… مرّة أخرى يجد اللبنانيون أنفسهم أمام استحقاق دستوري مرشّح للتأجيل، بسبب عجز الطبقة السياسية عن إيجاد الصيغ التوافقية اللازمة، للحد من خلافاتها، لتصبح قادرة على تغليب مصلحة البلد والحفاظ على النظام، على منطق المحاصصات الطائفية والحزبية والأنانية!
الانتخابات النيابية المقررة في أيار المقبل، تبتعد أكثر فأكثر عن موعد الاستحقاق الدستوري، خاصة بعدما طغت أحاديث أشد وطأة، مثل الفراغ والاستفتاء، على كل ما عداها من محاولات يفترض برئيس الجمهورية أن يقودها، لجمع الأطراف السياسية على طاولة حوار جدّي للخروج بصيغة القانون الجديد للانتخابات العتيدة.
وإذا لم يقم رئيس البلاد بدور الحَكَم بين الأفرقاء السياسيين المتهافتين على جبنة الانتخابات، فمن هو القادر على القيام بمثل هذه المهمة، التي ترتقي إلى مستوى المسؤولية الوطنية الكبرى؟
ومع اقتراب حلول المهل الدستورية للانتخابات النيابية، تأخذ المناقشات الدائرة حول قانون الانتخابات، سواء في اللجنة الرباعية، أو خارجها على المسرح السياسي العام، طابعاً متوتراً من الصراع الممزوج بألوان من التحديات الشخصية والحزبية والمناطقية، بدأت تؤثر سلباً على الأجواء الإيجابية التي رافقت الانتخابات الرئاسية، وتبدد المناخات الوفاقية التي سرّعت خطوات تشكيل الحكومة الحالية!
* * *
طبعاً، من حق الرئيس ميشال عون أن يكون أميناً في تنفيذ ما ورد في خطاب القسم من التزامات ووعود، وفي مقدمتها إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون انتخاب جديد يحقق عدالة وصحة التمثيل للجميع.
ومن حق الرئيس أيضاً أن يرفض قانون الستين، مع تعديلاته التي حرص عون، شخصياً، على إدخالها عليه في مؤتمر الدوحة، كما يحق للرئيس رفض التمديد لمجلس النواب الممددة ولايته أصلاً رغم المعارضة الشرسة لنواب «التيار الوطني الحر»، والتي وصلت إلى حد تقديم شكوى إلى المجلس الدستوري لإبطال التمديد، واعتباره غير شرعي وغير قانوني.
ولكن ما العمل إزاء فشل هذه الطبقة السياسية العاجزة عن الاتفاق على قانون انتخاب جديد؟
هل الذهاب إلى الفراغ يُعوّض الفشل في إجراء الانتخابات النيابية في موعدها؟
أم أن اللجوء إلى استفتاء شعبي يُنقذ البلاد والنظام من الوقوع في مهاوي الفراغ، ومن تعطيل المؤسسات الدستورية من جديد؟
والرئيس عون، الذي أقسَمَ على حماية الدستور، يُدرك أكثر من غيره، أن لا وجود للفراغ، ولا للاستفتاء الشعبي، في بنود الدستور اللبناني، الذي ينص على أن لبنان «جمهورية ديمقراطية برلمانية»، وأن «الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية»، وليس عبر استفتاءات مباشرة، معظمها مفبرك، كما يجري في الأنظمة الرئاسية حولنا!
الطبقة السياسية في مأزق!
فهل يتحوّل هذا المأزق إلى أزمة نظام؟
وأيهما أقل كلفة على العهد، وعلى البلاد والعباد: معالجة المأزق… أم الاندفاع نحو مستنقعات أزمة جديدة؟