في مقابل السيناريو المرتفع الاحتمالية بنسبة عالية الذي يؤكد أنّ جلسة ٣١ الشهر الجاري ستشهد انتخابَ الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، يتمّ تداول «سيناريو الاحتمالية المتدنّية نسبة تحقّقها» إلى حدٍّ كبير، ويطلق عليه «سيناريو المفاجأت» حسب توصيف مصادر لبنانية معارِضة لخيار عون، ومعها مصادر ديبلوماسية تراقب مشهدَ ملء الشغور الرئاسي من دون أن تُمارس بالضرورة محاولات مباشرة للتأثير عليه.
ثمّة أكثر من نقطة مركزية يركز عليها اصحاب هذا السيناريو، وذلك وفق ما ظهرت في كواليس سياسية وديبلوماسية في بيروت خلال الساعات الـ٤٨ الماضية:
الأولى تفيد أنه حتى اللحظة، يظلّ عنصر المفاجأة وارداً بخصوص جلسة ٣١ الشهر الجاري ولو ضمن خانة الاحتمالية المتدنية. ويبقى لهذا الاحتمال الاخير مبرّرات، طالما لم تنتفِ ثلاثة اسباب تغذّيه، وهي استمرار النائب سليمان فرنجية مرشحاً، استمرار دعم الرئيس نبيه برّي له، واستمرار ضبابية الموقف الخارجي من ترشيح عون، لأنّ ذلك يبقي الباب مفتوحاً أمام استمرار حالة تفاعل عدم الحسم اليقيني لكيفية توزع الاصوات داخل كلّ كتلة نيابية وحتى لجهة موقف بعض الكتل.
وربما كان كلام الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله مع عون لدفعه إلى القبول بتأجيل بسيط لجلسة الانتخاب لا يرمي فقط لتحصين العهد سياسياً عبر ضمّ برّي اليه، بل أيضاً لتحصين جلسة انتخابه من ايّ مفاجأت.
النقطة الثانية تتعلق باستمرار وجود جوّ معتبر داخل ملف الاستحقاق الرئاسي، يُسمى بـ»بيئة التصويت النيابية العائمة» والى جانبها «المتردّدة».
وهذان المصطلحان هما توصيف لبيئة النواب والكتل المتردّدة في حسم خيارهم الانتخابي في جلسة ٣١ ت١، وذلك في انتظار إمكانية استيضاح ما اذا كانت ستصل كلمة سرّ خارجية في شأن الاستحقاق الرئاسي في اللحظة الاخيرة، والتي عادة ما يكون توقيتها وفق سوابق ماضية قبل ٢٤ ساعة فقط من عقد جلسة الانتخاب.
وبحسب هذا السيناريو، هناك افتراض لكن من دون مستمسكات مادية لنفيه او تأكيده، أن تصل في اللحظة الأخيرة كلمة سرّ اميركية سعودية اعتراضية على زرع إيران علم النصر في لبنان عبر انتخاب مرشح حليفها «حزب الله» لرئاسة الجمهورية، خصوصاً أنّ هذا النصر يأتي في وقت يسوده خلل متعاظم، وينبغي وقف تمدّده، لصالح طهران داخل توزيع الحصص الاقليمية في المنطقة، ذلك أنّ إنجاز إيران اللبناني الرئاسي، يتزامن مع نجاح طهران بمشاركة أميركا في وضع علم النصر على الارهاب الداعشي في الموصل، ومشاركة موسكو في وضع علم النصر في معركة حلب التي تؤكد معلومات انها تثير غضب البنتاغون وأنّ فكرة فتحها هي بالأساس إيرانية والتحقت بها روسيا!
ودائماً من باب عدم استبعاد تحقق الافتراضية المتدنية نسبة احتمالية حصولها، يدرج القائلون بـ«سيناريو المفاجأة» المعطيات الآنفة الخاصة بتوصيف الوضع في المنطقة ليستنتجوا إمكان أن تقوم واشنطن بدعم سعودي قد يستجد، «بسرقة» مسار جلسة ٣١ الشهر الجاري على طريقة أن ينام عون رئيساً ليستفيق داخل الجلسة على نتيجة أنّ فرنجية رئيس.
