أرادت روابط التعليم من اعتصام الأمس أن يكون تجمّعاً رمزياً يهدف إلى «التذكير بحقوق الأساتذة ومطالبهم»، فضُبط وقت التجمّع ساعة انعقاد الجلسة الاستثنائية لمجلس الوزراء في السّرايا. وعليه، دُعي الأساتذة برسالة رمزية على وسائل التواصل، وكلّما سأل الأساتذة مندوبيهم عن طريقة النقل، كان الجواب بـ«أنّ التجمع رمزي، ولا داعي لذهاب الجميع». أمّا على الضفة الأخرى، فقد حشد «الأساتذة المنتفضون على الروابط» بكلّ قوة للاعتصام، وأعادوا تفعيل كلّ اللّجان السّابقة التي شُكّلت على أيام كليّة التربية، وكانت مهمتها متابعة ما عُرف يومها بـ«الأساتذة المتمرّنين أو الجدد». دعوا إلى الاعتصام برسائل رنّانة، احتوت عبارات من قبيل «التحذير من الخطر المحدق، والخوف من العمل على تصفية التعليم الرّسمي»، وطلبوا من الأساتذة «جمع الأموال من بعضهم لتأمين النقليات للقادمين من خارج بيروت، والصوتيات لعدم السّماح للروابط بالاستئثار بالمنبر».
الاعتصام الحاشد حمل الكثير من المشاهد وانتهى بإهانة وجهها رئيس الحكومة لكلّ أساتذة لبنان على إثر «استقباله ووزير التربية والمالية لوفد الروابط، على الواقف، لدقيقة ونصف فقط»، تخلّلها «دخول رئيس الحكومة إلى الحمام أيضاً!» بحسب مصادر «الأخبار» المشاركة في الاجتماع. وأكدّت المصادر «عدم قبول هذه الإهانة التي لحقت بكلّ أساتذة لبنان، والردّ عليها سيكون في الأيام المقبلة»، الأمر الذي يشير إلى أنّ الأيام المقبلة ستحمل تصعيداً كبيراً يضع العام الدراسي كلّه على المحك.
اعتصام ونصف
من مختلف المناطق، حمل الأساتذة همومهم وتعبهم المتراكم على طول سنوات الأزمة إلى الاعتصام. ترفض أستاذة قادمة من كسروان «التأنيبات والحسومات، فهي وزملاؤها يعلّمون باللحم الحي، ويدفعون من جيوبهم على الوظيفة». أستاذ آخر قدم من عكار إلى بيروت ليقول بأنّ «الأساتذة لم يعد أمامهم سوى السّاحات، كلّ الأطر الثانية سقطت أو أسقطت». يضيف «قطعت أكثر من 200 كلم لأعبّر عن رفضي لمصادرة صوتي ورأيي من قبل الروابط»، فكان مشهد الاعتصام اعتصاماً ونصفاً، الأول يحتشد فيه الأساتذة المنتفضون على روابطهم، والرافضون لأصل سماعها، ونصف اعتصام يجمع رؤساء الروابط مع ممثلي المتعاقدين بمختلف تسمياتهم.
المعركة النقابية
كلّ شيء في ساحة رياض الصلح كان مقسوماً، التجمع تجمّعان، الصوتيات تسكت بعضها البعض، والإعلاميون يركضون بين ضفة وأخرى، في مشهد وصفه أستاذ بـ«حفلة زجل، ردّية من هون وردّية من هونيك». إلا أنّ كفّة الأعداد كانت ترجّح كفة المعارضين وحتى النقابيين من الأساتذة الذين يصفون أنفسهم بـ«المنتفضين على أداء الرابطة». فيرى النقابي حسن مظلوم أنّ «للمعركة شقين، الأول حقوقي ويتعلّق بمكتسبات الأساتذة، والثاني نقابي يهدف إلى إعادة انتظام العمل في المؤسّسة النقابية، عبر الجمعيات العموميّة». وفي حال عدم امتثال الهيئة الإدارية لمطلب عقد مجلس مندوبين، فيشير مظلوم إلى «استعداد الأساتذة للنزول إلى مركز الرابطة لاستعادته نقابياً، وسلمياً، بحسب النظام الداخلي»، ويختم بالتأكيد على «أنّ الرابطة للأساتذة، وليست للوزير». أما النقابي هشام شيّا الآتي من عاليه، فيؤكّد «لحاق الروابط مكرهين بتحرّك الأساتذة، الذي يهدف بشكل أساسي إلى فرض العودة للنظام الداخلي»، وعن حجب الثقة أو إبقائها، يرى شيّا بـ«أنّ الموقف ليس شخصياً، بل لمخالفة النظام الداخلي».
