضة داخل القوات اللبنانية قوامها ايلي حبيقة وكريم بقرادوني، وواجهته ايضا ازمة اخراج المسيحيين من قضاءي عاليه والشوف بزعامة سياسية جديدة للاستاذ وليد جنبلاط، ولا يخفى عن هذا الواقع ازمته مع سوريا، ولا سيما ترؤس الشهيد ايلي حبيقة وفدا لبنانيا كبيرا الى سوريا ضم وجوها بارزة مثل الوزير السابق فؤاد بطرس لطي صفحات الخلاف بين المسيحيين والسوريين، وكان المحامي كريم بقرادوني الى جانبه، واصبح فيما بعد رئيسا لحزب الكتائب اللبنانية.

وتخلل تلك الحقبة، صراعات صعبة لعب الوزير السابق ميشال سماحة ادوارا فيها قادته الى ان يصبح حليفا للرئيس بشار الاسد، بعد وفاة الرئيس حافظ الاسد.

ويقول جوزف ابو خليل في كتابه عمري، عمر لبنان انه وسط تلك الاجواء كان انتخاب الشيخ امين الجميل خلفا للرئيس الشهيد بشير في ٢١ ايلول ١٩٨٢، وبما يشبه الاجماع: ٧٧ صوتا من اصوات النواب ال ٨٠، اما الثلاثة الباقون فقد صوتوا باوراق بيضاء. انه اجماع على الشخص كما على برنامجه الذي يرمي الى استكمال عملية اخراج الجيوش الاجنبية من الاراضي اللبنانية، واحلال الامن، والعمل على احياء الدولة ومؤسساتها. وهذا ما تعهد به الرئيس الجديد في خطبة القسم واصفا مهمته بالمغامرة. مغامرة الانقاذ، لمعرفته التامة بانه يرث ازمة استهلكت ثلاثة عهود من عمر الجمهورية وتعاقب على التصدي لها من دون طائل اربعة رؤساء قبله كان شقيقه الرئيس المنتخب بشير آخرهم وقد كلفته المغامرة حياته. قال له الرئيس الراحل الياس سركيس وهو يتبادل واياه مراسم التسلم والتسليم: ليس هناك ما تتسلمه الا ما في ضمائر اللبنانيين من امل ورجاء. فالبلد كفّ عن ان يكون بلدا واضح المعالم ثابت الوجود، فيما الجمهورية قد اصبحت طقوسا فقط وذكريات. واما السلطة – السلطة الوطنية والشرعية طبعا – فمقصية منذ زمن عن الاراضي اللبنانية كلها. وقد كان من المفترض، لدى تسلم الرئيس الجميل مسؤولياته وتشكيل حكومته الاولى، ان تبدأ السلطة الشرعية تؤكد وجودها وحضورها من مكان ما على الاراضي اللبنانية، من المناطق المسيحية، مثلا، او المحررة. او ان تبدأ هذه المناطق نفسها تعود الى كنف الشرعية طالما ان لا جيوش اجنبية او غير لبنانية تمنع هذه العودة وتحول دونها. منطق الامور يحكم بذلك، تماما كما كانت الحال لو اتيح للشيخ بشير ان يتسلم مسؤولياته ويبقى، وكان قد بدأ يعلن ويقول لدى انتخابه: لن احكم بجيشين بل بجيش واحد هو جيش الشرعية. والا لماذا كان الترشح لرئاسة الجمهورية ان لم يكن لبسط السلطة الشرعية الوطنية حيثما يتاح لها ذلك؟ ومن اين تبدأ هذه العملية اذا كانت المناطق الشرقية نفسها تضيق بها وتقف حائلا دونها؟

