وسط “ستاتيكو” حكومي تعيشه البلاد، ومع بقاء ملف تعيين عمداء أصيلين لكليّات الجامعة اللبنانية على الرف، يشمّر الاساتذة المتفرغون في “اللبنانية” عن سواعدهم لانتخاب مجلس مندوبي رابطتهم لدورة 2018-2020، الذي يضم نحو 165 مندوباً. غداً ستدور المعارك الانتخابية في بعض الوحدات والفروع وسط أجواء تنافسية، بعدما حجز 75 مندوباً مقاعدهم باكراً بفوزهم بالتزكية.
فيما لا يزال طلاب الجامعة اللبنانية محرومين من انتخابات الهيئات الطالبية منذ نحو 10 سنوات، تنطلق المرحلة الأولى من انتخابات رابطة «الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية»، وفق النظام الداخلي عبر انتخاب الاساتذة المتفرغين مجلس مندوبين، أي أساتذة يمثلون فروع الكليات على امتداد الوطن.
الانتخابات على مراحل
بدأت رابطة الاساتذة الحالية، التي يترأسها الدكتور محمد صميلي، حزم أمتعتها وترتيب أوراقها وملفاتها الخاصة من مقرّها في بئر حسن. عُمر ولاية الرابطة سنتين وقد شارفتا على الانتهاء، وبحسب العرف السائد تكون رئاسة الرابطة مداورة بين المسلمين والمسيحيين الذين ينتظرون بفارغ الصبر هذه المرة دورهم، لذا تبدو الأحزاب المسيحية أكثر حماسة أو انشغالاً بحساباتها الداخلية وبمخاطبة مناصريها.
ما يزيد انتخابات الرابطة حماسة، أنها تحصل على مراحل، ففي المرحلة الاولى، والتي تبدأ غداً من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر، سينتخب الاساتذة والذين سددوا اشتراكاتهم، ممثليهم الذين يشكلون مجلس المندوبين. يُحدد عدد المندوبين بحسب عدد الاساتذة المتفرغين في الكلية، على سبيل المثال، في الكلية التي تضم 10 أساتذة متفرغين يحق لها بمندوبين، 15 متفرغا وما فوق يحق لها بـ3 مندوبين، أما الكلية الاكبر فينتخب الاساتذة 5 مندوبين لهم.
في المرحلة الثانية، يجتمع المندوبون بدعوة من زميلهم الاكبر سناً، وينتخبون رئيس مجلس المندوبين وأمينَ سر. بعدها، يدعو رئيس مجلس المندوبين إلى جلسة لانتخاب الهيئة التنفيذية المكوّنة من 15 عضواً، والهيئة التنفيذية تنتخب رئيس الرابطة وأمين سر، وتوزع المهام على الاعضاء.
ممر إلزامي لرئاسة الرابطة
للوهلة الأولى قد يتعامل بعض الاساتذة ببرودة مع استحقاق الغد على اعتبار انّ العملية مجرد انتخاب مندوبين، لكن في حسابات الاحزاب معركة الرئاسة «بتبَلّش هون»، من انتخابات المندوبين. لذا، تتأنى الاحزاب في اختيار مرشحيها كي يتمكن أحد منهم في مرحلة لاحقة من الاستحقاق أن يحظى بدعم الغالبية الساحقة من زملائه على تنوع طوائفهم وانتماءاتهم السياسية، نظراً لأن ليس بوسع أي حزب أو طائفة تأمين الاكثرية. لذا، غالباً ما تتعامل الاحزاب مع معركة المندوبين بشراسة كأنها المعركة الاخيرة، «يا منوصَل على رئاسة الرابطة أو منخسر!».
سواء كان رئيس الرابطة المرتقب مستقلا أو ينتمي إلى حزب معين، أو يحظى بدعم تحالفات حزبية، لن يتمكن من إنجاح ولاية الرابطة ما لم يتحسّب للتحديات المنتظرة في ضوء ما حصّلته الرابطة الحالية برئاسة د. صميلي، وما وضعته على سكة التنفيذ وحتى ما أخفقت في معالجته.
جردة حساب
في جردة حسابية تقويمية لفترة ولاية الرابطة، تنقسم آراء الاساتذة ويحتدم النقاش في ما بينهم. منهم من يعتبر انّ ما وضعته الرابطة على سكة الحل أكثر مما حققته من مكتسبات فعلية، متوقفة عند مشروع قانون إضافة 5 سنوات عند احتساب مجموع سنين خدمة الاستاذ في «اللبنانية»، الذي بدأ مخاضه مع حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى، والذي غيّب في درج مجلس النواب، إلى أن تمكنت الرابطة الحالية، بضغط منها، من وضعه على جدول أعمال مجلس النواب، وكان من المتوقع إقراره في الجلسة التشريعية الاخيرة لولا السجال السياسي الذي حصل. لذا، يراهن الاساتذة كثيراً على الرابطة الجديدة في أن تواصل الضغط باتجاه تأمين ولادة طبيعية للمشروع، وإلّا سيبقى أسير درج مجلس النواب.
