فيما الانظار كانت لا تزال شاخصة الى جرود بريتال التي صدت هجوما للمسلحين التكفيريين تحولت الانظار الى الجنوب في تطور لافت هو الاول من نوعه منذ ما قبل عدوان تموز 2006 بعدما تبنى حزب الله عملية تفجير داخل مزارع شبعا، قبل أن يعيدنا بيني غانتس ثمانين سنة الى الوراء، في خطوة تنطوي على الكثير من الاهمية، في مثل هذا التوقيت بالذات، وبالغة الدلالات في الزمان والمكان واهمية الانجاز، لها ان تخلط اوراقا كثيرة لدى الاعداء والاصدقاء على حد سواء.
وبحسب تحقيق «اليونيفل» فان العبوتين زرعتا على الطريق التي تسلكها الدوريات الاسرائيلية التي تقوم بأعمال التمشيط عند الطريق العسكرية، التي تربط موقع رويسة العلم بمحور بركة النقار، في الجهة الشمالية لمزارع شبعا المحتلة، قبالة مرتفعات جبل سدانة، بالقرب من المكان الذي خطف منه الجنود عام 2006، لسهولة التحرك في تلك النقطة نظرا الى الطبيعة الجغرافية للمنطقة، حيث انفجرت عبوة ناسفة اثناء محاولة فريق من الهندسة الاسرائيلية تفكيكها، اتبعت بانفجار عبوة ثانية بعد نصف ساعة.
فالعملية التي جاءت في سياق الظروف والاحداث المترابطة التي تمر بها المنطقة، حملت في طياتها اكثر من دلالة وهدف. فالرسائل التي اراد الحزب ايصالها كثيرة سواء للداخل اللبناني، عقب المواقف المتصاعدة والداعية لخروجه من سوريا، او للخارج والحكومة الاسرائيلية ايضا، انه ورغم مشاركته في الحرب في سوريا الى جانب النظام في دمشق ما زال يعتبر مقاومة الاحتلال الاسرائيلي قضيته الاولى. انطلاقا من ذلك توقفت مصادر متابعة للملف عند النقاط الآتية:
– الشكل اللافت للاعتراف بالعملية من خلال نسبها إلى «مجموعة الشهيد علي حسن حيدر» الذي قتل اثناء محاولته تفكيك جهاز تجسس اسرائيلي، بعدما شهدت المنطقة الحدودية المحاذية للجنوب اللبناني سلسلة عمليات لم يعلن الحزب مسؤوليته عنها صراحة رغم توجيه اصابع الاتهام اليه.
– محاولة الحزب فرض قواعد اشتباك جديدة على قاعدة اظهاره قدرته على القتال على أكثر من جبهة، من الداخل السوري مرورا بالداخل اللبناني وعلى الحدود الشرقية وصولا الى الحدود الجنوبية مع اسرائيل، فلكل جبهة كوادرها القتالية وجهوزيتها وحيثياتها الخاصة، في تبن هو الأول منذ عملية اللبونة في آب الماضي.
– التفجير وقع ضمن منطقة لا تعترف الدولة اللبنانية بأنها خط أزرق وأنها مناطق لبنانية محتلة من قبل إسرائيل ولا يسري عليها قرار مجلس الأمن بحسب مصادر الحزب، لكن قوات اليونيفيل التي فتحت تحقيقا في التفجير أعلنت أنه يشكل انتهاكا للقرار1701.
– جاءت ردا على «الخروق» المتراكمة من الاعتداء على الجيش إلى خطف الرعيان إلى التوغل وسرقة المياه وصولا إلى التجسس وزرع آلياته على الأراضي اللبنانية،
-حملت العملية في طياتها رسالة ابعد من الاهداف المعلنة، تمثلت في التلويح بورقة تفجير الجبهة مع اسرائيل اذا ما حاول الغرب وضع «حزب الله» على قائمة الارهاب لحشر محور الممانعة الايراني – السوري، عشية اعلان نتنياهو استعداده لدخول التحالف الدولي مقابل شروط.
-في بعدها المعنوي تركت العملية تاثيرا ايجابيا لدى جمهور الحزب، بعد الحرب النفسية التي شنتها النصرة وداعش عبر سلسلة الافلام الموزعة لمواقع مدمرة وقتلى واسرى للحزب.
– توجيه رسالة واضحة للاسرائيليين الذين يسهلون تسلل المسلحين عبر المعابر في منطقتي شبعا وحاصبيا، مفادها ان الحزب لن يسكت وسيتعامل مع اي خرق للجبهة الجنوبية من جانب الارهابيين بالطرق المناسبة التي لن تستثني الجيش الاسرائيلي.
