IMLebanon

قراءة إقتصاديّة في توقيع الإتفاق النفطي بين «قطر للطاقة» و«إيني» و«توتال» والدولة اللبنانيّة

 

لا استفادة من مداخيل النفط من دون إصلاحات إقتصاديّة… المجتمع الدولي في المرصاد

 

شهد يوم امس الاحد، توقيع إتفاقية مُشتركة بين الدولة اللبنانية وتحالف شركات «توتال إنرجيز» (Total Energies) الفرنسية و»إيني» (Eni) الإيطالية، و»قطر للطاقة». وتشمل الإتفاقية شقيّن: استكشاف وإنتاج النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية. هذه الخطوة تأتي على خلفية إنسحاب شركة «نوفاتك» الروسية في آب الماضي، والتي فُرض عليها عقوبات أميركية منعها من الإستمرار في هذا التحالف، وأيضًا على خلفية إتفاق ترسيم الحدود البحرية والذي نصّ على منع الدوّلة اللبنانية أو أي شركة لبنانية (نفس الأمر من الجهة الأخرى) من الإشتراك مباشرة أو غير مباشرة في التحالف الذي يقوم بالتنقيب في المنطقة المُجاورة للحدود.

 

دخول الشركة القطرية – «قطر للطاقة» – عدّل من موازين القوى، حيث أصبحت المُعادلة على الشكل التالي: «توتال انيرجيز» من خلال شركة «داجا» 215: 35 في المئة (مشغل)، «إيني» الإيطالية مباشرة 35 في المئة (مشغل)، و»قطر للطاقة» 30 في المئة (غير مشغل). بعد أن كانت على الشكل التالي: 40 في المئة لشركة «توتال انيرجيز» و40 في المئة لشركة «إيني الإيطالية» (أي ما مجموعه 80%) و20 في المئة لشركة «نوفاتك» الروسية ، التي تخلّت عنها للدولة اللبنانية بعد فرض العقوبات عليها.

 

الإئتلاف الذي يُغطّي البلوكات 4 و9، وعد ببدء الحفر في الربع الثالث من هذا العام، وبالتالي وفي حال تمّت الأمور بشكل إيجابي من الناحية التقنية (الإحتمال مُرتفع)، قد يكون لبنان على موعد مع مداخيل ناتجة عن إستخراج الغاز في ثلاثة إلى خمسة أعوام من تاريخ الإعلان عن إكتشاف الحقول. وتُشير التقديرات التقنية أن حصّة الدولة اللبنانية من صافي المداخيل أي بعد حسم الكلفة التشغيلية وكلفة رأس المال، تتراوح بين 50 و65 في المئة.

كيف يُمكن للبنان أن يستفيد؟

 

لكن عمليًا، كيف يُمكن للبنان أن يستفيد من هذا الملف؟

 

– إقتصاديًا: القطاعات الداعمة لإستخراج النفط والغاز، بالإضافة إلى القطاعات المُتعلّقة مباشرة بإستخراج النفط والغاز (البتروكيماويات مثلًا) والقطاعات الخدماتية، هي من القطاعات التي تأتي على رأس هرم الإستفادة من عملية إستخراج الغاز والنفط. إلا أن هذا الأمر يحتاج إلى إستثمارات، وبالعادة لا تأتي مثل هذه الإستثمارات إلا بعد الإعلان عن إكتشاف آبار الغاز أو النفط. هذا التحوّل في الهيكلية الإقتصادية يفرض نفسه في معظم الدول المُنتجة للنفط والغاز، وبالتالي كل الأمر مُرتبط بالإعلان الإيجابي عن إكتشاف آبار واعدة، وهو أمر عالي الإحتمالات مع الحديث عن عدّة تريليونات من الأقدام المُكعبة من الغاز القابعة في البلوك رقم 9 في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان. بالطبع كل هذا الأمر سينعكس إيجابًا على سوق العمل، وبالتالي على لجم وتيرة الفقر من خلال تأمين وظائف للبنانيين.

