لا يكفي لحلّ الأزمة السياسية في لبنان وانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة الحياة الى المؤسسات الدستورية أن يتفق اللبنانيون على شخصية مارونية تعكس في الشكل تمثيلاً مسيحياً فاعلاً وتلقى قبولاً إسلامياً سنّياً وشيعياً ودرزياً واسعاً.
فعلى أهمية أن يحظى رئيس الجمهورية شكلاً، بموافقة ودعم الأحزاب المسيحية الكبرى والقوى السياسية الفاعلة، تضاف أهمية أن يحمل الرئيس المقبل للجمهورية مضموناً، مشروعاً يتضمّن أجوبة على الإشكاليات والعقد التي تتسبّب بالأزمة الحالية.
فالرئيس الذي يُفترض أن يدير لبنان لسنوات ست مقبلة يواجه من التعقيدات الإقليمية والدولية ما يفرض على رأس الدولة أن يحمل مشروعاً سياسياً لبنانياً يحاكي الوجدان المسيحي التاريخي بقبول إسلامي لمجموعة من الإشكاليات والتحدّيات المطروحة أبرزها:
-1 علاقة لبنان مع الدول العربية في ضوء البرودة التي تتّصف بها هذه العلاقة منذ أشهر نتيجة لمصادرة «حزب الله» قرار المؤسسات الدستورية وانفراده بتبنّي وتنفيذ سياسات إقليمية إيرانية معادية لمعظم الدول العربية.
صحيح أنّ الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية لا يمكن أن يكون معادياً لـ«حزب الله» وعرّابه الإيراني، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن للرئيس المقبل أن يكون معادياً للمملكة العربية السعودية ودول الخليج وغيرها من الدول العربية التي يستحيل على لبنان أن يعيش في عزلة عنها أو في مواجهة معها بدليل الآثار السلبية للتدابير الإقتصادية والمالية على العاملين اللبنانيين في الخليج خصوصاً وعلى الأوضاع الإقتصادية للدولة اللبنانية عموماً، ولإلغاء الهبة العسكرية السعودية للبنان على قدرات الجيش اللبناني والقوى الأمنية والعسكرية الشرعية الأخرى.
-2 علاقة لبنان مع المجتمع الدولي والشرعية الدولية في ظلّ المواجهات التي يخوضها «حزب الله» سياسياً وأمنياً واقتصادياً مع الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا خصوصاً والتي يدفع لبنان واللبنانيون ثمنها تدابير وإجراءات يرفضها «حزب الله» من دون أن يكون بإمكان الدولة اللبنانية مواجهتها أو رفضها.
ويُعتبر القانون الأميركي المتعلّق بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال خير نموذج للمخاطر التي يمكن أن تتهدّد أسس الإقتصاد اللبناني في حال سار بلبنان بخيارات سياسية لا يوافق عليها المجتمع الدولي.
-3 الأزمة الحياتية والمعيشية التي يعيشها اللبنانيون نتيجة للظروف الإقتصادية الصعبة بفعل المشاكل الإقليمية وانعكاسها على الساحة اللبنانية من جهة وبفعل تراكمات الحرب والفساد وآثار هذه التراكمات على مالية الدولة اللبنانية وخزينتها من جهة أخرى.
فإعادة التوازن الى الإقتصاد اللبناني، وإعادة إطلاق عجلة النموّ، تتطلّبان من بين ما تتطلّبانه وضع ملف النفط على السكة الصحيحة وهو ما لا يمكن أن يتمّ في حال كانت علاقة الشرعية اللبنانية مع الشرعيتين العربية والدولية مماثلة لعلاقة فنزويلا وإيران وغيرهما من الدول التي تعاني من الآثار السلبية للعقوبات الإقتصادية الدولية على رغم كونها من أكبر منتجي النفط في العالم.
واللافت أنّ أحداً من العاملين على خط حلّ مشكلة الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية، خصوصاً القادة المسيحيون، لم يقارب هذه الإشكاليات ولم يطرح لها أيّ مخرج.
وتبدو كلّ الجهود منصبّة على لعبة كباش محلّي سقفها الأعلى توزيع مواقع السلطة المنوي إعادة تركيبها نيابياً ووزارياً ورئاسياً على الفاعلين حزبياً وسياسياً وطائفياً، في وقت تبدو الحاجة ملحة الى مشروع رئاسي يحاكي الإشكاليات المطروحة ويسمح للرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية، الماروني، بأن يرئس احتفالات الذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير بعد أربع سنوات بما يثبّت أسس الكيان اللبناني وموقعه الإقليمي وعلاقاته الدولية، وبما يحاكي الوجدان السياسي للمسيحيين ونظرتهم الى مفهوم الدولة وعلاقاتها العربية والدولية.
لقد سبق للبنانيين، وخصوصاً للمسيحيين، على مدى مئة سنة مضت أن دفعوا أثماناً باهظة وقدموا تضحيات غالية جداً لتثبيت هوية لبنان العربية ودوره وعلاقاته الإقليمية والدولية. وهم اليوم يواجهون خطر الإنقلاب على كلّ المفاهيم والقناعات التي على اساسها كان لهم الدور الفاعل في تأسيس الدولة اللبنانية الحديثة.
لذلك، فإنّ على الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية في حال كان يُراد منه أن يمثل المسيحيين فعلاً أن يحمل مشروعاً يوافق عليه المسلمون اللبنانيون ويثبّت الخيارات المسيحية التاريخية للدولة بما يعيد للبنان دوره الحضاري الرائد ورسالته في التقارب المسيحي الإسلامي في مواجهة التطرف الإقليمي الذي يسعى للتمدّد اليه، وفي مواجهة العاملين على تغيير هويته وإلحاقه باستراتيجيات معادية للشرعيّتين العربية والدولية.
* عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»