كان اغتيال الرئيس بشير الجميل، بما فرضه من مظاهر قوة للرئاسة. ومن ادوار سياسية مثلها رئيس مجلس النواب يومئذ كامل الاسعد، نهاية فرصة لعبور الدولة من الفراغ الى الانقاذ، ويقول ابو خليل: لا اذيع سرا اذا قلت ان ثمة من كان يشجع الشيخ بشير في قيادته للقوات اللبنانية على الانفصال عن الكتائب او الاستقلال الكامل عنها وعن طروحاتها في الصيغة التي لا بديل منها، اي صيغة العيش المشترك التي ترى اليها القوات على انها ماتت وتم وضع حجر فوق قبرها لا تقوم. ويضيف: وفي اي حال جاء اغتيال الشيخ بشير ليكشف عظم الخطأ المتمثل في انشاء القوات اللبنانية وفي ما اعطيت هذه القوات من سلطة وصلاحيات وامكانات حتى لتكاد تكون لاغية لما عداها من احزاب وتنظيمات في المناطق الشرقية او المسيحية، ولأي مرجعية سواها بما فيها الكتائب بالذات. لم اشارك شخصيا في المباحثات التي انتجت هذا الخطأ، او هذا المخلوق، ولا سألني احد رأيي فيه، لكنني لم اكن معترضا، شأني شأن كل الذين لم يروا في الامر خطأ الا بعد انتخاب الشيخ امين الجميل رئيسا للجمهورية بما يشبه الاجماع واقدامه على تشكيل حكومة نالت ثقة المجلس النيابي بما يشبه الاجماع ايضا وكان السؤال: لمن السلطة في المناطق الشرقية؟. منطق الامور يقضي باعادة ما للدولة للدولة، وباعادة السلطة وادواتها كلها الى الشرعية الدستورية. وذلك كان موقف الكتائب، او هكذا كانت قد تصرفت لو كان الشأن لا يزال شأنها هي كما في السابق. في اي حال لم يكن سهلا على القوات بطبيعة الحال ان تتنازل عن نفسها او على الاقل عما في يدها من السلطة وادواتها، ولا كان سهلا ايضا وابدا على الشرعية الدستورية ان ترغمها على ذلك. وقد آثر الرئيس امين الجميل التريث في الامر ريثما يتم اخراج الجيوش الاجنبية كلها من الاراضي اللبنانية.

كان اغتيال بشير الجميل في موقع قيادته، اي في مقر حزب الكتائب، على يد محازب ينتمي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي حداً فاصلاً بين الحزب الذي اوصل رئيسين للجمهورية في اسبوع واحد، وبين الدولة التي لا تتحمل حزباً يحاول الحلول مكان الدولة.

اختار بشير الجميل رفاقه الاساسيين لمساعدته، والنائب سليمان العلي، ليكون اول رئيس لمجلس الوزراء في عهده، لكنه كان ينوي اختيار الرئيس رشيد كرامي ليحكم معه لبنان. الا ان اغتياله قضى على احلامه، مع انه اوفد اليه النائب المرحوم موريس فاضل حاملاً اليه عرضه.

وهذا يؤكد ان اي فريق سياسي لا يستطيع حكم لبنان وحده، بل يتطلب توافقا بين المسلمين والمسيحيين، وهذا ما يعرقل انتخاب رئيس جمهورية الآن.

الا ان الرئيس امين الجميل اختار الرئيس شفيق الوزان صاحب شعار الحكم مشاركة لا مشاكسة ليرئس الحكومة الاولى في عهده، على الرغم انه كان له رأي آخر، لكنه اكتشف انه لا يستطيع تجاوز اسم رئيس المجلس الاسلامي المعروف باعتداله ورصانته. بعد تجاربه السياسية الناجحة في عهد الرئيس الياس سركيس.

المعركة تكبر ولا تصغر

الا ان الرئيس نبيه بري يمثل الآن دوراً سياسياً لامعاً، بدعوته الى الحوار في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة بين تيار المستقبل وحزب الله على الرغم مما بينهما من ثغرات. ففي العام ٢٠٠٥، اغتيل الرئيس رفيق الحريري بين السان جورج وفندق فينيسيا، بعد حضوره جلسة نيابية لاقرار قانون انتخابي يمهّد لمحاصرته شعبياً، بعد تعذّر التوافق بينه وبين الرئيس اميل لحود.

الا ان الصراع كبر، بعد توجيه تهمة اغتياله الى خمسة من حزب الله تجري محاكمتهم غيابياً في لاهاي، على الرغم من ان الحزب احجم عن تسليم المتهمين للمحكمة، لكن محامين كباراً في العالم يتولون الدفاع عنهم في المحكمة الدولية.