فيما تعتبر فئة أخرى من الاساتذة أنّ النضال تراكمي ويصعب الفصل بين ولاية رابطة وأخرى، مشيرين إلى قانون المحسومات التقاعدية الذي صدر نتيجة نضال متراكم أثمرَ في عهد الرابطة الحالية، وقد ميّز أساتذة الجامعة عن القطاعات الاخرى، لجهة احتساب المحسومات التقاعدية.
وفئة لا يستهان بها من الدكاترة لا تتردد في تقديم انحناءة لما حققته الرابطة حيال صراعها المستميت مع السلطة، وما قامت به من تحركات، إعتصامات، وزيارات للمراجع السياسية وجولات على الكتل النيابية، وإضرابات متواصلة لتحصين موقع الاساتذة ولإعادة التوازن إلى رواتبهم. لذا، يثنون على صلابتها ونفسها الطويل مرددين: «الرابطة زرعت وبكرا نحنا منحصد»، مستشهدين باليوم التضامني الطويل مع الجامعة اللبنانية والذي نظّمته الرابطة في 25 نيسان 2018، وحصدت تواقيع نواب من الكتل النيابية، «المستقبل»، «القوات»، «حزب الله»، «أمل»، «المردة» و«الإشتراكي» على مشروع قانون معجل مكرر يعطي للأساتذة 3 درجات على رواتبهم. وهذا المشروع رهان آخر يضاف إلى الرهانات المنتظر أن تخوضها الرابطة الجديدة، كي يبلغ خواتيمه.
صميلي: تدخُل السياسة ولكن
من جهته، يعتبر د. صميلي النضال واحد في رابطة الاساتذة المتفرغين، موضحاً في حديث لـ«الجمهورية» أنّ «العمل في الرابطة كالعمل النقابي، النضال فيه يتواصل ويستمر من ولاية إلى أخرى، وتتحقق مطالب الاساتذة تدريجاً، من دون أن ننسى وجود ظروف محيطة بعمل الهيئة التنفيذية للرابطة إمّا مسهّلة أو مُعرقلة، وهذا ما يسرّع في تحقيق المكاسب أو يؤخرها». ويضيف: «بصرف النظر عن الاسماء التي ستضمّها الرابطة الجديدة فإننا سندعمها في مسيرتها، ونواصل معاً ضغطنا للحصول على الدرجات التي وعدنا بها، بالاضافة إلى مراسيم أخرى كالدخول إلى الملاك والتفرغ».
أما عن حجم التدخلات السياسية في عمل الرابطة، فيجيب صميلي: «كأيّ جسم نقابي، من الطبيعي أن تدخله السياسة، ولكن ما مدى تأثيره لاحقاً على مسار عمل الرابطة؟ هنا الأهم، وهنا تكمن مقدرة الاساتذة في توظيفهم لتلك التوجهات السياسية وتسخيرها في خدمة قضيتهم لتحقيق أوسع قدر من المطالب».
وعما إذا كان التقارب بين الاحزاب هو نفسه ينسحب تقارباً سياسياً ضمن الرابطة، يقول: «حتماً التحالفات الخارجية تؤثر في الانسجام الداخلي ويبرز احياناً شد الحبال، ولكن ليس بالضرورة أن تتحكّم تلك التحالفات في كيفية معالجة الملفات».
رغم انّ العملية الانتخابية تقتصر على الاساتذة المتفرغين، نقلنا لصميلي عتب الأساتذة المتعاقدين واتهامهم الرابطة بالتقصير، فيجيب: «قمنا بكل ما في وسعنا، علماً انّ الرابطة ليست من يُدخل الاساتذة إلى التفرغ، ولكن المؤسف عندما تكتمل الاسماء وتنجز دراسة الملفات لا تتوافر حكومة، وينتظر أن يكون السعي لإقرار التفرغ إحدى أولويات الرابطة».
مَن الأوفر حظاً؟
نظراً إلى انّ «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» أكبر القوى المسيحية والأوسع تمثيلاً، تتركز المعركة الانتخابية الاساسية بينهما، وتخفي في طيّاتها كباشاً خفياً بين مرشحيهم على تولّي رئاسة الرابطة. من جهته يرفض صميلي إعطاء جواب حاسم على سؤالنا، لأي حزب ترجّح كفة الميزان في تولي الرئاسة؟ قائلاً: «لا ننسى جود مندوبين مستقلين ولو بنسبة ضئيلة، كما انه من المبكر معرفة النتيجة لمن ستكون الغلبة وكيف ستُرجّح الأصوات».
تجاه دبلوماسية صميلي، يُراجِع الاساتذة مواقف الاحزاب الاخيرة حيال تحركاتهم ومدى تفاعل الاحزاب معهم ودعمهم، ليحددوا على اساسها خياراتهم. فيتبيّن انّ في رصيد «القوات اللبنانية» نقاطاً إضافية يحتفظون بها، كتلبية احد نواب «القوات» النداء في يوم التضامن مع الجامعة اللبنانية وتوقيعه مشروع القانون المعجل المكرر الذي يمنح الاساتذة 3 درجات، بينما لم يحضر احد من «التيار الوطني الحرّ».
أيّاً تكن خلفية الرئيس المرتقب للرابطة، يأمل الاساتذة في أن تتشكل الحكومة أولاً، ليأخذ عمل المؤسسات مساره الطبيعي، وإلا تبقى معظم ملفاتهم في الادراج ورهن الوعود.