وفي اتصال مع «الأخبار» يؤكّد حيدر إسماعيل نائب رئيس رابطة الثانوي «استعداده للدعوة إلى جلسة لطرح الثقة بالهيئة الإدارية، فهذا واجبه الطبيعي والقانوني الذي لا يتهرّب منه، ولكنّه ينتظر عودة بعض الهدوء إلى الهيئة الإدارية»، ويذكر «أنّه تكلّم مع الأساتذة بذلك خلال الاعتصام والمشادات التي حصلت»، خاتماً بـ«دعوة الجميع إلى التهدئة ورفض تبادل الإهانات».
تصاعد التوتر
وكان الاعتصام الذي انعقد عند العاشرة تماماً، انطلق مع صوت الأستاذ وسيم نصّار القادم من منطقة النبطية متكلّماً باسم «المنتفضين»، معلناً «وصول التضحية لخواتيمها بعد ثلاث سنوات متتالية من العطاء على حساب مدخراتنا ولحمنا الحي»، ومؤكّداً «رفض العودة الذليلة مقابل دولارات قليلة». وحدّد نصّار مطالب الأساتذة بـ «دولرة الراتب أسوةً ببقية القطاعات، وإعادة تفعيل تقديمات تعاونية موظفي الدولة ودعمها، ورفع بدل النقل لحدود ثلث صفيحة بنزين عن كلّ يوم عمل»، خاتماً بـ«رفض أيّ تسوية مشبوهة لا ترضي الأساتذة».
وخلال إلقاء نصّار لكلمته تصاعد التوتر بين ضفتي الاعتصام، وحاولت الروابط إلقاء كلمتها في الوقت نفسه، فقام بعض الموجودين من جهة الروابط بمحاولات إسكات وسحب مكبّرات الصوت من المنتفضين، ما أدى إلى مشادات كلامية بين الطرفين انتهت بفرض المنتفضين لقرارهم «الإمساك بالاعتصام، وإنهاء كلمتهم أولاً، ومن ثمّ إعلان الاستراحة لـ15 دقيقة لتستفيد منها الروابط»، وهكذا كان.
وكلمة للروابط
وفي كلمته وجّه حيدر إسماعيل، نائب رئيس رابطة الثانوي، التحية أولاً لكلّ الموجودين في السّاحة من دون تفرقة، وأكّد «اطلاع كلّ المواطنين على مطالب الأساتذة، على مختلف توجهاتهم العملية والعلمية»، وتعجّب لـ«عدم وضوح المطالب لدى المسؤولين، على رغم كلّ الاجتماعات واللقاءات، وهي تصحيح الرواتب والأجور، وإقرار قانون تعديل بدل النقل وربطه بسعر صفيحة البنزين، وتقديم الحوافز المالية بلا منّة أو أيّ شرط من شروط البنك الدولي أو الجهات المموّلة، وتنظيم آلية صرفها، فالمقولة الأساس ستترجم بالفعل وهي: علّموا أولادنا نعلّم أولادكم، فلا تعليم لأحد إذا لم يتعلمّ أولادنا»، إضافة إلى عدد من الأمور المتعلّقة بموازنات المدارس التشغيليّة.
وما إن أنهى إسماعيل كلمته حتى عاد الهرج والمرج، إذ حاول ممثلو «الأساتذة المستعان بهم» الكلام، والدعوة للتظاهر أمام مقر اليونيسيف، فثار الأساتذة في الجهة المقابلة، رافضين التكلّم مع أحد بحقوقهم سوى الدولة اللبنانية، فـ«هم موظفون لديها، لا لدى المنظمات الدولية».
لا إضراب في ثانوية ضهور الشوير
يجول أستاذ غاضب بين زملائه باحثاً عن وسيلة إعلامية، وبعد أن يجدنا يصرخ غاضباً «كرامتي لا تباع بـ 120 دولاراً»، وبعد استيضاحه عن المبلغ وسبب غضبه، يشكو «عدم التزام ثانوية ضهور الشوير التي يعلّم فيها بالإضراب»، ويذكر أنّه «منذ انطلاق العام الدراسي الحالي تقوم جمعية أنا أقرأ بدفع 120 دولاراً شهرياً لكلّ أستاذ، مقابل التعليم وعدم الإضراب»، وعند سؤاله عن سبب وجوده في السّاحة بعيداً من صفه بما أنّ الثانوية تعلّم ولا تلتزم بالإضراب، يقول «هناك عدد من الأساتذة لم يقبلوا بهذه الإهانات، وملتزمون بالإضراب، في المقابل تقوم مديرة الثانوية بمعاقبتهم بقطع هذه المعونة عنهم عند تغيّبهم ليوم واحد فقط». ويذكر أيضاً، أنّ ثانويتي بسكنتا وبتغرين تعلّمان، ولا تلتزمان بالإضراب.