الا ان التوقيع على الاتفاق النووي بين ايران والدول الغربية ٥١ فرض هدنة سياسية بين الولايات المتحدة وايران، لكن الحرب السياسية استمرت بين تيار المستقبل وحزب الله كما استمرت في اميركا بين الجمهوريين والديمقراطيين.

وهذا ما اخاف الجميع، على مستقبل الحوار، لكن الرئيس بري وجد اسباباً سياسية لاستمرار الحوار البيزنطي، من دون الخوف على بقاء الحوار قائماً في عين التينة.

حرص الرئيس الجميل في السنتين الاخيرتين من ولايته، على عدم تعريض البلد لاي خضّة داخلية، تزيد اوضاعه الأمنية والسياسية تدهوراً، وخصوصا عندما ساءت العلاقة بين العماد ميشال عون وقائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع جرّاء التسابق بينهما على الإمساك، عسكرياً وسياسياً، بما كان يُعرف بالمناطق الشرقية. اقتضى الامر غير مرّة ان يتدخّل الرئيس الجميّل شخصياً في هذا النزاع منعاً لانفجاره، مستعيناً بعلاقاته مع القيادات السياسية والروحية من جهة، ومن جهة ثانية بسلطاته على المؤسسة العسكرية والاجتماعات التي كان يعقدها لهذه الغاية مع الضباط وقادة الألوية، محذّراً إياهم من اي تورّط عسكري هو في النهاية هزيمة للجانبين معاً واستباحة لأمن هذه المناطق وسلامها. كما يقول جوزف ابو خليل، ويضيف: سعى لدى اقتراب الموعد الدستوري لانتخاب رئىس الجمهورية الى الحدّ الادنى من التوافق على الشخص الملائم في تلك الظروف، وبخاصة بعد تدخل واشنطن وإيفاد مبعوث لها الى دمشق عاد منها ليعلن من بيروت ما استنتجه من محادثاته مع القيادة السورية: اما النائب مخايل الضاهر وإمّا الفراغ. فبدا الأمر لدى كل من تبلّغ هذه النتيجة إمعاناً في التسلّط.

حاول الرئيس الجميل في الساعات الأخيرة إنقاذ الموقف بالانتقال شخصياً الى دمشق والتشاور مع الرئيس السوري حافظ الاسد حول مخرج لهذا التحدّي المتبادل خلاصته ان يعود الرئيس الجميل من العاصمة السورية مصحوباً بالنائب مخايل الضاهر للالتقاء بالزعماء والقادة المسيحيين المجتمعين في بكركي لهذه الغاية. فيكون هذ اللقاء بمثابة توافق وطني على البرنامج السياسي للعهد المقبل، كما على شخص النائب الضاهر الذي لا اعتراض على ترشيحه للرئاسة بل على الطريقة الإملائية التي اتبعت في هذا الترشيح. ما إن بدأ الاجتماع بين الرئىسين اللبناني والسوري حتى جاء من يبلغهما ان ثمة اجتماعاً ينعقد في اللحظة نفسها بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع في وزارة الدفاع رغم ما بينهما من خلافات، الامر الذي اعتبره الرئىس السوري مؤشراً لعمل يبطل المخرج المحكي عنه من الاساس.

كان ذلك اللقاء في نظر الرئيس السوري انقلاباً عسكرياً على الرئيس الجميل. ويتابع ابو خليل الرواية بقوله:

قفل الرئيس الجميل راجعاً مباشرة الى بكركي ليبلغ الى المجتمعين وقائع ما حدث، وليعود لاحقاً الى قصر بعبدا لتدارك عواقبه الدستورية والوطنية. وقبل منتصف ليل ٢٢ ايلول ١٩٨٨ بدقائق، وبعد آخر محاولة لتشكيل حكومة سياسية جامعة تتولى السلطة الاجرائية ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وقع الرئيس الجميل مرسوماً بتشكيل حكومة سداسية من قائد الجيش ميشال عون وأعضاء المجلس العسكري، وعلى أساس ان هذا المجلس يمثل المسيحيين والمسلمين معاً فضلاً عن انه يملك من القدرة ما يمكّنه من تحقيق الحد الادنى من الأمن ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وتطوى صفحة من تاريخ الازمة اللبنانية المتمادية لتفتح صفحة اخرى هي أسوأ من سابقاتها، وليس مبالغة القول ان ما حاول الرئيس امين الجميل تحقيقه كان سابقاً لأوانه – ان صحّ القول – او قبل اوانه. فستستمر الازمة من بعده، وسيتوالى عليها رؤساء آخرون أقلّ منه تشدداً في الامور المتصلة بالسيادة والاستقلال نشداناً للحدّ الادنى من الامن والاستقرار. فلا كان امن ولا كان استقرار ولا كانت نهاية لحروب الآخرين على اراضيه كما كان الامل والرجاء.

وهذا ما يأخذه المراقبون الآن، على الرئيس العماد ميشال سليمان لأنه لم يترك البلاد في عهدة المجلس العسكري، عوضاً عن السعي الى تجديد ولايته بالانتخاب المباشر من مجلس النواب ولو كان ذلك مخالفا للدستور، لأنه وصل الى الحكم سابقاً بطريقة مغايرة للدستور.

وفي رأى ابو خليل ان لبنان، بطل ان يكون وطناً من فرط ما اصابه من تصدّع او ما تعرض له من اعتداءات. فالى اين هذا كله، بل الى اين وقد اصبح اشبه بصحراء بلا اطراف؟ كما لم يكن سهلاً عليّ أيضاً وأبداً ان اتخطى فاجعة اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل في عزّ صعوده في العام ١٩٨٢، ومعه اغتيال مشروع تحرير لبنان كله واقامة الدولة القادرة والمستهابة، ومن بعدها غياب من كان عندي المعلم والقدوة والمثال وأعني به الشيخ بيار في العام ١٩٨٤، ومن بعدهما أيضاً اضطرار الرئيس امين الجميل الى الرحيل عن الوطن بعد تهديده بالقتل هو وعائلته ان لم يرحل هو وعائلته ويعجّل في الرحيل. فماذا ايضاً لو ضاق حزبي الذي اعطيته عمري بوجودي، فأوفد اليّ من ينصحني بالرحيل حفاظاً على وجودي بالذات؟

ويخلص جوزف ابو خليل بعد هذا الفصل من روايته الى القول:

تلك كانت حالي عشية الثامن من تشرين الأول ١٩٨٨ عندما ودعت رفاقي وزملائي في العمل بعد عشرين عاماً من الكد المشترك كانت عندي الأحلى من ايام عمري على رغم ما تخللها من متاعب ومخاوف وحرمان وتحديات. وهذا ما كان يؤلمني مضافاً اليه ذلك الاحساس بالفراغ الذي بدأ يلفني من كل جانب بعد عشرين عاماً ايضاً من الامتلاء الكامل. فكيف املأ نهاري بعد هذه الاستقالة الالزامية، وكيف اقوم بأود بيتي وعائلتي. ورحت الوم نفسي على ترفعي، بل على كبريائي، لأنه لم يكن مطلوباً مني ان اغادر الجريدة في صورة نهائية، بل فقط ان أكف عن الكتابة وعن ان اكون رئيس التحرير والباقي يبقى على حاله ولم اقبل. لم اقبل ان اكون رقماً زائداً في الجريدة او عبئاً عليها او ضيفاً ثقيلاً او شاهد زور. اذن، انا عاطل ع العمل يعجبني الامر او لا يعجبني، مع كل ما تنذر به هذه العبارة من اهوال وأوجاع ومخاوف على نفسي وعلى عائلتي، وخصوصاً انني من الناحية المهنية لا اتقن الا مهنة واحدة – ان صحّ اعتبارها مهنة – وهي العمل السياسي في الكتائب، وفي الكتائب فقط. وبهذا المعنى مارست الصحافة، وفي جريدة العمل الناطقة بلسان الكتائب فقط اي كسياسي وليس كصحافي. فليس وارداً بطبيعة الحال ان امارس هذه المهنة في حزب آخر او في جريدة اخرى، انني والحق يقال في طريق مسدود.