– يمكن ادراج العملية في باب تسجيل النقاط ليس الا، في ظل ادراك الطرفين عدم جدوى دخولهما في مواجهة مفتوحة في الوقت الحالي، خاصة مع عدم حماس اسرائيلي بعد حرب غزة الاخيرة وتداعياتها والنقاش الحاد حول ميزانية الجيش. لذا، يكتفي الاثنان بـ«تسجيل النقاط» في جولات القتال بينهما.
غير ان العملية، وحسب مصادر وزارية وضعت الحكومة اللبنانية في موقف لا تحسد عليه، ليس لكونها مغيبة عن قرارات الحرب والسلم، انما للحرج الذي تسببت به وتحميل الحكومة مسؤوليتها المباشرة من قبل اكثر من طرف دولي من خلال الرسائل التي وصلت الى بيروت، وسط الهواجس الامنية من امكان توريط الجيش، باعتبار ان الضغوط الدولية نجحت هذه المرة في لجم اسرائيل وردعها عن توسيع نطاق الرد مكتفية بقصف «صوري»، في مواجهات مع اسرائيل اذا ما استهدفت المنطقة الموجود فيها والمسؤول عن امنها مع اليونيفل، في لحظة حساسة يخوض فيها مواجهات يومية مع الجماعات الارهابية على طول الجغرافيا اللبنانية من حربه في جرود عرسال مرورا بضبط الوضع في طرابلس وصولا الى ملاحقة الخلايا الارهابية المنتشرة في بعض المناطق.
مصادر مقربة من حزب الله اشارت الى ان الاخير شن هجوما استباقيا ليس على اسرائيل بل على المسلحين السوريين الذين كانوا يستعدون لفتح جبهة شبعا، مستبعدة أن تعمد تل ابيب الى فتح جبهة الجنوب كرد على العملية، لافتة إلى أن المعطيات الحالية وأبرزها تركيز التحالف الدولي على استهداف «داعش» تؤكد أن لا مجال لحرب اسرائيلية على لبنان.
اسرائيل التي قرأت في العملية تصعيدا جديدا وتغييرا في استراتيجية الحزب، تخوفت من تدهور أمني مفاجئ يفقد السيطرة على زمام الأمور، بعد الهدوء الذي ساد خلال الفترة الماضية عبر امتناعه عن إعلان مسؤوليته عن عدة حوادث أمنية وقعت على امتداد الحدود، في اطار الحرب السرية الدائرة بين الطرفين، ما يؤشر الى نهاية فترة الردع الذي أعلنته اسرائيل منذ حرب لبنان الثانية وبأن حزب الله لم يعد يخاف من فرض قواعده للعبة.
واكدت مصادر في 14 آذار ان اللحظة الراهنة بحساسيتها الامنية المحلية والاقليمية لا تسمح بفتح ثغر امنية وتوريط الجيش في مواجهة مع اسرائيل سترتب خسائر كبيرة ليس للبنان في الظرف الحالي القدرة على تحملها، وسألت ماذا يقصد الحزب من توسيع دائرة التوتر؟ وهل المناوشات على الجبهة الجنوبية هي تمهيد لفتح جبهة جديدة، او لصرف الانظار عن توغل الحزب في سوريا أو حتى عن الجبهة الشرقية التي هي في طور الاشتعال؟ هل عملية التفجير هذه بداية لسلسلة من العمليات الهجومية الاخرى ضد اهداف اسرائيلية، ام انها تظل حادثة منفردة؟ هل هو استدراج لاسرائيل والتطرف معا من قبل حزب الله لاهداف وغايات اقليمية؟ لعل منها توجيه رسالة عشية اعلان نتانياهو استعداده للانضمام للتحالف وما قد يحمله ذلك من اكلاف مسددة سلفا دوليا؟ لماذا ضرب حزب الله اليوم في شبعا بعد ثمان وأربعين ساعة على معارك بريتال؟ هل في التوقيت ترابط لتقديم ما يحصل في الجنوب على ما يحصل في البقاع، أم انها مجرد رد على مقتل خبير المتفجرات حسن علي حيدر أثناء محاولته تفكيك جسم مفخخ في الجنوب؟
من الصعوبة الإجابة مباشرة لكن حادثة شبعا، وهي من العمليات النادرة منذ العام 2006، تؤشر إلى أن طول الحدود من بريتال إلى شبعا مرشح لتطورات على غرار ما حصل في جرود بريتال او ما حصل في مزارع شبعا. وحدها قيادة حزب الله تملك اجابات عن هذه الاسئلة وغيرها، الا ان الاكيد ان اي تصعيد في المواجهات في جبهة جنوب لبنان ضد اسرائيل سيخلط الاوراق جميعا في المنطقة بأسرها. لكن الأمور كلها تبقى رهينة الاحداث المتسارعة والتطورات المستجدة، فإلى متى سيستمرّ شدّ الحبال بين الجانبين وهل من الممكن أن يخطىء تقدير أحدهما فيشد الحبل أكثر من اللازم؟