وضمن البحث الصعب الذي يمارسه المراهنون على تحقق سيناريو المفاجأة، تبرز ثلاث معلومات شاعت في الساعات الأربع والعشرين الماضية تزامناً مع اطلالة فرنجية التلفزيونية، ولكنها كلها تقارب أن تكون اشاعات أكثر منها معلومات يُركن اليها:
الاولى تفيد أنّ السفير السعودي السابق في العراق وزير الدولة لشؤون الخليج تامر الشبهان، سيصل الى لبنان كموفد سعودي رسمي ليواكب مسار الانتخاب الرئاسي.
وهناك قراءتان لوفادته إحداها تتّكئ على رمزية موقعه داخل الديبلوماسية السعودية بوصفه من صقور المتشدّدين ضد إيران، لتستنتج أن إيفاده شخصياً يرسم علامة استفهام عمّا إذا كانت مهمته انقلابية، والثانية ترى أنّ حضوره مع ما تعنيه رمزيّته، يشكل رسالة مباركة لخيار الحريري مع إشارة واضحة الى أنّ السعودية ماضية في مقارعة النفوذ الإيراني في لبنان، وأيضاً مقارعة «حزب الله» الذي أقرّ مجلس الوزراء السعودي أخيراً حزمة جديدة من الإجراءات ضده.
ولكن في الأصل، فإنّ متابعة معلومة إيفاد الشبهان الى بيروت، تظهر أنها لا تزال غير مؤكدة، حيث إنّ الجهات السعودية المعنية بإبلاغها بوصوله، لا تنفي احتماله، ولكنها تؤكد أنها لغاية الآن لم تتلق أيّ إشعار رسمي بذلك.
المعلومة الثانية، تطرحها المصادر عينها من باب التساؤل عن خلفية السبب الذي جعل نصر الله يخاطب قواعد التيار العوني لوقف التشكيك في نوايا الحزب تجاه انتخاب عون رئيساً. ويشي كلامه العلني باستعداد نواب الحزب لكشف أوراقهم عند إنزالها في صندوقة الاقتراع، أنّ نصرالله يعتقد بوجود أزمة ثقة مع قواعد «التيار» وأنّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع نجح في تسعيرها بعد تفاهم معراب.
ومن جهة أخرى يشي بأنّ نصرالله يخشى من مفاجأة خلال الاقتراع، هدفها الأساس الوصول الى هدف اكبر من إسقاط عون، وهو دق إسفين شقاق بين الرابية وقاعدتها الاجتماعية و»حزب الله».
وفي نظر الحزب فإنّ هذه خطة أميركية قديمة وصاحب نظريّتها هو جيفري فيلتمان الذي كشف عنها لأقطاب «١٤ آذار» بعد أشهر قليلة من تولّي الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة.
آنذاك أبلغ فيلتمان المجتمعين في «بيت الوسط» أنّ المهمة الوحيدة ذات الجدوى التي عليهم القيام بها ليست عودة الحريري الى رئاسة الحكومة أو ما شابهها من المهام، بل هي حصراً العمل بوسائل الإغراء والضغط لإبعاد عون ولو سنتمتراً واحداً عن نصرالله.
خلاصة القول إنّ اقتراح نصرالله بالتصويت بأوراق مكشوفة يمكن قياس خلفياته من وجود خشية لدى حزب الله بإمكانية حدوث مفاجأة غير محسوبة خلال الجلسة قد يكون وراءها مكيدة تخدم نظرية فيلتمان.
المعلومة الثالثة، تسرّبت إلى أوساط ديبلوماسية وسياسية في بيروت وتتحدّث عن إجراء بوانتاج على أساس فحص عميق لنوايا النواب ولما يمكن أن يكون موقفهم في حال حصول عدة مستجدات محدّدة، وليس فقط على اساس مواقفهم في اللحظة الراهنة.
وتفيد نتائج هذا البوانتاج الآتي: ٦١ لفرنجية و٦٦ لعون… مع إضافة عبارة والمفاجآت على الطريق! ويظهر التدقيق بالمعلومة الآنفة أيضاً أنها أقرب لأن تكون إشاعة منها لواقعة، ذلك أنّ «بيئة النواب العائمة» التي بدت أنها محلّ رهان عليها لتحقيق سيناريو المفاجأة آخذة في الانحسار المتزايد.
فداخل تيار «المستقبل» حيث بدأ الاعتراض على خيار انتخاب عون، بـ١١ نائباً، لكنه أصبح أربعة نواب فقط الآن. لقد فعلت رسالة الحريري لهم فعلها الإيجابي وكان مضمونها «لا أضغط على أحد، ولكننا جميعاً في لحظة أزمة؛ والمطلوب التضامن في هذه اللحظة».