مواكب الأحزان تحفر خنادق الوحدة
حزب الله وراء الجيش.. والخطوة الكبيرة تنتظم بتفاهم إيراني – أميركي!
مشاهد مواكب الأحزان: من سيروب إحدى قرى صيدا عاصمة الجنوب والمقاومة، إلى عكار خزان الجيش والعمق الحيوي للبنان المحاصر بعمارات الباطون وقلة المساحة الخضراء، إلى البقاع، الذي كان يُسمّى في وقت من الأوقات «إهراءات الشرق»، دلالة على وفرة محاصيله وغلاله، ولّدت شعوراً، متنامياً لدى المواطن العادي، والمسؤول، (وما أدراك ما المسؤول)، فضلا عن كل مَنْ يتحسّس بألم الواقع المرير الذي يمر به لبنان اليوم. كانت الأسئلة تسابق دموع الأمهات الثكلى، والنساء المتحسرات على فقدان أزواجهن، والأطفال الصغار، الذين يجيئون ويذهبون بحثاً عن الأب، الذي قد يتأخر عن موعد مجيئه، تحت ضغط المهمات العسكرية الطارئة، أو تدابير الحجز أو ما شاكل، لكن الأب الجندي، لن يعود اليوم ولا غداً، ها هو يُحمل على أكفّ رفاقه الشجعان، والأوفياء، في مشهد، يذكّر بمشاهد جرت في عواصم ومدن عربية من المشرق إلى المغرب، ومن بغداد إلى دمشق، إلى مثواه الأخير..
فرضت الأسئلة حصاراً على الكلام عن مفاوضات بالواسطة أو عبر شخصيات مشهود لها بمزايا التفاوض، لاستعادة الجنود الأسرى، لدى تنظيم «داعش»، أو لدى جبهة النصرة السورية، والذين تتحدث التقارير أنهم يقيمون قواعد ومراكز لهم في جرود عرسال، أو بعد جرود عرسال.
في اللحظة الحرجة هذه، كانت المشاهد المحزنة تحفر خنادق الوحدة الوطنية، وكان الرئيس تمام سلام، الذي يحمل ملفات، مرهقة، على كاهله، يعلن من عين التينة أن الدولة قبلت التحدّي، وقررت المواجهة، مواجهة أولئك، الذين يقتلون جنوداً لا ناقة لهم ولا جمل، لا في مجريات حرب نظام الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية، أو في الحرب الإقليمية، والتحالفات الدولية. وحتى الحكومة اللبنانية التي أعلنت مراراً وتكراراً سيرها بخطى «النأي بالنفس» عن الخلافات والمشكلات، ولا سيما الأزمة السورية وتداعياتها، وحرصها على استقبال مئات ألوف النازحين السوريين..
تُدرك «النصرة» و«داعش» أن التفاوض لاستعادة الجنود الأسرى، لا يكون بإرسالهم قتلى الواحد تلو الآخر، وأن تصوير الأشرطة وبثّها في حرب دعائية، لن يُثبط همم الدولة في إدارة ملف بالغ التعقيد.. وإذا كان من الواجب، ومن حقّ الجنود على جيشهم ودولتهم بذل ما يلزم لاستعادتهم، بأي طريقة من الطرق، فهذا لا يعني طأطأة الرأس، أو وضعها في الرمال، بحثاً عن سراب..
حاذرت الحكومة إعطاء الأوامر للجيش اللبناني بإعلان الحرب على «الجماعات المسلّحة» في عرسال وما وراء حدودها الإدارية، إلّا أن العبوة الناسفة يوم الجمعة، ثم مقتل الجندي الأسير محمد حمية، غيّرا مجرى الوقائع: إعطاء الأوامر بالردّ والمواجهة، والقصف بالمدفعية والطيران. (لم تعد المسألة، تتصل بإبداء حُسن النيّة، واسترجاع الجنود بالوسائل التفاوضية السملية). تغيّر المشهد الآن، وانحصرت المواجهة «داعش» والنصرة تريدانها مع حزب الله، ولا مانع من ضرب الجيش اللبناني، وإضعاف جهوزيته باعتباره ينسق مع حزب الله، (لا حاجة لاستعادة الأدبيات التي تنشر عبر المواقع الالكترونية أو عبر البيانات).. حزب الله، يريد المواجهة مع «الجماعات المسلّحة» حصراً. يبذل جهوداً غير عادية لمنع البوصلة من الإنحراف: لبنان في خطر، والخطر لا يأتي من تيارات وقوى يختلف الحزب معها في التقييم السياسي، أو في قراءة المشهد من صنعاء الحوثيين إلى طرابلس – باب التبانة والأحياء الفقيرة التي تلتف حول شعارات النصرة أو داعش، في بعض ساحاتها ومساحاتها، ولو كانت قليلة أو رمزية.