 

– ماليًا: إعلان إكتشاف حقول غاز سيؤدّي تلقائيًا إلى رفع التصنيف الإئتماني للبنان وعودته إلى النظام المالي العالمي، بعد أن عزل لبنان نفسه بنفسه من خلال توقفه عن دفع ديونه السيادية. أيضًا سيكون لمثل هذا الإعلان تأثير إيجابي على عملية إعادة هيكلة الديون السيادية (ثقة الأسواق بقدرة لبنان على سد ديونه بالإضافة إلى خفض الفائدة على هذه الديون)، كما وعلى برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، بإستثناء الإصلاحات التي ستبقى شرطًا لا رجوع عنه. أيضًا وكنتيجة تلقائية لعملية الإستثمارات وزيادة الوظائف، سترى خزينة الدولة مداخيلها من الضرائب ترتفع ومعها المشاريع الحكومية التي تعود بالفائدة على المواطن.

 

– نقديًا: من المفروض أنه وبمجرد الإعلان عن إكتشاف حقول غاز في المنطقة الإقتصادية الخالصة (وبالتحديد البلوكات 4 و9 بحكم أنها مُلزّمة)، سيكون هناك ردّة فعل إيجابية من الأسواق تجاه الليرة اللبنانية التي ستتحسّن قيمتها تجاه الدولار الأميركي.

 

ما عرضناه أعلاه، يُظهر أن الأمور تسير بالإتجاه الصحيح، وأن المُستقبل مُزهر بالنسبة للبنان، لكن… المُجتمع الدولي لن يرضى بإعطاء السلطات الرسمية حصّتها من المداخيل إلا بعد إجراء الإصلاحات اللازمة والمنصوص عليها في برنامج صندوق النقد الدولي. هذه الإصلاحات هي شرط أساسي وضروري إذا أراد لبنان تسهيل آلية الإستفادة من حقوقه في المداخيل الناتجة عن النفط والغاز المُستخرجين من منطقته الإقتصادية الخالصة. على هذا الصعيد، كان هناك تصريح لافت للموفد الأميركي عاموس هوكستين الذي قال: أن المُجتمع الدولي سيحرص على أن تذهب هذه المداخيل للشعب اللبناني، وهو ما يعني ضمّنًا التأكّد أن الأموال التي سيتمّ قبضها ستذهب إلى مشاريع تخدم المواطن اللبناني بالدرجة الأولى.

 

وهذا يعني أن هناك تعقيدات آتية لا محالة من باب السياسة، حيث أن لا إجماع وطنيا على تفاصيل الإصلاحات ورقعة تغطيتها، وبالتالي من المتوقّع أن يُشكّل الأداء السياسي في المرحلة المُقبلة عائقا أساسيا أمام تسريع عملية الإستفادة من مداخيل النفط والغاز، خصوصًا أن بعض هذه الإصلاحات تتضمّن حكمًا شروطًا سياسية، منها على سبيل الذكر لا الحصر «النأي بلبنان عن الصراعات الإقليمية»، وهو ما يختلف الأفرقاء اللبنانيون على تعريفه.

 

في بلد لا يعيش تخبّطًا سياسيًا كبيرًا كالذي يعيشه لبنان، ولا تُسيطر على أسواقه عصابات من المضاربين، كان من المفروض أن إعلانًا مثل إعلان توقيع الإتفاقية المُشتركة بين الدولة اللبنانية وشركات «توتال إنرجيز» و «إيني» و «قطر للطاقة»، يؤدّي إلى إنخفاض سعر صرف الدولار مُقابل الليرة اللبنانية بشكل كبير. إلا أن هذا لم يحصل ولن يحصل ما دامت الدوّلة اللبنانية لا تفرض سيادتها المالية على أراضيها، وتمنع التهريب والتهرّب الضريبي والفساد وغيرها من العيوب التي تؤدّي إلى خللٍ في اللعبة الإقتصادية. وبما أن حصرية القرارات الإقتصادية هي في يد الحكومة اللبنانية، لذا من البديهي إعادة القول والتأكيد على ما قلناه أعلاه أن «الأداء السياسي في المرحلة المُقبلة سيُشكّل عائقًا أساسيًا أمام تسريع عملية الإستفادة من مداخيل النفط والغاز».

 

في الختام، يعتقد البعض أن مداخيل الغاز والنفط، سيتمّ إستخدامها في سدّ الدين العام. إن هذا الأمر إن حصل سيكون خطأَ تاريخيًا، بحكم أن الأصول الإقتصادية تفرض أن الماكينة الإقتصادية هي المولجة سدّ الدين العام، في حين أن مداخيل الغاز والنفط تذهب إلى صندوق سيادي يتمّ توظيفه وإستخدام عائداته في أعمال إنمائية وإجتماعية وتربوية وصحّية وإقتصادية وغيرها.