الخطر، يأتي من أعداء لبنان، وهم بعد اسرائيل، «جبهة النصرة» و«داعش»، هم يخطفون الجنود، وهم يهددون الأمن والإستقرار في الداخل..
تمكّنت الجهود التي بُذلت من حصر نقاط التوتر، ونزع فتائل التفجير، من الطرق والشوارع، وحتى الخطابات. ها هم آباء العسكريين الشهداء: من علي السيد إلى عباس مدلج إلى محمد حمية، وربما يلحقهم آخرون، وبينهم علي البزال، وجنود محتجزون من الجيش اللبناني وشرطة من قوى الأمن الداخلي، يُعلنون على الملأ أن الدم، بعد الشرف والتضحية والوفاء، وحّد الناس خلف الجيش والدولة، وأن الثأر لن يكون من أفراد أبرياء، لا سوريين ولا سواهم، بل من القتلة أنفسهم. وجاء توقيف مجموعة سورية، ليثبت أن إمكانية ملاحقة «القتلة متاحة» عبر الدولة وأدواتها، لا سيّما وأن بين الموقوفين أحد السوريين المتورّط بمقتل الجندي مدلج..
حتى اللحظة، بدا حزب الله، متماسكاً بإدارة معركته المفتوحة مع «جماعات المعارضة السورية»، الذين باتوا ملاحقين دولياً (التنظيمات المتطرّفة) بوصفها تنظيمات إرهابية. هو يقف وراء الدولة، ولا يتجاوزها، لكن المسرح الميداني، يكشف عن مواجهات شرسة يقوم بها الحزب في مناطق وعرة وجبلية وقاسية في القلمون السورية.
يتجه الحزب لتوجيه ضربة قاصمة لتلك الجماعات، ربّما هو ينتظر مجرى العمليات الدولية ضد قواعد «داعش» ومنشآتها على طول المساحة التي تحتلها في العراق، من الموصل إلى الحدود السورية، فضلاً عن استطلاع نتائج المفاوضات الأميركية – الإيرانية لمعرفة الأثمان المدفوعة أو المقبوضة، في لعبة المصالح المتقاطعة أو المتباعدة، أو ذات الخلفيات الاستراتيجية.
مسألة الحسم في الحرب ضد الإرهاب، من على الجبهة اللبنانية، ليست بالأمر السهل، لكن «الجماعات المسلحة» العنفية وغيرها، المتطرّفة أو «الإرهابية» وسواها تدرك أن اللعب على الساحة اللبنانية محفوف بالمخاطر الجمّة:
1- مطاردة العناصر المسلحة، وقتلها أو اعتقالها أو طردها من لبنان.
2- إضعاف «الحاضنة الشعبية» أو «البيئة الحاقدة» على حزب الله في الأوساط الشعبية غير الشيعية..
3- المعركة تدور على أرض لبنان، ولا أحد يخسر المعركة على أرضه. «فالعدو» في أي حرب على أرض الغير هو الخاسر الوحيد، فهو إمّا يُطرد، أو يُقتل، أو يُباد أو يُؤسر أو أي أمر آخر..
يربح حزب الله في المواجهة على أرض البقاع، وفي المواجهة عبر الحدود الشرقية (هو بعيد وما يزال عن الحدود الشمالية). تلتف حوله قاعدته الأصلية، ويلقى تفهّم الآخرين، وينخرط من وراء الجيش اللبناني، سواء عبر الحكومة، أو في الميدان في مواجهة «الإرهاب» أو ما يسمى «بالإرهاب التكفيري»..
الحزب ليس على طاولة العمليات الدولية. شراكته في الحرب «صد الإرهاب» تفرضها مصالحه في لبنان وسوريا، وتنتظم ضمن سياق التفاهم بين واشنطن وطهران أو عدمه؟!